المهن الذكورية والمهن الأنثوية
الدكتور عبد الجبار شكري
أستاذ باحث في علم الاجتماع وعلم النفس
باحث مشارك في مختبر الأبحاث والدراسات
بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة
لا يمكن الحديث في هذا الإطار عن مهن خاصة بالنساء ومهن خاصة بالرجال، فكل المهن في المجتمعات هي إنسانية بطيعتها، وليس هناك أي تمييز جنسي في هذه المهن . إن التمييز الجنسي الذي كان موجودا في الكينونة المبدعة والمنتجة ، انهار مع الحداثة الغربية ، وإن كان ثاويا في حضوره في الجنسانية البيولوجية والسيكولوجية . ولكن عندما يخرج من دائرة البيولوجيا والسيكولوجيا ، فهو يعلن عن موته الأنطلوجي في نظام القيم الإنسانية ، وفي منطق البرجماتية وإجرائية المنفعة ، التي لا تعترف إلا بهوية المنتوج ولا تهتم بهوية المنتج وبمنطق تغييب هذه الهوية يتم تغييب التمييز الجنسي في المهن والإنتاج ، ويصبح مغتربا في ذاته وعن ذاته في لحظة فاعلية الذات بمختلف مرجعيتها الأنطلوجية الأنثوية والذكورية ، فاغتراب التمييز الجنسي لا يحضر في الحداثة الغربية ، إلا في حالة حضور الذات بمنطقها الإنسانوي في علاقتها بالطبيعة كمادة للإنتاج ، فليس هناك أي تفرد متمايز في الذات الإنسانية عند فاعلية الشغل في الإنتاج ، باعتبار أن الشغل يجسد الكينونة الإنسانية لأي ذات، التي هي الوعي والحرية والإرادة .
إن آليات الحداثة الوضعية والميتافيزيقية التي توحد معها الغرب ستهدم هذا التمييز الجنسي في الشغل من داخل غربة الذات واستيلابها ومن خلال التعويض المنفعي والبركماتي في إشباع الحاجات ، إن منطق الاختلاف الجنساني في الذات الإنسانية سينهار عندما يواجه إكراهات الشغل وحاجيات المجتمع ، وبالتالي سيكون فعل الإنتاج في الشغل هو واحد في الذات الإنسانية ، في نمذجته ونمطيته، بدون حضور لأي تمييز جنساني .
إن الوضع مخالف بالنسبة للمجتمع المغربي ، فنحن توحدنا مع الحداثة الوضعية ، لكننا لم نستطع أن نواكب منطق التغير في التوحد مع الحداثة الميتافيزيقية ، لأن ثقل الماضي الميتافيزيقي التقليدي ، هو الأقوى في احتوائه لذواتنا ونمذجتها في الحاضر. إن تقل الماضي الميتافيزيقي ، وسيرورته الملازمة للحاضر ، ومن تم فإن هذا التمايز الجنساني في الذات الإنسانية بين الذكورة والأنوثة ، سيحضر بشكل قوي في النمذجة والتنميط في كل المجالات التي يشترك فيها الرجل مع المرأة بما فيها فاعلية الشغل ، وفي هذا الإطار يتم الحديث في منظومة العقلية الذكورية عن مهن خاصة بالرجال ومهن خاصة بالنساء .إن هذا التمييز الجنسي في الشغل سيؤدي بالكينونة الإنسانية في المجتمع المغربي لكي ستصبح مغتربة عن الأنطولوجيا الذكورية و الأنطولوجيا الأنثوية وعلى حد قول “إيريك فروم ” : >> إن جوهر الاغتراب هو أن الآخرين يصبحون غرباء بالنسبة للإنسان <<وبهذا المعنى فإن هذه الكينونة الإنسانية في حالة مواجهتها لمنطق التمايز والتفرد في فاعلية الشغل سيسلب منها وحدة الإرادة والاندماج أثناء ما تنتجه ، وينعكس ذلك سلبا على ما سيتم إنتاجه.إن غربة الذات الإنسانية في التميز الجنسي في فاعلية الشغل ، ستنسف كل نمطية وكل نمذجة شمولية وكليا نية في طرق وتقنيات ممارسة الشغل ، وهذا سيؤدي مع طول الممارسة والتكرار في الزمن المعقلن أو في الزمن العبثي ، إلى وضعية سيكولوجية أخرى ، أكثر شراسة و أكثر عنفا وهي وضعية استيلاب الذات عن كينونتها الإنسانية . ذلك أن المنتوج يأخذ هويته في ذاته من خلال درجة ما يحققه من منفعة ، ويلغي أصلا الهوية الجنسانية التي أنتجته ، ولكن الذات الذكورية أو الذات الأنثوية لا تجد هويتها حاضرة في المنتوج ، فتقع الذات في الغربة والاستيلاب .رغم وجود الحداثة الوضعية ، وإكراهات الواقع وسيادة منطق البركماتية ، التي لعبت كلها ، دورا في انهيار التمييز الجنسي على مستوى بعض المهن ، لكن بقيت مع ذلك الحداثة الميتافيزيقية غائبة في منطق التفكير والتعامل والتقييم ، ففي لحظة تقييم الشغل يمارس التمييز الجنسي ( هديك هي خدمة المرا ) . ليس هناك فرق بين المرأة والرجل ، فكلاهما يتساويان في القدرات الذهنية وفي المهارات اليدوية ، فالعقلية الذكورية في المجتمع المغربي هي التي رسخت ، هذا التمييز الجنسي بين المهن ، لأنها تنظر إلى المرأة ككائن إنساني من الدرجة الثانية تأتي بعد الرجل باعتبارها أنها أقل منه في القدرات الذهنية والجسدية والمهارات والمثابرة والنفس الطويل وأقل منه في المهارات، لكن هذا غير صحيح، لأن الدراسات العلمية البيولوجية والسيكولوجية والسوسيولوجية أتبثت من خلال التجارب أن المرأة متساوية مع الرجل في جميع القدرات والمهارات ، بل أحيانا تفوقه، والدليل على ذلك هو أن المرأة اكتسحت مهنا كانت إلى حد قريب محسوبة على الرجل ، واستطاعت أن تفوقه قدرة في إنجازها كسائقة القطار والطائرة واخترقت مهن أكثر خشونة كمهنة ” الإطفاء ” أو كشرطية أوكجندية .الخصوصيات تكمن إذن في المهن ، وفي عملية الاحتراف و في طرق الانجاز ، وليس في أنثى أوذكر ، وكل شخص عليه أن يتعلم هذه الخصوصيات ويكتسبها ، فبدون ذلك فلايمكن للرجل أو المرأة أن ينجزا تلك المهنة .أما آليات الإنتاج في الشغل ، فهي لا تستدعي بالضرورة مواصفات وخصائص معينة في الذات المنتجة ، والسبب يكمن في تطور التكنولوجيا الحديثة ، فسيرورة الشغل لا تحتاج إلا للكينونة السيكولوجية للذات المتمثلة في القدرات الذهنية والوجدانية ، وليست هذه السيرورة في حاجة إلى كينونة بيولوجية / جسدية ، تتميز بهوية أنثوية أو ذكورية .
عن موقع : فاس نيوز ميديا