عقد مختبر السرديات والخطابات الثقافية و تكوين دكتوراه تحليل الخطاب السردي(مركز دراسات الدكتوراه: الإنسان والمجال والتواصل والفنون) بكلية الآداب والعلوم الانسانية بنمسيك بالدار البيضاء، يوم الجمعة الخامس من أكتوبر 2018م، الندوة الحادية عشرة في المنهجية، والتي اختير لها عنوان “التخييل والرحلة والغيرية”، وتأتي هذه الندوة العلمية في إطار توجيهي وتقييمي لسير أطاريح مجموعة من الباحثين في الدكتوراه، والذي ينجزون بحوثهم العلمية في مواضيع شتى.
وقدم التقرير الأول في هذه الندوة، التي سيرها د/ ناصر ليديم، الباحث عبد النبي غزال حول موضوع “تخييل التاريخ في ثلاثية أحلام مستغانمي، معالجة فينومينولوجية تأويلية”، وتوقف في تقريره أولا عند تقديم عام للبحث ركز فيه على التقاطع بين الرواية والتاريخ، ثم تطرق لأسباب اختياره للمتن قيد الدراسة، ووقف عند أهمية البحث ودوافعه، وأوضح فيه إشكالية البحث، وفرضيات العمل، كما قدم منهجية البحث، والمفاهيم الموظفة، ليختم بنتائج البحث المتوقعة على المستويين النظري والتطبيقي، وآفاق الباحث، بالإضافة إلى أهم المفاهيم التي يشتغل بها.
وناقش التقرير الذي تقدم به الباحث عبد النبي غزال د/ أحمد جيلالي، إذ اعتبر في البداية أن مثل هذه اللقاءات الخاصة بالمنهجية تعدّ بمثابة الممهد والموجه للباحث لكي يلتمس طريقه في البحث، لأن أغلب الباحثين في بداياتهم يعانون ما أطلق عليه مسمى “التيه المعرفي”، ثم أكد على أن دور هذه اللقاءات يكمن في إرشاد الباحثين وإخراجهم من هذا التيه، ثم تساءل، وهو بصدد مناقشة متن الباحث عن سبب حصره للمتن في روائية واحدة، هي أحلام مستغانمي، واقترح عليه توسيع المتن (نماذج مختلفة في العالم العربي)، ليناقش بعد ذلك عنوان البحث، الذي وقف فيه عند مصطلح المعالجة، واعتبره مصطلحا نقديا لا تتوافر فيه شروط العلمية، واقترح عليه تعويضه بمصطلح المقاربة.
وأشار د/ جيلالي أيضا إلى مجموعة من الملاحظات التي تهم طرح الإشكالية، من بينها تجنب العموميات أثناء طرح الإشكالية، ثم وجوب تحديد السؤال المحوري أو الإشكالي في الموضوع، ثم تحديد الإشكالية بدقة وبعمق، لكونها تنتظم تفكير الباحث، ولأنها تحدد زاوية تناول الموضوع.
وناقش بعد ذلك موضوع البحث، واعتبر أن البحث يشتغل على تخييل الرواية، لذا يفترض على الباحث أن يفكر من داخل لغة النص الروائي، وليس من خارجها، ووجّه الباحث أيضا لتقديم الجديد حول آليات اشتغال التخييل السردي، وبالتحديد كيفية استثمار الروائي للتخييل داخل النص، وانتقل بعد هذا للإشارة إلى أن مستوى طرح الأسئلة لدى الباحث ليس منتظما، وأن فرضيات هذا البحث يجب أن يكون لها اتصال وثيق بالإشكالية، أما على مستوى المنهج، فوجّهه للحديث عن السياق التاريخي أولا للمقاربة، والوقوف عند أهم مفاهيمها، ثم يبرز كيفية استثمارها في إطار التحليل، ثم انتقل للتطرق إلى مسألة التوثيق العلمي، فاعتبرها ذات أهمية قصوى في البحث العلمي، لذا وجب الاعتناء بالإحالات وضبطها، وتوخي الدقة والأمانة في النقل، وضرورة الاعتماد على مصادر ومراجع متنوعة وبلغات مختلفة، ليبدي في الأخير مجموعة من الملاحظات العامة من قبيل تجاوز الارتجالية في الكتابة، وضرورة تنظيم الجمل والفقرات والأفكار، واعتماد لغة نقدية واصفة، وتجاوز الإطناب في الشرح، وضرورة التحلي بالدقة والتركيز.
وأما التقرير الثاني في هذه الندوة، فقدمه الباحث عبد العالي دمياني حول موضوع موسوم بعنوان “خطاب الغيرية في الرحلة الفرنسية إلى المغرب”، حيث توقف في البدء عند ما سمّاه بالإطار العام للبحث، تحدث فيه عن موضوع البحث بالتفصيل، قبل أن ينتقل للحديث عن الدراسات السابقة في الموضوع، ليحدد بعد ذلك إشكالية بحثه، وفرضياته، وكذا أهمية البحث، والمتن المدروس، فالإطار المنهجي والنظري الذي ضمنه الحديث عن المقاربة المعتمدة، والخطوات المتبعة، والتصميم الأولي مع لائحة للمصادر والمراجع.
ناقش هذا البحث د/ جمال بندحمان، والذي قدّم خبرته التأطيرية والمنهجية بالوقوف عند مجموعة من الملاحظات والتوجيهات والتصويبات المتعلقة بمشروع البحث، حيث اعتبر في البدء أن مثل هذه اللقاءات تعد تقليدا مهما ومحمودا في الجامعة المغربية، لأنها تساعد الباحثين على تلمس طريق البحث العلمي، وتجاوز الصعوبات والمعيقات التي تعترضهم، وقد قدّم أولا ملاحظات تهم بحث عبد النبي غزال، تخص كلا من عنوان البحث، وضرورة تصويبه، ثم حثه على الابتعاد عن فائض المعنى كما سماه، ثم التركيز على اختيار الاشتغال بنظرية محددة، والابتعاد عن التنظير المبالغ فيه، وإيلاء أهمية كبيرة للتطبيق، ثم التدقيق في المراجع والمصادر والتفريق بينها وبين المتون، لينتقل بعد ذلك إلى تقديم جملة من الملاحظات المرتبطة بأطروحة الباحث عبد العالي دمياني، إذ وقف عند التأطير العام الذي قدمه الباحث، مشيرا إلى أن أغلبه عبارة عن فائض معنى، وجب الابتعاد عنه وتجاوزه، واعتبر أن أغلب الباحثين يطوفون حول كعبة البحث، دون الوصول إليها، ثم تحدث عن مسألة تأطير البحث، واعتبرها غاية في الأهمية، لأنها تسيج البحث من خلال تعرف منظومته، وأكد على ضرورة تجاوز أحكام القيمة القبلية، وأن تأطير هذا البحث يفترض من الباحث الحديث عن الفرنسي وليس المغربي الذي هو موضوع رغبة، والحال أن الباحث تحدث في التأطير عن المشرقي والمغربي، لذا فليس من الضروري الحديث عما حدث في المشرق باعتباره تأطيرا لما حدث في المغرب، ودائما في مسألة التأطير، ألح بندحمان على وجوب الانطلاق من زاوية نظر أخرى غير التي انطلق منها الباحث للوصول إلى نتائج مهمة.
أبدى د/ بندحمان ملاحظات أخرى أبرز فيها تخوفه من سقوط الباحث في لزوم ما لا يلزم في موضوع الدراسة، ثم في تعليل أسباب اختيار الفترة الزمنية المدروسة المؤطرة لحدود البحث، ثم ركز أيضا على مسألة الافتراضات، وفرق بينها وبين الاستنتاجات القبلية، لذا وجب صياغتها بدقة متناهية، وعدم جعلها موزعة في البحث، ووضع افتراض مركزي، وافتراضات جزئية متفرعة عنه، أما الإشكالية فقد تم التعبير عنها بصيغ غير واضحة، ثم اقترح على الباحث أن يعيد صياغة إشكاليته المرتبطة بثنائية الفضاء والإنسان، أما بالنسبة للمتن المدروس فيجب تعليل هذا الاختيار، وأما في ما يخص الإطار النظري والمنهجي، فقد أكد بندحمان على ضرورة اختيار إطار منهجي محدد، أو حتى مركب، لكن بشرط عدم الجمع بين المختلفات، وتوضيح العلاقات بين ما يتم تركيبه، ثم توظيف مسوغات التركيب، لكي يكون هناك خيط ناظم يضمن انسجام مكونات البحث.
وأما التقرير الثالث والأخير في هذه الندوة الخاصة بالمنهجية، فقدمه الباحث نور الدين بلكودري حول موضوع “التخييل في الرحلة العربية المعاصرة نحو مقاربة تداولية”، توقف فيه عند التعريف بالموضوع أولا، ثم الحديث عن الإشكالية، وفرضيات العمل، فالمتن المدروس، بالإضافة إلى أهم الدراسات السابقة، والتطرق إلى المقاربة المعتمدة.
وقد ناقش التقرير المقدم من لدن الباحث نور الدين بلكودري د/ سعيد جبار، حيث قدم مجموعة من الملاحظات التي تهم المضمون والشكل في التقرير، بدأها بالحديث عن سؤال الميثاق، ثم انتقل للحديث عن القضايا التي تناولها التقرير، بدءا بقضية هوية النص أو التجنيس، وذلك بضرورة حديث الباحث عن الحدود والتقاطعات بين الأجناس (جنس الرحلة وجنس الرواية ثم رواية السفر)، ثم قضية تأسيس تصور أجناسي، يتم فيها تأطير المتن موضوع الدراسة، بالإضافة إلى قضية الوقائعي في مقابل التخييلي، وأكد على أن التفاعل بينهما قائم، ومن الواجب الإشارة إلى هذا التفاعل والوقوف عنده، ثم قضية الذاكرة، حيث عدّ خطاب الرحلة خطاب ذاكرة بامتياز، وأشار إلى وظائفها المتمثلة في كل من التخزين مما يعرضها رغم ذلك للنسيان، وإعادة الإنتاج القائمة على الانتقائية، وأشار سعيد جبار إلى وجوب الاهتمام بمفهوم المقصدية في الرحلة وإيلائه أهمية قصوى، وتحدث أيضا عن قضية كيفية اشتغال التخييل، قبل أن ينتقل للحديث عن قضية المنهاج، وتساءل عن علة اختيار التداولية، وعن كيفية تحديده لمفهوم التخييل، وحث الباحث على الإحالة على الدراسات السابقة في الموضوع.
وقدم د/ سعيد جبار في الختام ملاحظات ترتبط بالفرضيات المطروحة، حيث أكد على وجوب إعادة صياغة الفرضيات بشكل سليم ودقيق، ثم ضرورة وضع تصميم للبحث، والتنويع في المراجع والمصادر، وبلغات أجنبية.
وهكذا، تنتهي هذه الندوة الحادية عشرة في المنهجية، والتي يسرت الطريق لمجموعة من الباحثين، ووضحت لهم مجموعة من الالتباسات في المواضيع التي يشتغلون عليها، وحاولت جعل طريق البحث العلمي لثلة من الطلبة والباحثين واضحا وبيّنا، من أجل الارتقاء بالبحث العلمي والوصول إلى المستوى العلمي المأمول.وقد حضر هذه الندوة عدد من طلبة الدكتوراه والماستر من الدار البيضاء ومدن أخرى.
عن موقع : فاس نيوز ميديا