لم يختمر فيض جواب هذا السؤال إلا حين سمعت أن مهرجان مكناس أضحى يحتل مكانة مرموقة بين المهرجانات الوطنية ، وبات محطة جذب موسمية للثقافة والفن (مكناس مدينة الثقافة)، وتهافت التهافت على المشاركة فيه من قبل الفنانين وغيرهم مهرجي الوطن الذين باتوا يرون فيه (همزة جابها الله). لم تكتمل الإجابة عنه إلا حين سمعت أن هنالك فنانون يتصلون لكي يضمنوا صعودهم على منصات الغناء و الضحك بمكناس. فقلت، مادام هذا الإقبال كائن وموجود ومعترف به من طرف القيمين والمؤسسين على السواء ، فلما لا يصبح مهرجان مكناس بالأداء؟.
هنا توقفت قليلا وقلت، لما نطالب مهرجا ن مكناس بحمل أثقال ما يقوم به أبطال كمال الأجسام، وهو لازال يصعد قياما من حبو صغير ويعيش في عمره الثالث ؟. ولكن إلحاح السؤال ، ماذا لو أصبح مهرجان مكناس بالأداء ؟، فرض علي جمع أفكار من متلقي ومستهلكي أنشطة مهرجان مكناس، ومن متتبعيه الأوفياء.
المشكلة أننا لا نحاسب المهرجان بذاته بعيدا عن الامتدادات السياسية و تشابكاتها المرحلية بمكناس ، لا نحسبه كأحد مهرجانات مكناس الكثر، بل نحسابه باعتباره كبيرهم (أب المهرجانات). حتى أننا سلبيا نعوم محاسبته نحو الشخصنة المفرطة التي لا تجدي نفعا من توجيه نقد بناء يحمل قيمة علمية.
حين ناقشت السؤال مع صديق لي بضفة السكة الحديدية ، وجد أن السؤال به خلل ويتعارض مع القانون المنظم لعمل الجماعة . هنا أخرجت من تفكيري قسم الثقافة والفن بالجماعة لأنها لا يمكن أن تستثمر بالربح المادي في الفن والثقافة، بل استثمارها يكون في أثر تحسين القيم الاجتماعية و السلوكية للساكنة والترفيه عنهم بصورة مليحة. وصلت إلى سؤال رديف، لما لا يفكر القسم الثقافي والفني بالجماعة من خلق وكالة موازية (مستقلة) لتنظيم مهرجانات مكناس؟.
لكني مرة ثانية، ركبت عنادي من فحص السؤال، ماذا لو أصبح مهرجان مكناس بالأداء ؟ و سبر أغوار عمق تجلياته الباقية، واتبعت حدسي بلا سلطة عقل. حينها وجدت حقيقة لو طبقنا الأداء على ولوجيات بوابات منصات مهرجان مكناس، لتمكنت المدينة حقيقة من تحريك عجلة المبيت والإقامة السياحية بمكناس، وكذلك من حيث خلق سياحة موسمية للمهرجانات بمكناس تجذب سياح الداخل والخارج.لتمكنت المدينة بفضل منصات الغناء والضحك بالشكل المقاولاتي (رابح/رابح) من تحريك دواليب الاقتصاد وتنشيط حركة البيع الشراء الموازية للأيام المهرجان. لتمكن مجلس جماعة مكناس من التخلص نهائيا من ملفات الشراكات لانجاز مهرجان (ما) ، ومن ثقوب الدعم التي باتت تنشف مالية الجماعة وترهق ميزانيتها ، وتلاقي التوجيه الغالب في اعتمادات صرفها على أولويات المدينة والساكنة.
هناك ملاحظة ثانية وقفت عليها دون قياس عوائدها النفعية، حين يصبح المهرجان بالأداء (المسبق) لن تجد هنالك ازدحام تراكمي على بوابات دور العرض (القاعة المغطاة / المركب الثقافي المنوني) ولن يحتاج المنظمون أصلا إلى (القاعة المغطاة) ، بل سيكون هناك دخول نوعي قليل وبعوائد مادية مهمة، حينها لن تجد شبابا يتسابقون إلى منصات الغناء والضحك أيام التمدرس وأسابيع الامتحانات.
ثالث ملاحظة ممكن أن تكون غير سوية لو أصبح مهرجان مكناس بالأداء ، وهي الإحساس بالحكرة من طرف العامة والشباب ، الإحساس بالتمييز الطبقي بين من كان يحمل دعوة ملونة سابقا وبدون صف دخول، وبين من يقدر على اقتناء تذكرة الدخول (لو أصبح مهرجان مكناس بالأداء ) ، وبين من كان يتحين الفرصة لمشاهدة أحد وجوه الغناء والتهريج (فابور).
ماذا لو أصبح مهرجان مكناس بالأداء ؟، سؤال يحمل دلالة التغيير في المناولة للشأن الثقافي والفني بمكناس، سؤال يطرح على القيمين فرص التفكير لكي يوفروا بنية تحتية سليمة للفن والثقافة وبعدها ممكن أن نعلن أن مكناس (مدينة الثقافة).
متابعة للشأن المكناسي/ محسن الأكرمين.
عن موقع : فاس نيوز ميديا