الاغتصاب والسرقة و حالة ارتفاع الجرائم
في المجتمع المغربي
الدكتور عبد الجبار شكري
أستاذ باحث في علم الاجتماع وعلم النفس
باحث مشارك في مختبر الأبحاث والدراسات
بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة
تعدالجريمة في حد ذاتها نوعا من الانحراف وهذا الأخير يعتبر خروجا عن قواعد المجتمعالممثلة في المرجعية الدينية ومنظومة القيم والتقاليد والأعراف والخروج كذلك عننظام قيم الإنسانية العليا فعندما تتكاثر جرائمالسرقة وتصاحبها جرائم الاغتصاب الجنسي التي هي بطبيعتها تدخل في مجال الانحراففهي انعكاس لوجود خلل في المجتمع بمعنى أن هذا الخلل في الأصل ناتج عن المجتمعنفسه ويضر في نفس الوقت بالمجتمع ذاته فكلما زادت نسبة هذا النوع من الجرائم، كلماكانت عوامل وآليات الخلل متزايدة في المجتمع إذا بالنسبة لنا كمجتمع مغربي فإنارتفاع نسبة هذا النوع من الجرائم فهذا لا يدل فقط على وجود خلل واحد فقط وإنمايدل على وجود اختلالات متعددة تبين أن المجتمع المغربي لم يعد مجتمعا متوازنايحافظ على تماسكه انطلاقا من مقوماته الذاتية أي من خلال وظائفه. وهذا ما أصبحنانراه في الآونة الأخيرة هو ارتفاع نسبة ما أسميه ب ” جرائم السرقة والاغتصاب”.
أولها السرقة ثم يليها الاغتصاب الذي ينتج عن الانفعالات المفاجئة والسريعة والاندفاعية والمتهورة وهي اللحظة التي لا يقصد فيها المجرم إلا السرقة، ولا يتوفر لديه القصد الجنائي في الاغتصاب الجنسي وإنما هي يكون نتيجة ردود فعل قوية جدا لمؤثرات خارجية يصبح فيها الأنا في وضعية غير انضباطية لذاته، يفتقد فيها إلى آليات وميكانيزمات الدفاع عن نفسه فيرتكب الاغتصاب بدون وعي. وهذا النوع الأول هو ما أسميه ب” الاغتصاب المجاني ” وهي تلك الجريمة التي ترتكب في لحظة انفعال الذات بدون أن يسبقها الترصد مع سبق الإصرار ، فهي تأتي كرد انفعالي مفاجئ للمجرم ذاته .
إن جرائم السرقة والاغتصاب المجاني يرتكبها المراهقون على الخصوص ، وهي جرائم تحرج الآباء والمجتمع لأن المراهق القاصر عندما يرتكب جريمته فهو من الناحية الدينية غير بالغ وغير مسؤول عن أفعاله ، وغير ملزم شرعا كما هو الأمر بالنسبة للراشد ، كما أنه من الناحية القانونية لا يعاقب كما يعاقب الراشد ، لهذا فالقضاء يدخله إلى مؤسسة إصلاحية من أجل علاجه وتقويم سلوكه لأن القضاء يعتبر الجرم الذي ارتكبه المراهق القاصر ماهو إلا نتيجة إكراهات اجتماعية ونفسية فهو غير صادر عن النية والقصد . أما فيما يتعلق بالشخص الراشد الذي يرتكب جريمة السرقة والاغتصاب فهو شخص أسميه بـ” المجرم المجاني.
أماالنوع الثاني فهي السرقة والاغتصاب الجنسي المقصود لهدف معين، ولكنها محدودةومنتهية في لحظة معينة وهذا النوع من الجريمة تكون مرجعياته رغبة عدوانية مكبوتةترجع إلى غريزة ” التناتوس” أي غريزة الموت كما يسميها التحليل النفسيوالتي يحقق فيها المجرم لذة نفسية كما هو الأمر بالنسبة إلى الرغبة الليبيديةالمكبوتة التي تنتمي إلى غريزة ” الإيروس ” والذي يحقق فيها الفاعل كذلكرغبة نفسية مكبوتة، إذا الجريمة في هذا النوع تختار موضوع إشباعها ويلبي فيهاالمجرم تلك الرغبة الاستيهامية العدوانية المكبوتة.أما النوع الثالث وهو ما يسمى بالسرقة والاغتصابالمتكرر وهي جريمة تأتي نتيجة الجريمة المقصودة في لحظة معينة، فعندما تنتاب المجرم اختلالات واضطرابات نفسية تخلق لديه بنية نفسية هشة تتكاثر فيها الرغبات اللبيدية و العدوانية المكبوتة و تتكاثر معها الموضوعات الاستيهامية التي تشكل الإشباع الفعلي لهذه الرغبات اللبيدية العدوانية، تتنوع وتتعدد فيسعى المجرم باستمرار إلى السرقة والاغتصاب معا، وفي هذه الحالة فإن السرقة والاغتصاب الجنسي يصل إلى مستواه الأقصى الباثولوجي عندما يتحول عند المجرم إلى عادة سلوكية فهو حالة مرضية وصلت إلى أقصاها من الاضطراب النفسي، فالسرقة والاغتصاب يسعى من خلالها إلى إشباع رغبات مكبوتة أصبحت تطالب الأنا باستمرار من أجل إشباعها، وفي نفس الوقت يضطر الأنا للخضوع لهذه الرغبات الانفعالية المكبوتة فيعدد مواضيع استيهاماته، ونلاحظ أن عملية السرقة والاغتصاب تشمل أشخاصا متعددين وهذا التعدد يعكس تعددا آخر يهم المواضيع الاستيهامية للمجرم.
كما أشير أيضا إلى أن هذا النوع من الجريمة وأسلوبها التي صنفتها سابقا، ترتبط بنوع شخصية المجرم. والتي تنقسم من الناحية السيكولوجية إلى ما يلي:
أولا هناك المجرم العبثي وهو ذلك المجرم الذي يرتكب السرقة أولا ثم جريمة الاغتصاب الجنسي في لحظة انفعالات مفاجئة وسريعة واندفاعية ومتهورة ، وهي اللحظة التي لا يقصد فيها المجرم الاغتصاب الجنسي ولا يتوفر لديه القصد الجنائي وإنما هي نتيجة ردود فعل قوية جدا اتجاه المثيرات الخارجية ، حيث أصبح فيها “الأنا” في وضعية غير انضباطية لذاته يفتقد فيها إلى آليات وميكانيزمات الدفاع عن نفسه ، فيرتكب الجريمة بدون وعي .
ثانيانجد المجرم الوظيفي فهو الذي يرتكب الجريمة المقصودة لهدف معين للحصول على المالوالاشباع الجنسي معا ، بمعنى أن المجرم يرتكب دائما جرائمه من أجل تحقيق وظيفةمنفعية ما.
ثالثا المجرم الاستيهامي ، وهذا النوع تكون مرجعيته رغبة عدوانية مكبوتة ، ترجع إلى غريزة تناتوس أي غريزة الموت كما يسميها التحليل النفسي . وهي تلك التي يحقق فيها المجرم لذة نفسية مازوشية ، كما هو الأمر بالنسبة للرغبة اللبيدية المكبوتة التي تنتمي إلى غريزة الإيروس والتي يحقق فيها الفاعل رغبة نفسية ، إذا الجريمة في هذا النوع تختار موضوع إشباعها الوهمي ، ويلبي فيها الفاعل تلك الرغبة الاستيهامية العدوانية المكبوتة في الاتجاهين معا .
رابعا المجرم السادي وهو ذلك المجرم الذي يرتكب جريمة السرقة والاغتصاب مع سبق الإصرار والترصد، فعندما تنتاب المجرم اختلالات واضطرابات نفسية تخلق لديه بنية نفسية هشة ، تتكاثر فيها الرغبات العدوانية المكبوتة يقوم بالبحث عن الموضوعات الاستيهامية التي تشكل الإشباع الفعلي لهذه الرغبات العدوانية ، تتنوع وتعدد فيسعى المجرم باستمرار إلى السرقة والاغتصاب المتكرر ، ولكن في هذا النوع من الجرائم يقوم بالتعبير عن باثولوجيته.
في جزء من هذه الجرائم يرجع إلى ضعف المقاربة الأمنية وضعف أجهزة مكافحة الجريمة وضعف إجراءات الوقاية من الجريمة:
أولا فيما يتعلق بضعف المقاربة الأمنية تتمل في ضعف الموارد البشرية في رجال الأمن فنسبة رجال الأمن الحاليين ضعيفة جدا بالمقارنة مع ارتفاع الجريمة وارتفاع نسبة الجرائم .
ثانيا فيما يتعلق بأجهزة مكافحة الجريمة نجدها غير متخصصة لا تقوم على خبرة علمية في مكافحة هذا النوع من الجرائم وذلك بالاستفادة من علماء النفس وعلماء الاجتماع وعلماء الإجرام المغاربة.
ثالثا أن وزارة الداخلية لمتعتمد على استراتيجية مجالية في الأحياء السكنية لوقاية الساكنة من الوقوع في هذهالجرائم وذلك بخلق مراكز في الأحياء من أجل الاستماع إلى الآباء فيما يخص الأبناءالذي بدأ الانحراف يظهر في بدايته وذلك من أجل القضاء عليه في لحظة ولادته.
إلى جانب ضعف المقاربة الأمنية وضعف أجهزة مكافحة الجريمة نجد أن هناك أسباب سيكولوجية وسوسيولوجية متوفرة في المجرم.
فمن الناحية السيكولوجية نجد مجموعة من الأسباب النفسية وراء ارتكاب الشخص لجريمة السرقة والاغتصاب وهي كالتالي:
أولا نجد أن المجرم هو شخص مشحون بالحقد والعداء للآخرين نتيجة الرغبات العدوانية المكبوتة لديه، والتي ولدها لديه العنف المادي والمعنوي الذي مورس عليه من طرف أبويه وأقربائه فيسقط كل ساد يته العدوانية من أجل الانتقام من الآخرين على ضحيته.
ثانيا أن المجرم هو شخص معوق نفسيا بسبب العاهة النفسية التي اكتسبها من جراء الحرمان العاطفي الذي عاشه في طفولته ونتيجة القسوة والإقصاء والنبذ الذي تعرض لهما ومن تم فهو لا يعرف معنى الحنان والإشفاق على الآخرين ، وبالتالي فهو لا يشعر بأدنى ذنب أو تأنيب ضمير أو مسؤولية أثناء ارتكاب جريمة السرقة والاغتصاب ، إذن ففاقد الشيء لا يعطيه .
أما من الناحية السوسيولوجية فغالبا ما يكون المجرم شخص قد عاش في أسرة مفككة بسبب الطلاق بين والديه ،وبسبب هذا التفكك الأسري والطلاق تنتج مجموعة من العوامل الاجتماعية تصنع هذا النوع من المجرمين وهذه العوامل هي كالتالي :
أولا ففي ظل هذا التفكك الأسريتغيب عند المجرم حول السرقة والاغتصاب الجنسي، مجموعة من القيم المتزنة والضابطة والتي تتكون بواسطة التنشئة الاجتماعية والتربية السليمتين ، فتحل محلها منظومة منالقيم ذات مرجعيات منحرفة ومتناقضة مع القيم الأخلاقية الدينية ، مما يغيب عندالمجرم النموذج الاجتماعي للسلوك القويمالذي يوجهه إلى ممارسة سلوكات قيمة وسليمة . فيقدم على ارتكاب جريمته دون أن يعرف أين يصنفها .
لا يشعر بأدنى ذنب أو تأنيب ضمير أو مسؤولية أثناء ارتكاب جريمة السرقة والاغتصاب ، إذن ففاقد الشيء لا يعطيه .
أما من الناحية السوسيولوجية فغالبا ما يكون المجرم شخص قد عاش في أسرة مفككة بسبب الطلاق بين والديه ،وبسبب هذا التفكك الأسري والطلاق تنتج مجموعة من العوامل الاجتماعية تصنع هذا النوع من المجرمين وهذه العوامل هي كالتالي :
أولا ففي ظل هذا التفكك الأسري تغيب عند المجرم حول السرقة والاغتصاب الجنسي، مجموعة من القيم المتزنة والضابطة و التي تتكون بواسطة التنشئة الاجتماعية والتربية السليمتين ، فتحل محلها منظومة من القيم ذات مرجعيات منحرفة ومتناقضة مع القيم الأخلاقية الدينية ، مما يغيب عند المجرم النموذج الاجتماعي للسلوك القويم الذي يوجهه إلى ممارسة سلوكات قيمة وسليمة . فيقدم على ارتكاب جريمته دون أن يعرف أين يصنفها .
ثانيا أن فقر الأسر ة وضعف إمكانيتها المادية يدفع بالمجرم في بعض الأحيان إلى ارتكاب جريمته من أجل الحصول على المال.
ثالثا انتشار الفقر والبطالة ، فالفقر يعد من الأسباب الرئيسة المؤدية إلى انحلا ل سلوك الشخص فالحاجة والعوز تؤديان بالشخص إلى استصغار سلوكات منحرفة كان يرفضها في السابق ويعطي شرعية لهذه السلوكات لأنه تشكل له مصدر تلبية حاجياته لهذا فهو يقدم على القتل المجاني بدون أن يشعر بالخوف أو عقدة ذنب .
يمكن معالجة هذه الظاهرة بالعمل بشكل جدي على مكافحة الجريمة وذلك بما يلي :
أولا – رفع نسبة الموارد البشرية من رجال الأمن حتى يتم السيطرة على عدد المجرمين.
ثانيا – رفع عدد أجهزة مكافحة الجريمة وتنويع تخصصاتها و تأسيسها على أساس الخبرة العلمية وذلك بإدماج علماء النفس وعلماء الاجتماع وعلماء الإجرام المغاربة في هذه الأجهزة.
ثالثا- فعلى وزارة الداخلية أن تعتمد على مقاربة أمنية وقائية لمكافحة ارتفاع نسبة الجريمة وذلك بأن تضع في كل حي سكني ” أخصائي نفسي و اجتماعي” يراقب عن كثب حالات بداية الانحراف، فتتم معالجتها في البداية قبل الوقوع في الإدمان على الجريمة
رابعا لا يمكن الاعتقاد في أنتطبيق أقصى العقوبات سيحد من ارتفاع نسبة الجريمة. بحيث لم يسبق في تاريخ الإنسانية أن كان العقاب أداة للحد من ارتفاع نسبةالجريمة ، فالمجرم يعرف مسبقا النتيجة التي سيؤول إليها في حالة اكتشافه واعتقالهمن طرف الأمن ، وهي معاقبته وسجنه. من هذا المنطلق أرى أن الدولة عليها أن تنحوامنحى آخر إلى جانب العقوبة وهو التوجه للإصلاح والعلاج.
عن موقع : فاس نيوز ميديا