في الشق الثاني من مقالة شعب المغرب (فق من النعاس) بعد ترسيم الساعة العثمانية ، نتناول في حديثنا أدوار ومواقف جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلميذات والتلاميذ وتجليات الحركة الاحتجاجية التي خاضها تلاميذ المؤسسات العمومية طيلة أسبوع مدرسي، نقف عن مدى التفاعل والتأثير على مسارات الاحتجاج، أم الكفاف في التحكم وضبط قرارات التلاميذ.
هذا الموضوع كنت أجتنب كثيرا الخوض فيه ، على اعتبار الأدوار التفاعلية لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلميذات والتلاميذ كشريك أساسي ضمن مجتمع المدارس العمومية، وعلى اعتبار رصيد تلك المجهودات والخدمات التي تقدمها الجمعيات نفسها للمؤسسات ولو باختلاف النسب بين مؤسسة وأخرى.
لكن حين خرج التلاميذ إلى الشارع معبرين عن رفضهم للساعة العثمانية، تجلت حقيقة لا مفر من معالجتها و كشف خفاياها، ونتساءل بلطف ، هل جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلميذات والتلاميذ حقيقة تمثل أسر التلاميذ ؟، هل تقوم جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلميذات والتلاميذ بالأدوار المنوطة بها ضمن مقرراتها الداخلية ؟، هل حان الوقت لتشكيل قيادة جديدة بالمؤسسات المدرسية ؟، هل استنفدت جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلميذات والتلاميذ أدوارها التاريخية وتعيش في غرفة الإنعاش؟.
من أسوء مقاطع جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلميذات والتلاميذ تلك التي عايشتها خلال أسبوع غضب الساعة ، أنها أحست بدوار (التلفة) في اتخاذ القرار الرزين و السديد. اتضح خلال هذا الأسبوع أن جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلميذات والتلاميذ لا سلطة لها على التلاميذ ولا على الآباء، و أغلب قراراتها تركن جانبا وبمهل، اتضح أنها سقطت في شوكة الموازنة و إرضاء الوزارة الوصية ولما حتى السلطات المحلية ، سقطت بقبول الساعة المضافة كمعطى لا مفر منه. اتضح أنها همشت إلى أن أصدرت بلاغا وطنيا تستهجن فيه انفراد الوزارة بالقرار، اتضح أنها أخفقت مرارا وبالتكرار الممل في إيجاد صيغة ترضي التلاميذ والتلميذات وتحفظ ماء وجهها للجميع.
رفض التلاميذ للساعة (الشعب يريد إسقاط الساعة)، وضع جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلميذات والتلاميذ (في فم مدفع حامي الأطراف) فلا هي مع الوزارة الوصية (تسويق الصورة الجماعية بالوزارة، وبسمة التراضي)، ولا هي مع من تمثلهم حقيقة (أولياء التلاميذ). هنا تشبثت بالحلول التوفيقية الرخوة و الوسطية السلبية. فرغم الحركة المكوكية التي كانت تقوم بها بين السلطات المحلية المطالبة بعودة الهدوء إلى الفضاء المدرسي، وبين القرارات الفوقية للوزارة والجهات، وبين أسر وأولياء التلاميذ، فإنها أبانت عن عوز ليس في تنظيماتها، بل في سلطتها المستمدة من تلك الانتخابات التمثيلية بالمؤسسات المدرسية ، أبانت أنها مرات عديدة تصبح من توابع مقررات الدولة الرسمية، وفي القلة القليلة مع مشروعية التلاميذ في رفض الساعة.
زمن استغلال طيبوبة وسخاء جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلميذات والتلاميذ في تدبير شأن الصباغة والإصلاحات والترميمات انتهى. انتهت تلك الأدوار التي كانت تسد ما عجز عن سده خبر تمويلات الدولة. انتهت في ظل مطالب المدرسة العمومية بمعادلة الإنصاف و تكافؤ الفرص في البنيات التحتية و المورد البشري . انتهت في ظل البحث عن الجودة وقد ولى زمن (قدي وعدي بلي كاين). انتهت في ظل وجوب تعبئة شعب (لا فئة معينة) تجاه المؤسسة المدرسية. انتهت في ظل حضور رؤية حكامة تدبيرية تمثل الرقمة والحداثة.
ليكن حسم القول أن جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلميذات والتلاميذ استنفذت مهامها التاريخية في ظل التحولات الاجتماعية والمدرسية . انتهت مهامها ليس بقتلها وإخراجها تنكيلا خارج أسوار المؤسسات التعليمية، بل بلغة التفكير في صناعة بدائل تفاعلية حديثة مع المجتمع المدرسي ، في التفكير في استغلال مقاربة الديمقراطية التشاركية من خلال إنشاء مجلس اداري بكل مؤسسة تعليمية يمثل مجتمع المدرسة وبرئاسة المدير التربوي. بالتفكير في تمرير سلطات قوية لذلك المجلس الإداري عبر منحه الاستقلالية وتدبير أولويات المؤسسة بالقرب ، عبر تسيير ناجع شفاف للمؤسسات التعليمية والتقليص من شكليات كثرة مجالسها، عبر مساءلة ومحاسبة (المجلس الإداري) برمته وليس المدير التربوي، عبر نهج واقعية التدبير بالنتائج والتنافس وفق خطة مشاريع المؤسسات التربوية.
لن نصل بقول حكم قيمة أن جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلميذات والتلاميذ قد فشلت في ترشيد تلاميذ المؤسسات العمومية عن الخروج إلى الشارع لإسقاط الساعة ، ولكن نقول بأن سلطتها الاعتبارية تقلصت وتدنت (مثل ما حدث للأحزاب السياسية والشركاء الاجتماعيين)، فهي لم تعد تمثل تلك التحولات العمرية (جيل 2000) واحتياجات التلاميذ و مطالبهم المتزايدة. لذا لا بد لها من إنشاء حوار داخلي يفكك الاخفاقات ويثمن الحصيلة الفضلى ، لا بد لها من تنظيم مناظرة وطنية تجدد هياكلها و تشبب أفكارها، ولما لا القول بتوحيد أقطابها، لا بد لها من التحول من شريك ( وقت الحاجة) إلى شريك فاعل ومتفاعل مع القضايا الداخلية لمجتمع المدرسة عبر مجالس إدارية للمؤسسات التعليمية بصيغة ملائمة لرؤية الإصلاح.
محسن الأكرمين / متتبع لشأن المدرسي.
عن موقع : فاس نيوز ميديا