الإرهاب الديني والمقاربة الأمنية
الدكتور عبد الجبار شكري
أستاذ باحث في علم الاجتماع وعلم النفس
باحث مشارك في مختبر الأبحاث والدراسات
بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة
يمكن تعريف الإرهاب من ناحيتين السيكولوجية والسوسيولوجية ، فالإرهاب من الناحية السيكولوجية هو إشباع لرغبات عدوانية مكبوتة في اللاشعور ، فعندما تزداد الشحنات النفسية لهذه المكبوتات تتجه نحو الأنا مطالبة إياه بإشباعها ، لكن الأنا لا يستطيع أن يشبعها بشكل فعلي ، نتيجة عدم مشروعيتها في الواقع ونتيجة عدم مطابقتها لضوابط الأنا الأعلى ، فيتجه الأنا إلى مواضيع استيهامية تتشابه مع المواضيع الواقعية للمكبوتات العدوانية ، فيحقق لها الإشباع الاستيهامي .
أما التعريف السوسيولوجي للإرهاب فهو ممارسة الإلغاء والإقصاء ، نتيجة وجود توتر اجتماعي يكون نتيجة اصطدام بين مصالح طبقية مختلفة في جميع المجالات أو يكون نتيجة اصطدام بين مرجعيات فكرية أو دينية أو مذهبية أو عقائدية أو إيديولوجية ، فيشكل الآخر كينونة غريبة وأجنبية على الذات الجماعية ، يسكن هذا الآخر في الجماعة على نحو غريب على حد تعبير “جوليا كريستيفا” يقتسم معها نفس الفضاءات النفسية والاجتماعية ، ويقتسم معها عوالم مشتركة ، لكن في هذا الاقتسام والمشاركة يحدث الاحتكاك والتصادم بين الذوات الجماعية ، فيحضر الإرهاب كوسيلة لإنهاء التوتر والاصطدام من أجل الاحتواء وممارسة الهيمنة والوصاية .
هناك شكلين من الإرهاب : هناك ما أسميه الإرهاب المازوشي والإرهاب السادي . فالإرهاب المازوشي هو العنف الموجه نحو الذات الفردية كالانتحار الفردي أو نحو الذات الجماعية كالعمليات الإنتحارية التي تمارسها الجماعات الدينية المتطرفة، أو تلك العمليات الإنتحارية التي قام بها الجنود اليبانيون في الحرب العالمية ، وفيه تتلذذ الذات بنوعيها بتعذيب نفسها . أما الإرهاب السادي فهو الموجه إلى الآخر كذات فردية أو ذات جماعية فتتلذذ الذات العنيفة بممارسة العنف اتجاهه . وضمن أشكال الإرهاب هذه هناك نوعين من الإرهاب ، أولا الإرهاب المادي : وهو الذي يمارس فيه الجسد ضربا أو جرحا أو قتلا على الجسد الآخر، أو تدمير منشئات أو مؤسسات، ثانيا الإرهاب المعنوي وهو الذي يتمثل في ممارسة العنف على نفسية الآخر إما بالسب و الشتم والقذف أو الاحتقار أو الإذلال أو العنصرية والإقصاء والتهميش .
وضمن هذا النوعين أيضا من الإرهاب نجد أنواعا أخرى من الإرهاب تأخذ المجال والفضاء الاجتماعيين الذي يمارس فيهما ، مثلا كالإرهاب الديني الذي تمارسه الحركات الدينية أو تمارسه الدولة، أو الإرهاب السياسي الذي تمارسه الدولة أو الأحزاب السياسية على بعضها البعض، أو الإرهاب الاقتصادي الذي تمارسه العصابات الكبرى المنظمة كالمافيا أو اللوبيات الإقتصادية في الرأسمالية المتوحشة .
ويكشف التاريخ البشري عن وجود عدة أنواع من الإرهاب قديم بقدم البشرية ذاتها ، ويذهب في هذا الصدد ” إيريك فروم ” أنه كانت هناك شعائر وممارسات تشكل أنواعا من العنف لدى الشعوب القديمة ، الغاية من هذه الممارسات العنيفة التدميرية هو تجسيد الرغبة في تأكيد حياة الجماعة وهويتها ووحدتها وإعادة بناء الذات ضمن منطق التاريخ . بل أحيانا نجد نوعا من العنف المقنن ، حيث يرى في هذا الصدد “تولرا فارنييه” أنه يمكن لهذا الإرهاب أن يأخذ شكل مشاجرات أوحروب أو مواجهات مسلحة ، وكل هذه الأشكال لا تبدو أنها مجرد انفجار فوضوي وعشوائي للعنف بل هذا الإرهاب هو إرهاب مقنن مثل باقي الممارسات الاجتماعية الأخرى. ويميز ” فارنييه ” بين نوعين من الإرهاب الاجتماعي :
– الإرهاب الاجتماعي الداخلي ويكون مؤطرا ضمن قواعد من خلاله يكون خاضعا لمجموعة من الطرق والتقنيات . وهذا النوع من العنف يتخذ كل الأساليب المشروعة والغير المشروعة في ممارسته يهدف فيه إقصاء الآخر المعارض من بنية الجماعة كالحروب الأهلية أو العنف السياسي الذي يمارسه إرهاب الدولة أو الإرهاب الذي تمارسه الحركات الدينية المتطرفة .
– الإرهاب الاجتماعي الخارجي وتشكله الحروب بين الدول والشعوب وهو العنف الأكثر شراسة ، تستعمل فيه هو أيضا كل الأساليب والوسائل المشروعة والغير المشروعة ، ويباح فيه كل شيء إلى درجة يصعب فيها تصديق ما يحدث .
إن كلا الإرهابين يحضران معا في قلب التاريخ الإنساني ، وهو تجسيد للمنظومات الرمزية ، كنظام القيم والعقائد والأساطير والدين والمصالح المادية ، وهو محاولة للخروج من توتر واصطدام هذه الأنظمة العقائدية والاجتماعية فيما بينها .
إن سيرورة التاريخ تؤكد أن المجتمع المغربي، هو الآخر قد مر كباقي المجتمعات البشرية بنفس أنواع الإرهاب التي ذكرتها سابقا، والذي كان يأخذ هويات متعددة وعلى سبيل المثال عهد السيبة في المغرب الذي كان يجسد فيه الإرهاب السياسي والاقتصادي .
أما في مرحلة استقلال المغرب، فقد عاش نوعين من الإرهاب:
أولا الإرهاب السياسي الذي مورس في حقبة سنوات الرصاص، ويجسده إرهاب الدولة وإرهاب بعض السياسيين في إطار إقصاء الآخر أو تصفية حسابات.
ثانيا الإرهاب الديني وهو الإرهاب الذي مارسته الجماعات الإسلامية المتطرفة والتي لازالت تحاول أن تمارسه، وهو الإرهاب الأعنف والأكثر دموية حاليا بالمقارنة مع أشكال الإرهاب الأخرى التي مورست في المجتمع المغربي.
وفي هذا الإطار سأتحدث عن الإرهاب الديني الذي تمارسه الجماعات الإسلامية المتطرفة. فالجماعات الإسلامية المتطرفة تمارس نوعين من الإرهاب في المجتمع المغربي :
النوع الأول هو الإرهاب المادي وهو يشمل الضرب والجرح والقتل وتدمير المنشئاءات بمختلف أنواعها. وهو موجه للمجتمع ككل دون تحديد ، كما أنه موجه لمرافق مؤسسات الدولة ولتجهيزاتها ، أولمكونات بنيتها التحتية، لزعزعة أمن الدولة ، كما أن هذا الشكل من العنف موجه لكل المخالفين للإديولوجيا الدينية للجماعة الدينية المتطرفة .
ثانيا- الإرهاب العقائدي والفكري وهو يشمل تهمة التكفير الموجهة للمسلمين المغاربة المختلفين مع الجماعة الدينية المتطرفة، حيث تصفهم بالكفار وتقصيهم من حضيرة الإسلام..
ثالثا- الإرهاب الصامت والغير المباشر وهو يشمل العنصرية و المقاطعة ورفض الحوار مع الغير والتشويش والتشكيك وهدم شرعية الآخر بمختلف الأساليب الغير المباشرة والغير الصريحة. وتمارسه بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تعلن السلم و تنبذ العنف ، ولكن لا تستطيع في بعض المواقف أن تخفي رغبتها في ذلك كالتواطؤ بالصمت مع الإرهابيين المتطرفين وعدم إدانتهم مثل ما تمارسه جماعة العدل والإحسان .
و أود أن أشير في هذا الإطار أن هذه الأنواع الثلاثة من الإرهاب تمارس في كل الفضاءات الاجتماعية وضد الجميع بدون تمييز .
في هذا الإطار لايمكن الحديث عن شرعية العنف إلا بالنسبة لمن يمارسونه ونجد في هذا الإطار نوعين من الشرعية الممارسة للعنف :
أولا الشرعية الاجتماعية للعنف وهي التي تعطي للبعض حق ممارسة العنف على الأشخاص الخارجين عن نظام القيم والتقاليد والأعراف السائدة في المجتمع ، وذلك من أجل الحفاظ على استقرار المجتمع وعلى نظامه ، ومن هنا نجد أن الجماعة حسب ” رالف لينتون” تسعى إلى اتخاذ إجراءات عنيفة متعدد لتسوية مشكلة الخروج عن نظام المجتمع قبل أن يستفحل الأمر ، وهذه الإجراءات العنيفة هي التي تحد من وجود الإساءات العلنية القليلة داخل المجتمع ، وهي تختلف من مجتمع إلى آخر وتتم حسب موقف المجتمع اتجاه تلك الإساءة المرتكبة .
ثانيا الشرعية السياسية وهي التي تعطي الحق للدولة ورجالاتها من ممارسة العنف على الأشخاص الخارجين عن القانون ويرى ” ماكس فيبر ” أن أي تجمع سياسي لا يرقى إلى مستوى الدولة إلا إذا مارس حق ممارسة العنف اتجاه الأشخاص الخارجين عن القانون ، وإذا لم تقم الدولة بذلك فقد تسود الفوضى والاضطراب .
إن هذه الفتاوي الدينية التي تشرعن الإرهاب ضد المسلمين من أجل فرض تصور ديني معين على الناس هي باطلة أصلا ، بحكم منطق الدين نفسه ومرجعيته النصية وبحكم آليات التأويل الفقهية نفسها، سواء في كتاب الله عز وجل أوفي الأحاديث والأفعال النبوية الشريفة. فنصوص القرآن الكريم تدعو إلى استخدام الحوار والجدال بالتي هي أحسن لقوله عز وجل(( وجادلهم بالتي هي أحسن )) وإلى استخدام الرقة واللطف في التعامل لقوله عز وجل (( وإن كنت فظ غليظ القلب،لانفضوا من حولك)) الذي تدعو كذلك – أي هذه النصوص – إلى التسامح مع الأعداء لقوله عز وجل(( والذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)) وإلى عدم قتال الآخر إلا في حالة الاعتداء(( وإن اعتدوا عليكم فاعتدوا عليهم ….)) كما تدعو هذه النصوص القرآنية إلى حرية التدين لقوله عز وجل (( لا إكراه في الدين )) أما أفعال الرسول (ص) فهي تدل كلها على التسامح والتعاقد مع أصحاب الديانات الأخرى كاليهود والنصارى، و الذين عاشوا في الخلافة الإسلامية معززين مكرمين مع المسلمين.
إن التأويل للنص الذي تمارسه هذه الجماعات المتطرفة في كل مجالات الحياة الاجتماعية هو تأويل إيديولوجي برغماتي، يؤسس المعني الذي يخدم المصالح الاجتماعية والسياسية لهذه الجماعات الدينية المتطرفة ( نجد أنفسنا هنا أمام إسلام سياسي وليس عقائدي صرف) إن هذا التأويل يتجاوز حتى آليات الاجتهاد الفقهي ومنطقه والذي هو نقل حكم الأصل إلى الفرع نظرا لاشتباههما في العلة ، كما أن هذا التأويل الذي تقوم عليه هذه الفتاوي يتجاوز منطق نزول النص، ويتجاوز كذلك منطق الأصل ذاته في كينونته ومنطق الحدث نفسه في حداثته ، وفي إمكانية ارتباط الفرع بالأصل سواء على مستوى منطق الزمن والمكان والموضوع والظرف والإستتناء في علاقة كل ذلك بالمصلحة العامة للمجتمع وللأمة. إن التأويل الذي تمارسه هذه الجماعات الإسلامية للنصوص الدينية في باقي المجالات الاجتماعية، هو شاذ عن التأويل الديني في التاريخ الإسلامي، فالتأويل الديني في التاريخ الإسلامي لا يخرج عن مدرستين إسلاميتين هما :
أولا المدرسة البيانية التي ترى أن التأويل هو التفسير للنص الديني وهي تفسير معنى النص بلفظه ، وتقيم تطابقا كليا بين الدال والمدلول، فيصبح جوهر اللفظ هو معناه وهوية معناه هو منطوقه اللغوي، إن بنية التفسير بالنسبة لهذه المدرسة هو الكشف عن المعنى القائم في اللفظ، وفي هذه الحالة لا تضيف جديدا على المعنى القائم في اللفظ، فالمعنى مغلق على ذاته في النص محدود بحدود ألفاظ النص وكما يرى ابن تيمية أن الدلالة الرمزية للمعنى لا تخرج عن منطق اللفظ بما يشير إليه ويدل عليه من معنى.إذن فالتأويل هنا هو التفسير، أي طلب المعنى من اللفظ، ويقول ابن تيمية في هذا الصدد إن التأويل : (( هو التحقق الفعلي من الخبر إن كان الخطاب خبرا فهو التحقق الفعلي من المعنى المخبر به وإن كان طلبا هو التحقق من المعنى المطلوب )) . أما آلية الاستدلال التي تمارسها هذه المدرسة على شرعية ومصداقية هذا التأويل/ التفسير هو منطق اللغة العربية الذي هو النحو العربي باعتباره منطق البيان العربي يخالف أصلا الاستدلال بالمنطق الأرسطي بحيث يعتبر أبو حيان التوحيدي أن النحو العربي هو منطق اللغة العربية، فالنحو العربي كما يقول المناطقة هو منطق ولكنه مسلوخ من اللغة العربية في حين يقول فقهاء اللغة أن المنطق هو النحو ولكنه مفهوم باللغة.
ثانيا المدرسة الهرمينوطيقية وإن صح التعبير المدرسة التأويلية / البرهانية، وتأويل النص الديني عندها والبحث عن المعني الخفي وراء اللفظ الذي ليس هو المعنى القائم في اللفظ حيث يقول ابن رشد في هذا الصدد في التأويل الديني (( معنى التأويل هو إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية من غير أن يخل ذلك بعادة العرب في التجوز من تسمية الشيء بشبيهه أو سببه أولاحقه أو قارنه أو غير ذلك من الأشياء التي تعددت في تعريف أصناف الكلام المجازي )) أما آلية الاستدلال التي تمارسها هذه المدرسة لإعطاء شرعية ومصداقية للتأويل هو الاستدلال المنطقي البرهاني الذي يقوم في الأصل على قواعد المنطق الأرسطي.
ولهذا أرى أن أي فتوى دينية وأي تشريع سواء كان قانونيا وضعيا أوفقهيا ، عليه أن يقوم على معرفة سيكولوجية باستشارة علماء النفس في ذلك لمعرفة الأضرار النفسية الناتجة عن هذا التشريع ، كما أن على هذا التشريع القانوني أو الفقهي ، أن يقوم أيضا على معرفة سوسيولوجية باستشارة علماء الإجتماع لمعرفة الأضرار الاجتماعية لهذا التشريع على استقرار المجتمع وتقدمه . ذلك أن التشريع القانوني أو الفقهي يكون الهدف منه وهو الحفاظ على صحة وسلامة الفرد والمجتمع من الناحية النفسية والاجتماعية، والعمل على تحقيق مصالح العامة للناس. لهذا أرى أن هذه الفتاوي باطلة وليست لديها أية قيمة دينية أو نفسية أواجتماعية ، فهي مضرة بالمجتمع وبالإنسانية ككل من الناحية النفسية والاجتماعية . لأن أصاحبها يجهلون تماما أو يتجاهلون فلسفة الإسلام في التسامح والتعايش والحوار والإقناع.
إن العنف الذي تمارسه هذه الجماعات الدينية ضد الناس هو سلوك مرضي شاذ لا أخلاقي ولا إنساني فهناك وسائل سلمية للحوار والمعالجة والتفاهم و إزالة التوتر والصراع .يمكن أن تحل مكان الإرهاب.
أولا في الغالب ما يكون الإرهابي الذي يمارس العنف ، قد تعرض هو الآخر إلى عنف سابق فأحدث ذلك انجرا حية في أناه لايعالج إلا بالانتقام ، والفرصة الوحيدة المتوفرة له في هذا الإطار هو التلذذ السادي الانتقامي بقتل الآخرين .
ثانيا إن من طبيعة الإرهابي الذي يمارس العنف ضد الناس أنه ذو بنية سيكولوجية عدوانية ، فهو مضطر ليمارس العنف على الآخر من أجل إذلاله و إخضاعه لسيطرته وهيمنته .
ثالثا إن الإرهابي الذي يمارس العنف ضد الناس هو ذو شخصية سلطوية تملكية استحواذية ، فهو يسعى بواسطة العنف لأن يمتلك المجتمع باعتباره يدخل ضمن الأشياء التي يملكها .
رابعا إن الفضاء الاجتماعي الذي يعيش فيه هذا الإرهابي هو فضاء عنيف وعدواني لا يمكنه أن يندمج فيه ويتكيف معه ويسايره إلا بممارسة العنف .
من هنا يمكن أن أقول أن الإرهاب لا يأتي من لا شيء وإنما هناك أسباب موضوعية أدت إلى وجوده بالرغم من الأهداف السياسية والاجتماعية الذي يقوم عليها هذا الإرهاب والذي تقوم بتغطية هذه الأسباب في تفسير الإرهاب.
7– إذن في نظركم ماهي الأسباب المؤدية إلى الإرهاب ؟
– هناك مجموعة من الأسباب سيكولوجية وسوسيولوجية واقتصادية أدت إلى ظهور الإرهاب في مجتمعنا المغربي بعدما كان يعتقد الكثير أن مجتمعنا محصن ضد هذه الظاهرة المرضية ، وهذه الأسباب هي كالتالي :
بالنسبة للأسباب السيكولوجية المنتجة للإرهاب ، نجد ما يلي :
أولا- أن الإرهابي هو معوق نفسيا نتيجة تعرضه لمثيرات خارجية ، قامت بزعزعة التوازن النفسي للجهاز النفسي ، وأربكت العلاقات الوظيفية داخل أنساق الجهاز النفسي ، أي العلاقة الوظيفية السيكولوجية بين اللاشعور والأنا والأنا الأعلى ، المثمتلة في الوظائف السيكولوجية : التالية كالكبت ، أوالتقمص أوالتوحد أوالإسقاط أو التسامي أو التعالي أو آليات منطق التبرير .
ثانيا – إن شخصية الإرهابي تعاني من بعض الأمراض النفسية ، التي تصاحبها حالات العنف ، كالبارانويا الفصامية أو الهذيانات أو الهلاوس ، التي يشعر فيها الإرهابي المريض أنه معرض لعنف خارجي ، فيكون رده في حالة الأزمة النفسية المرضية بعنف آخر مضاد هو القتل .
ثالثا – إن الإرهابي هو في الأصل ضحية للعنف ، بحيث يمارس عليه العنف داخل الأسرة أوداخل المدرسة أوفي المجتمع ، وهذا العنف يخلق لديه عدوانية مدمرة اتجاه العالم الخارجي ، يكون الموضوع الوحيد لهذا العنف هو الانتقام بواسطة القتل .
رابعا- وفي حالة أخرى يكون عنف الإرهابي هو وسيلة لحماية الأنا من هجوم مفاجئ من كل الذين يمارسون عليه السلطة والهيمنة والوصاية في فضاءات الإرهابي المختلفة .
أما بالنسبة للأسباب السوسيولوجية المؤدية للإرهاب ، نجد ما يلي :
أولا أن الإرهابي يكون مدمنا على العنف فيألفه في معيشه اليومي نتيجة وجوده باستمرار في فضاءات اجتماعية ، يشكل العنف جزءا من مكوناتها الأساسية والبركماتية لتحقيق أهداف معينة ، كفضاء الأسرة أو فضاء المؤسسة التعليمية أو فضاء المجتمع .
ثانيا أن الإرهابي تلقى تنشئة اجتماعية عنيفة وسيلتها الوحيدة في تنميط السلوكات وتحقيق الأهداف هو العنف بمختلف أشكاله.
أما الأسباب الإقتصادية المؤدية للعنف هو الفقر والحاجة ، بحيث نجد أن الجماعات الدينية الإرهابية نشأت في أحياء فقيرة مهمشة مثل كريان طوما و كاريان السكويلا وبعض أحياء سيدي مومن بالدارالبضاء.
8 – هل نجحت المقاربة الأمنية في القضاء على الإرهاب في المجتمع المغربي؟
– نعم لقد نجحت الدولة في مقاربتها الأمنية لمحاربة بواسطة أجهزتها الأمنية من جهاز الاستخبارات ومن جهاز الأمن ومن الدرك الملكي، وقد أبانت هذه الأجهزة الأمنية على كفاءة مهنية عالية تصل في مستواها المستوى الدولي، كما أبانت هذه الأجهزة على مسؤولية وطنية كبرى في محاربة الإرهاب، فكل يوم نقرأ في الجرائد على تفكيك جماعة إرهابية في مناطق مختلفة من المغرب واعتقالها ومصادرة أسلحتها.
ثانيا أن الإرهابي تلقى تنشئة اجتماعية عنيفة وسيلتها الوحيدة في تنميط السلوكات وتحقيق الأهداف هو العنف بمختلف أشكاله.
أما الأسباب الإقتصادية المؤدية للعنف هو الفقر والحاجة ، بحيث نجد أن الجماعات الدينية الإرهابية نشأت في أحياء فقيرة مهمشة مثل كريان طوما و كاريان السكويلا وبعض أحياء سيدي مومن بالدارالبضاء.
8 – هل نجحت المقاربة الأمنية في القضاء على الإرهاب في المجتمع المغربي؟
– نعم لقد نجحت الدولة في مقاربتها الأمنية لمحاربة بواسطة أجهزتها الأمنية من جهاز الاستخبارات ومن جهاز الأمن ومن الدرك الملكي، وقد أبانت هذه الأجهزة الأمنية على كفاءة مهنية عالية تصل في مستواها المستوى الدولي، كما أبانت هذه الأجهزة على مسؤولية وطنية كبرى في محاربة الإرهاب، فكل يوم نقرأ في الجرائد على تفكيك جماعة إرهابية في مناطق مختلفة من المغرب واعتقالها ومصادرة أسلحتها.
إلا أنه مع ذلك لا بد للدولة ولأجهزتها الأمنية تبقى حذرة ويقظة وأن لا تغتر من هذا النجاح الكبير الذي حققته في مجال محاربة الجماعات الدينية الإرهابية، والخطر الوحيد الذي يتهدد هذه الأجهزة الأمنية هو اختراق هذه الجماعات الدينية الإرهابية لهذه الأجهزة كما فعلت الشبكات الإجرامية الأخرى و أنواع اختراق هذه الجماعات الإرهابية لأجهزة الأمنية هو:
أولا – الحصول على معلومات سرية تخص أمن الدولة والمجتمع.
ثانيا – الحصول على معلومات سرية سواء حول شبكات الإرهاب وجماعاته الدينية الإرهابية
ثالثا الحصول على معلومات تخص سرية تخص زعماء الجماعات الدينية الإرهابية
رابعا – الحصول على معلومات سرية تخص عمليات مداهمة الجماعات الدينية الإرهابية بمختلف أشكالها وتخصصاتها.
خامسا – الحصول على معلومات تخص العتاد العسكري والاستراتيجيات والأنشطة العسكرية أو معلومات سياسية سرية أخرى.
إن كل هذه السلوكات الإجرامية تستهدف نجاح المقاربة الأمنية لأجهزة الدولة الأمنية كما تستهدف ضرب وزعزعة كفاءة هذه الأجهزة.
وأرجع ضرورة الخوف والاحتياط من هذا اختراق الجماعات الإرهابية للأجهزة الأمنية وهو وجود أفراد في هذه الأجهزة يعملون على تسريب تلك المعلومات السرية إلى الشبكات الإجرامية ، وهي سلوكات جنائية تغيب فيها أي صفة من صفات المواطنة الحقة ، وهذه السلوكات الجنائية تكون وراءها حضور مجموعة من الأسباب منها ماهو نفسي ومنها ما هو اجتماعي يجب على الأجهزة الأمنية محاربتها في هؤلاء الأشخاص، هذا واقع فعلي قد مارسته العصابات الإجرامية على الأجهزة الأمنية للدولة، فما الذي يمنع أن يتسرب هذا الواقع للجماعات الدينية الإرهابية .
خامسا – الحصول على معلومات تخص العتاد العسكري والاستراتيجيات والأنشطة العسكرية أو معلومات سياسية سرية أخرى.
إن كل هذه السلوكات الإجرامية تستهدف نجاح المقاربة الأمنية لأجهزة الدولة الأمنية كما تستهدف ضرب وزعزعة كفاءة هذه الأجهزة.
وأرجع ضرورة الخوف والاحتياط من هذا اختراق الجماعات الإرهابية للأجهزة الأمنية وهو وجود أفراد في هذه الأجهزة يعملون على تسريب تلك المعلومات السرية إلى الشبكات الإجرامية ، وهي سلوكات جنائية تغيب فيها أي صفة من صفات المواطنة الحقة ، وهذه السلوكات الجنائية تكون وراءها حضور مجموعة من الأسباب منها ماهو نفسي ومنها ما هو اجتماعي يجب على الأجهزة الأمنية محاربتها في هؤلاء الأشخاص، هذا واقع فعلي قد مارسته العصابات الإجرامية على الأجهزة الأمنية للدولة، فما الذي يمنع أن يتسرب هذا الواقع للجماعات الدينية الإرهابية .
فبالنسبة للأسباب النفسية نجد ما يلي : أن الأنا الأعلى في الجهاز النفسي لدى هؤلاء الأشخاص يكون ضعيفا في مكوناته ، كما أنه ضعيفا في سلطته ومراقبته لأنه في علاقته باللاشعور ، فغالبا ما يدفع اللاشعور برغباته الليبيدية والعدوانية الأنا إلى تحقيقها على أرض الواقع وفي هذه الحالة لا يخاف الأنا من عقاب الأنا الأعلى المتجلي في تأنيب الضمير ، ولا يعير أي قيمة لسلطته التأزيمية والقمعية. كما نجد هشاشة نفسية في الجهاز النفسي عند هؤلاء الأشخاص بسبب اضطراب العلاقة الوظيفية الاتزانية بين الأنساق الثلاثة للجهاز النفسي ( الهو والشعور والأنا الأعلى ) وفي علاقاتهم الوظيفية أيضا بالواقع وأصحاب هذه الهشاشة النفسية يسقطون بسهولة ضحية الإيحاءات والإغراءات والتخويف والترهيب الممارس من قبل الآخرين عليهم والذين يريدون معرفة معلومات سرية للحفاظ على مكانتهم ، فينقدون إليهم بسرعة دون مقاومة .
أما بالنسبة للأسباب الاجتماعية نجد ،إن هذه السلوكات الجنائية المتمثلة في تسريب الأسرار نجد أسبابها في اضطراب منظومة القيم وتناقضها مع مرجعيتها وأهدافها ، ما يجعل هؤلاء الأشخاص يتناقضون في سلوكا تهم مع الترسانة القانونية الملزمة لهم والمحددة لواجباتهم اتجاه الدولة والمجتمع ، فيؤدي هذا الاضطراب في هذه المنظومة إلى استصغار خطورة ما يقدمون عليه والاستهانة بذلك إلى درجة أنهم يعطون لأنفسهم تبريرات لما يقومون به . هناك سبب آخر مرتبط بالتنشئة الاجتماعية ، إذ أن هؤلاء لم يخضعوا لتنشئة اجتماعية تستهدف التربية على روح المواطنة والالتزام بالقوانين ليس باعتبارها إكراهات خارجية وإنما واجبات أخلاقية ، يجب أن تمارس اتجاه المواطن والمجتمع . –
9 – ماهي قدرة الشبكات الإرهابية على اختراق أجهزة الدولة ؟
لهذه الشبكات الإرهابية قدرات فائقة في اختراق الأجهزة الأمنية ، أكثر من الشبكات الإجرامية الأخرى وذلك من خلال استقطاب رجالات الأمن بمختلف تسلسلهم الإداري في تلك الأجهزة ، بحيث تتحكم في السيطرة عليهم من خلال ما لديها من إغراءات قوية من أموال والنفوذ للحصول على ترقية هؤلاء في السلم الإداري ، بالإضافة إلى تحقيق لديهم امتيازات أخرى كل حسب هواه ونقط ضعفه .
10– هل في نظركم أن المقاربة الأمنية هي وحدها الكفيلة بالقضاء على الإضراب في المجتمع المغربي؟
– صحيح أن المقاربة الأمنية التي تمارسها الدولة بواسطة أجهزتها الأمنية قد نجحت إلى حد الآن في محاربة الإرهاب من خلال تفكيك الشبكات الإرهابية في مختلف مناطق المغرب، إلا أن هذه المقاربة الأمنية لابد أن تزيد من قوتها وذلك من خلال قيام الدولة من أجل تحصين لأجهزتها الأمنية من اختراق الجماعات الإسلامية لها، وأن لا تكرر نفس التجربة التي حدثت مع الشبكات الإجرامية الأخرى، وذلك من خلال قيام الدولة بمجموعة من الإجراءات والآليات :
أولا عدم الوقوع في سوء اختيار الأفراد في هذه الأجهزة فالتوظيف في هذه الأجهزة يجب أن يتم بشكل انتقائي كبير ويخضع لاختبارات صارمة نفسية واجتماعية وأخلاقية خصوصا بالنسبة إلى الموظفين الذين سيختارون في الأجهزة الحساسة مثل الاستخبارات ، إذ أن استقامة السلوك في أجهزة الدولة هي المعيار وهي التي تضمن تحويل قوانين إكراهية إلى واجبات أخلاقية اتجاه الدولة والوطن .
ثانيا إيجاد أجهزة ومؤسسات فعالة وقوية للمراقبة ، مهمتها مراقبة سلوكات هؤلاء الأشخاص داخل عملهم وخارجهم،ومراقبة علاقاتهم واتصالاتهم ورصد التأثيرات السلبية على سلوكاتهم من خلال إخضاعهم دائما إلى المعالجة الإكلينيكية السيكولوجية ، تحدد مدى إمكانية استمرارهم في أداء مهمة تطبيق القانون والواجبات الأمنية نحو الوطن .
ثالثا يجب أن تلجأ الدولة إلى صرامة القانون لردع هؤلاء الأشخاص وجعلهم يخافون في كل اللحظات من العقاب المنتظر في حالة تواطؤ أو مخالفة القوانين أو انتهاك سرية المعلومات بتسريبها إلى جهات التي ستستفيد منها في إيذاء المجتمع وهو ما يعبر عنه “جون لوك” في مقولته ب ((إذا أراد أحد انتهاك هذه القوانين فوق ما هو مسموح به وشرعي فإن تجرؤه ينبغي أن يقمع بواسطة الخوف من العقاب )) .
رابعا- يجب أن تتحمل الدولة مسؤوليتها و أن تبادر إلى تخليق الحياة العامة السياسية والاقتصادية من جهة ومن جهة أخرى أن تعمل على إصلاح كل الفساد المستشري في هذه الأجهزة وذلك من خلال تكوين لجن فعالة ونزيهة في التحقيق والمراقبة والمتابعة ، سواء في جهاز القضاء أو الاستخبارات أو في أجهزة الأمن الوطني أو جهاز الدرك الملكي ، فهذه الأجهزة هي الأساس الأول الذي تقوم عليه سلامة وأمن الدولة و المجتمع ، ولهذا يرى “ماكس فيبر” أن أي تجمع سياسي لا يمكنه أن يرقى إلى مستوى مؤسسات الدولة، إذا لم يمارس حقه المشروع ، الذي يتمثل في العنف القانوني المشروع لحماية المواطنين والمجتمع و الحفاظ على أمن الدولة .
وللإجابة على سؤالك أن المقاربة الأمنية لا تكفي وحدها لمحاربة الإرهاب، لأن المقاربة تواجه الإرهاب في نضجه واكتماله، لهذا على الدولة أن تقضي على الإرهاب في مهده وفي لحظته نشأته وأن توقف نموه وذلك من خلال استحضار مجموعة من المقاربات الأخرى كالمقاربة السيكولوجية والمقاربة الاجتماعية والمقاربة الاقتصادية، والمقاربة الفكرية العقائدية.
فيما يتعلق بالمقاربة السيكولوجية التي يجب أنها تتهجها الدولة وهي عليها أن تقضي على الإرهاب كانحراف وكسلوك مرضي في مهده النفسي، وذلك من خلال خلق مراكز للاستشارة النفسية والاجتماعية في كل الأحياء الشعبية على امتداد التراب الوطني يشتغل فيها متخصصون من علماء النفس وعلماء الاجتماع المغاربة، هذه المراكز تقم بمعالجة الأشخاص الذين بدت عليهم حالة التطرف الديني أو الانحراف الإجرامي، كما ستتمكن هذه المراكز من وقاية المواطنين من الوقوع في براثين التطرف الديني والانحراف الإجرامي.
أما المقاربة الاجتماعية التي يجب أن تقوم بها الدولة هي خلق جمعيات مدنية تقوم بالتأطير الاجتماعي والسياسي لخلق مناعة ضد التطرف وضد الانحراف والجريمة، كما أن المقاربة الاجتماعية التي يجب أن تقوم به الدولة هي دمج الشباب في النسيج الاجتماعي بكل مرافقه ومجالاته. والقضاء على الفقر و على آليات التهميش والإقصاء.
أما المقاربة الاقتصادية التي يجب على الدولة القيام بها لمحاربة الإرهاب عليها أن تقضي على البطالة من خلال خلق مناصب الشغل لكل الشباب، وهذا يحصن الناس من الفقر والحاجة.
أما المقاربة الفكرية/ العقائدية التي يجب أن تقوم بها الدولة لمحاربة الإرهاب ، هي نشر ثقافة التسامح والسلم والتعايش السلمي وحرية الرأي والاعتقاد ونشر الإسلام المتسامح.
11– ماهي انعكاسات الإرهاب على المجتمع المغربي ؟
إن الإرهاب سواء كان ماديا أو معنويا له انعكاسات سلبية نفسية واجتماعية على الناس.فيما يتعلق بالانعكاسات النفسية على الناس، نجد أن العنف الممارس ،يؤدي إلى انجرا حية مؤلمة في أنا كل منهم ، بحيث نجد أن هذه الانجراحية لا يلغيها منطق النسيان الخاضع بالضرورة لآليات الإقصاء التي يمارسها منطق الزمن ، وهذه الانجراحية النفسية للأنا ، تجعل الناس لا يثقون في بعضهم البعض، ولا يأمنوا شر بعضهم البعض ، ولا يشعرون على الإطلاق بالأمان والاستقرار الاجتماعي مما يؤدي في النهاية إلى نفور واشمئزاز وكراهية بعضهم البعض .
كما أن الإرهاب يخلق إعاقات سيكولوجية للناس بسبب فقدان الأمان والاستقرار النفسي في حضن المجتمع ، مما يجعلهم معرضين لأمراض نفسية عصابية كالاكتئاب والوسواس القهري والفوبيا والقلق.
أما الانعكاسات الاجتماعية ، ففي الغالب نجد أن الإرهاب الذي يسود في المجتمع في الغالب ما يؤول أمره إلى الإفلاس الأمني وعدم الاستقرار. كما يؤدي إلى الخوف من الآخر وعدم الثقة به ، وهذه الفوبيا الاجتماعية ستؤدي بالناس إلى عدم الاندماج في المجتمع بشكل سليم .
عن موقع : فاس نيوز ميديا