تعتبر الجامعات إحدى أهم رموز تحضر وازدهار الأمم وهي من تعبر عن المستوى الفكري والثقافي لأي دولة كيفما كانت، بالإضافة إلى أنها تعتبر الخزان الأول للمتمدرسين ما بعد الثانوي حيث تتجاوز بنسبة 65% بالمقارنة مع باقي المؤسسات الأخرى كالتكوين المهني، دون إهمال الدور الذي لعبته الجامعات في الستينيات والسبعينيات والثمانينات من القرن الماضي في تكوين شخصيات الشباب، بالإضافة إلى مجموعة من الأدوار الأخرى في الدفاع عن القضايا الوطنية، لكن هل لازلت جامعاتنا لها نفس الدور؟ وهل ما زلت تحافظ على مصداقيتها؟ وأي فكر تجذر في عقولنا اليوم حول الجامعات؟ ومن المسؤول عما يحصل اليوم من خروقات؟
بعد ما كانت جامعاتنا تلعب أدوارا أساسية في مجتمعاتنا بداية بالتدريس مرورا بالتكوين والـتأطير والرفع من المستوى الثقافي والفكري إلى تخريج شخصيات هي من يعول عليها في تسيير دولها، لكن للأسف اليوم نلاحظ مجموعة من الممارسات التي تفند وتلغي جميع الأدوار التي سبق ذكرها.
إننا اليوم لم نعد نناقش في مجتمعنا ما مدى قدرة جامعاتنا على منحنا شباب و شابات لهم القدرة على مجابهة الحياة بمجموع مناحها، بل أصبحنا نناقش أشياء ليس لها صلة بمضمون الجامعة، و بالتالي أصبح هدف جامعاتنا هو تخريج شباب فاشل غير قادر على الانخراط في سوق الشغل بدرجة أولى أو حتى على الأقل بشخصيات متكاملة أو حتى بفكر و ثقافة قد تعينه و تعين المجتمع الذي ينتمي اليه، من خلال مجموعة من الممارسات التي أصبحت توجهنا إلى عكس ما هو منشود منها بشتى أنواعها و شتى فروعها، وهنا نحن فقط سنسرد بعض الممارسات التي تعيشها جامعاتنا خلال الألفية المعاصرة، فأصبحنا نلامس في جامعاتنا أصبحت الوجهة المفضل لكل من لم يجد مكانا في مؤسسات التعليم العالي بل ترسخت فكرة أن الجامعة هي مكان للفاشلين لا أقل و لا أكثر، في حين أن الجامعات كانت هي مكان يتسابق اليه النوابغ و المتميزين و المتفوقين من التلاميذ و الطلبة لما لها من دور، وهذه الممارسات تظهر جلية في مجموعة من الفضائح كالجنس مقابل النقط و التي لم تظهر حالة أو حالات بل مجموعة ليس بالهينة دون أن ننسى التي لم تذكر و تفضح و يتداولها الطلبة فيما بينهم بشكل يومي، أما على مستوى مصداقية الشهادات التي شخصيا دوما ما أقول أنها تدل على أن شابا أو شابة كان يتنقل من محل سكناه إلى مؤسسة تعليمية فقط، و لا تدل على أن ذاك الشخص له كفاءة محتوى تلك الشهادة -أكيد أنا لا أعمم- بداية بأدنى الديبلومات إلى أعلاها، والدليل هو مجموعة من الفضائح التي تفجرت مؤخرا حول مواضيع مختلفة و منها المال مقابل الدبلوم أو الطرق المشبوهة التي يتم قبول الطلبة بها في بعض التخصصات الجامعية، بالإضافة إلى الفكر الجديد الذي أصبح ينخر في السير العادي للدروس و الذي من الأكيد أنا أتفق معه في حالة أننا أنهينا جميع الحلول التي قبله، وهو التظاهر و توقيف الدراسة رغم أن مجموعة من الطلبة و في حواري معهم ضد هذا الأمر لكن هم مجبرين على الخروج لسبب واحد و بسيط أن من يتبنون توقيف الدراسة يدخلون المدرج ويوقفون الدروس بشكل إجباري مما يجعل الأستاذ ينسحب، و ما هو مؤكد هو أن هذا الأمر يؤثر بشكل سلبي على الطلبة في حين أن الأستاذ يتقاضى أجرته الشهرية بشكل عادي دون أن يقوم بمهمته و الطلبة من يساهمون في هذا الأمر.
هذا تلخيص بسيط حول الحالة المزرية التي تعيشها جامعاتنا في الفترة الحالية و التي قد تلخصت فيما يقارب 10 سنوات و 15 سنة الأخيرة، و الهدف منه هو إعادة النظر في منظومة و مؤسسات تعتبر هي المحور داخل ازدهار المجتمع و بالتالي من المفترض أن يقوم كل المتدخلين فيها من طلبة و أساتذة و دكاترة و باحثين و إداريين و أجهزة الدول الوصية على القطاع بجلسة مع الذات للتقييم و تحديد مكامن الخلل بهدف إصلاح ما يجب إصلاحه بداية بالفكر الخاطئ الذي أصبح متجذرا في عقول الطلبة و حتى الأساتذة بدرجة أولى و باقي المؤسسات و المتداخلين بدرجة ثانية.
في الختام إن إصلاح هذه المنظومة لا يحتاج للملايين من الدراهيم التي لا نعرف أين وجهتها من أصله، بل نحتاج لأشخاص من أبناء المجال لهم غيرة عليه وأيضا يعرفون أين مكامن الخلل وكيفية الاشتغال عليها، فإصلاح هذه المنظومة فيه إصلاح بنسبة كبيرة للمجتمع ولو بطريقة غير مباشرة.
الكاتب: عبد الاله رشقي
عن موقع : فاس نيوز ميديا