النسخة الثالثة من “مهرجان مكناس” انتهت بحفل ختم أمير شيخ الغناء العربي هاني شاكر. مهرجانا أسال حبرا أسودا مديدا ، وقسمالساكنة بين مؤيد له وبين ناقد لفقراته، وبين ممتنع لحضور فعالياته ، فيما الفئةالثالثة والوفيرة العدد فهي التي لا علم لها بأمر مهرجان بمكناس بتاتا.
لكل طرف حيثياته الموضوعية والزاوية التي يحلل بها الفعل الثقافي والفني بمكناس. فيما اختلاف الرأي لا يفسد مودة احترام كل التوجهات وكل المواقف. أما الحقيقة التي لا مفر من تقليبها تتأسس حول تقويم مداخل و مخارج ” مهرجان مكناس” من حيث المؤشرات الأولية الكبرى المنصوص عليها في كل الاختيارات المبرمجة ضمن فقراته ، وتكمن كذلك في قياس نسبة تدفق سيولة نجاح أو فشل المهرجان كمخارج لها قيمة كمية، تطمح إلى الضبط التقويمي والتعديل الاستشرافي.
لن ننكر أن المهرجان استطاع أن يجلب لمدينة مكناس خلخلة في بنية التفكير والرأي المضاد . لا ننكر أن المهرجان خلق جدالا صحيا وحركة لروح الكتابة، سواء بالدعم المشروط للمهرجان أو بالنقد الايجابي . لا ننكر أن المهرجان قسمنا شيعا وقبائل حتى داخل مكون مجلس جماعة مكناس، هي ذي القيمة النوعية التي يجب أن تسجل كمحاسن واضحة على امتداد أيام المهرجان وبعده .
لنترك رافضي و مقاطعي المقاطع الثقافية والفنية لمهرجان مكناس في دورته الثالثة بكل أمان وتقدير. ونبحث بالسؤال، هل حقق المهرجان كل مؤشراته المستهدفة ؟، هل تم ترشيد الدورة الثالثة بالجودة؟، هل ساهم مهرجان مكناس في تنشيط الحركة الثقافية والفنية والرياضية بحق في المدينة؟، هل ساهم مهرجان مكناس في تثمين الموروث الثقافي واللامادي بالمدينة والتعريف به ؟.
فإذا ما التمسنا خانة المؤيدين، فإننا نقول “نعم” وكفى أهل مكناس جدال كشف المستور. فيما القول الصادق والذي لا مناص من ذكره جهارا عند مقاطعي فقرات مهرجان مكناس، أن هناك بذخا غير رشيد في إنفاق المال العمومي، أن هناك حالة التنافي بين إعلان إفلاس موارد الجماعة المالية التحصيلية وبين الكرم الحاتمي على الغناء والموائد.
من المؤسف أن مهرجان مكناس يلعب على أسماء عالمية في مجال الغناء لتسويق منتوجه الفني، يلعب على وجوه غنائية حتى وإن شاخ سنها الغنائي، فالمستهلك المكناسي للغناء ألف على مشاهدتها عبر وسائل الإعلام و يقصد منصات الغناء ليراها بالمباشر، ولما أخذ صورة له معها ولو عن بعد. فيما نوعية الثقافة المسوقة من بضاعة المهرجان المتنوعة، والتي ما ننفك أن نصفها ب “الثقافة الرخوة ” بمقابل “الثقافة النظيفة” .. فحين تتم صناعة الفرح الموسمي المفبرك بالأضواء فثمة ثقافة رخوة، فحين ندفع بالمواطن إلى البسمة الزائفة فثمة ثقافة هشة المضامين والرؤية الاجتماعية، فحين لا نشتغل على صناعة القيم وأخلاق العناية يصبح فيها المتلقي مستهلكا أصما وطيعا ووديعا.
لكن بمكناس حين نريد قياس نجاح مهرجان ما فإننا نحتسبه بعدد الحضور التراكمي، وهي القضية الخاطئة التي تعوم قياس الأثر النفعي على المدينة والساكنة والاقتصاد، ونستفسر: هل يحتسب نجاح المهرجان من خلال العروض الغنائية ؟ ما هي شريحة الفئات الاجتماعية المستهدفة من باقة برنامج المهرجان ؟، لما غابت الوجوه المليحة وصناع القرار والمال عن الكراسي البيضاء الأمامية في حفل الختم؟، ما هي العلامة الحصرية التي اشتغل عليها مهندسو المهرجان كقيمة لإحياء تراث المدينة؟، ما هي أدوار المجتمع المدني الحقيقة بمكناس بدل خيمة؟، هل فضاء المجتمع المدني حقق إشعاعه المحلي، أم بقي حبيس صور معروضة للاستهلاك والفرجة؟، هل أدوار المجتمع المدني تنحصر في المشاركة بوضعية البهرجة الموسمية وتزكي سياسة المهرجانات؟.
إنه “مهرجان مكناس” نطق حروفه الأولى (إكو) (لطيفة) (نتيفي) (شاكر)…، ثم ( اش كاين) بمكناس؟، حروف الحياة الأولى منعته من التنوع الثقافي واللغوي، وغيبت لغة ثقافة شعبية أقرها الدستور كلغة رسمية (الأمازيغية)، مهرجان لم يتكلم لغة ساكنة مكناس بالعدل والوفاء للتاريخ.
محسن الأكرمين/ متابع للشأن المكناسي
عن موقع : فاس نيوز ميديا