سبق أن تغنت مجموعة ناس الغيوان بأغنية ذات بعد سياسي ممتد (فين غادي بيا خويا…فين غادي بيا؟). أغنية سجلت تاريخ حمولة النضال الرزين نحو تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية. أغنية تساءلت بواقعية وبساطة في مرحلة معينة من تاريخ مغرب الأبواب المقفلة (فين غادي بيا خويا…فين غادي بيا ؟). أغنية وغيرها بلغة الاحتجاج عن مظاهر القهر الاجتماعي والفقر التعسفي و ضيق متسع الأفق.
(فين غادي بيا خويا…فين غادي بيا ؟) أغنية (صوفية) تحمل كم معاناة و فزع مساءلة أفق المستقبل، وهو التساؤل الذي نجره من الزجلية الرمزية الماضية لحاضرنا اليوم ” فين غادي بيا ؟” ، إلى أين أنت ذاهب بنا ؟. طنجرة المغرب الاجتماعية تعيش ضغط تراكمات الاحتقانات المتوالية، هناك في كل ربوع الوطن (دقة تابعة دقة شكون (من) يحدّ البــــــاس (البأس)؟.
اليوم أصبح المواطن يحاسب بالمباشر الدول (هذا جيل جديد ما فيه عبد ولا سيد…/ ناس الغيوان) . نعم جيل أعيته لغة ديماغوجية الطواحن الهوائية (لغة الشفهي)، لغة التمويهات السمجة في المستقبل الزاهر بأمل (كم الأفواه) وتمديد زمن الإصلاحات،. لغة لا تغير مصطلحاتها بالمرة حتى بتنا لا نعرف من يعارض من، ومن مع الشعب !!!؟ . نمو جيل ساحة نضال المواقع الافتراضية من وراء الشاشة الزرقاء أعيته تلك الإستراتيجية السياسية العقيمة ( الديماغوجيا) و التي لم تقدر البتة أن تجيب عن مخاوفه الفعلية من المستقبل المجهول ولو افتراضيا.
(من المحال… يا وطني) أن تتحقق العدالة الاجتماعية في ظل تنامي الفوارق الاجتماعية المتفاقمة بالتزايد، في ظل معادلة معكوسة لغة السادة (أهل الحل والعقد) و رفاهية العيش، وكفاف مسارات الشعب و مكابدته ( عيشت الذبانة في البطانة…) .
هي حقيقة تعبير كل أغاني (ناس الغيوان) التي تصف تفاقم وضعياتنا في الحاضر المستقبل بأثر الماضي الذي ما انفك يمضي بكل عوائد سلبياته. لكن أصعب ما وقفت عليه حين وصلت إلى صيغة (ولى بنادم عباد الــلُّومـَــــــــة…) ، وهي النقطة التي تتمظهر مجانبة لعدالة المطالبة بالكرامة بكل سلمية قانونية، وتحتاج إلى نقطة نظام ببيان ما ورد في أغاني ناس الغيوان.
نعم، نعلن نقطة نظام حين يعلو صفير (الاستهجان) لحظة ترديد النشيد الوطني بملعب رياضي، حين يرفع علم دولة مجاورة في مظاهرة تندد بمقتل (حياة) والمطالبة بمحاسبة من قتلها (الشعب يريد من قتل حياة). نعلنها نقطة نظام (… لا تلومونا … يا هـــــــاذ النــــــاس…) ولا نتزايد القول بيننا في حب الوطن ( وشعاع الشمس ما تخزنه لسوار…).
هو الوطن الذي يسمو فوق رقابنا جميعا، هو الوطن الذي نعيش من خيراته وإن قلت، ونطالب بتوزيع عادل لكل عوائد ثرواته. هو الوطن الذي من داخله نطالب بالكرامة والعدالة الاجتماعية (السلم الاجتماعي في ظل استمرار الإصلاحات التفاعلية)، هو الوطن حتى وإن اختلفنا في اختيارات تحقيق العدالة الاجتماعية يأوينا جميعا باختلافاتنا وانتكاساتنا ونجاحاتنا فلا ممكن أن ننادي (وداعا بلادي إسبانيا تنادي)…(الشعب يريد يحرك فابور) إلى شعارات ممكن أن تبكي حتى من في القبور من المناضلين الأشداء (بيبا إسبانيا/ تعيش إسبانبا).
القول الحق، فين غاديين بنا الآن بالجمع وليس الإفراد؟. ليس الوطن بلعبة شد حبل وكفى، وتبخيس لكل مكتسبات التغيير التحولية الحادثة. ليست هذه من تصرفات أبناء الوطن الذين كابدوا مرارة سجنه أيام (سنوات الرصاص) . هي سلوكيات لا يمكن التهاون في معالجتها بالرزانة والحكمة والبحث عن الحلول المستعجلة.
ممكن الآن، سماع الإعلان الجماعي لفشلنا في اختيارات التنمية الموازية، وفشلنا الذر يع في تربية جيل على مواطنة الحق و الواجب وحب الوطن. هو فشل كل مكونات المجتمع المدني والسياسي في تأطير المواطنين والتربية على آليات المطالبة بالحق بكل مشروعية قانونية تامة.
نعم ، الفشل أصبح يتوالد مثل فطريات قانون الغاب بمغرب الفوارق الاجتماعية ، اليوم نقول (باراكا من ديماغوجية الشفوي) ، يكفينا من الخطابات الرنانة، يكفينا من التشخيصات فالعجينة سخونة (باغيين) نريد إصلاحا يقلب (طرحة) الفوارق الاجتماعية نحو المساواة والعدل. إصلاحا بطعم المصالحة وجبر الضرر عن ما يكابده الشعب من شظف عيش و حنق متنامي من وضعيات المستقبل الآتي. إصلاحا يوزع الثورة بمقايسة التفاعلية الإرضائية لعموم الشعب. إصلاحا ينقلنا من مطالب صياح شغب إلى أخلاق عناية التي ترعاها الدولة كحق دستوري.
ذ محسن الأكرمين/ كاتب/ ومهتم بالشأن المحلي والوطني.
عن موقع : فاس نيوز ميديا