محمد إنفي
نظم المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، باقتراح من المجاهد عبد الرحمن اليوسفي، وبرئاسة الكاتب الأول للحزب، الأستاذ إدريس لشكر، مهرجانا وطنيا تحت شعار:”المغرب والجزائر، قاطرة مستقبل البناء المغاربي”، وذلك يوم الجمعة 7 دجنبر 2018 بمسرح محمد السادس بمدينة وجدة؛ ذاك المهرجان الذي صنع به الاتحاد اشتراكي الحدث بكل معنى الكلمة.
ولذلك، لا أريد أن أُفوِّت فرصة التفاعل مع هذا الحدث، خاصة وأن منصة المهرجان تغري بذلك. لقد أوحت لي هذه المنصة، بمجرد ما أخذت كل شخصية مكانها (كان من المنتظر أن يحضر السيذ الطيب البكوش، الأمين العام لاتحاد المغرب العربي، لكنه تخلف لأسباب طارئة)، بفكرة تقديم قراءة زمكانية لها؛ أي قراءة تدمج الزمان والمكان بمفهومهما العام، وبدون وضع حدود لا للفضاء ولا للزمان؛ ذلك أن اللوحة التي ارتسمت أمامي، تشابكت فيها عدة عناصر، تجمع بين الماضي والحاضر، وبين التاريخ والواقع، وبين ما هو سياسي وما هو إنساني…لدرجة يصعب معها الفصل بين الزمان والمكان.
فجلوس الكاتب الأول، الأستاذ إدريس لشكر، بين المجاهد عبد الرحمن اليوسفي، الكاتب الأول الأسبق للاتحاد الاشتراكي (على اليمين)، والأستاذ عبد الواحد الراضي، الكاتب الأول السابق (على اليسار)، أنعش ذاكرتي وحفَّز مخيلتي، فجعلني أستحضر شريط المؤتمرات الاتحادية منذ المؤتمر الاستثنائي(دجنبر 1975) إلى المؤتمر الوطني العاشر(ماي 2017) وما انبثق عنها من قيادات ذات الشرعية التاريخية وقيادات ذات الشرعية الديمقراطية.
فإذا كان المؤتمر الاستثنائي قد كرس شرعية الفقيد عبد الرحيم بوعبيد التاريخية والتي جعلت منه قائدا فذا، لم يجرؤ أي إطار اتحادي، مهما علا شأنه، على منافسته في تولي مهمة الكاتب الأول للحزب، فإن الشرعية الديمقراطية قد مكنت ابن الشبيبة الاتحادية، الأستاذ إدريس لشكر، من قيادة حزب الشهداء والمقاومين والمناضلين الأفذاذ، منذ المؤتمر الوطني التاسع إلى اليوم.
وبحكم الشرعية التاريخية، فقد بقي المرحوم عبد الرحيم بوعبيد كاتبا أول للحزب من المؤتمر الاستثنائي إلى المؤتمر الوطني الخامس. وبعد وفاته، فإن نفس الشرعية هي التي حسمت أمر خلافته، والتي عادت للمجاهد عبد الرحمن اليوسفي.
ولما أعلن هذا الأخير استقالته من الكتابة الأولى للحزب واعتزال السياسة – بسبب الخروج عن المنهجية الديمقراطية في سنة 2002، من جهة؛ وبسبب ما حدث في الانتخابات الجماعية لسنة 2003، من جهة أخرى؛ دون أن ننسى معاناته مع بعض أعضاء المكتب السياسي الذين كانوا يجتهدون في عرقلة مهمته ككاتب أول – تولى بعده الكتابة الأولى للاتحاد الأستاذ محمد اليازغي، في المؤتمر الوطني السابع للحزب.
لم يكمل اليازغي ولايته. فقد اضطر إلى الاستقالة؛ وهي، في واقع الأمر، إقالة، قررها جل، حتى لا أقول كل، أعضاء المكتب السياسي، بعد الإعلان عن تشكيلة حكومة عباس الفاسي، المنبثقة عن الانتخابات التشريعية لسنة 2007. وقد كانت هذه “الاستقالة” إيذانا بنهاية الشرعية التاريخية، التي مهد لها تبني الاتحاد الاشتراكي للاقتراع السري في مؤتمره الوطني السادس.
وفي المؤتمر الوطني الثامن، تنافس على الكتابة الأولى خمسة مرشحين من الأطر الاتحادية المشهود لها بالكفاءة والدينامية والتجربة السياسية والتنظيمية والمستوى الثقافي الرفيع. وبسبب التنافس الحاد والتنظيم غير المحكم، انعقد المؤتمر في شوطين. فبعد تعذر مواصلة أشغال المؤتمر بسبب أجواء التوتر التي خلقها بعض المؤتمرين، تم الإعلان عن تأجيله إلى وقت لاحق. وقد فاز بالكتابة الأولى، في الشوط الثاني من المؤتمر، الأستاذ عبد الواحد الراضي الذي اجتمعت فيه الشرعيتان، الديمقراطية والتاريخية.
وستعرف الشرعية الديمقراطية قفزة نوعية في المؤتمر الوطني التاسع للحزب (سنة 2012)، سواء من حيث التحضير الأدبي والمادي للمؤتمر أو من حيث “الإبداع التنظيمي” الذي عرفه هذا التحضير؛ إذ لأول مرة في تاريخ المؤتمرات الحزبية، يشرك الاتحاد الاشتراكي المواطنين، عن طريق برنامج تلفزيوني شهير بالقناة الثانية(“مباشرة معكم”)، في النقاش وفي التحضير الأدبي لمؤتمره، بحيث قدم المتنافسون الأربعة على الكتابة الأولى للاتحاد الاشتراكي رؤاهم وبرامجهم السياسية والتنظيمية أمام الرأي العام المغربي، قبل تقديمها أمام المؤتمرات والمؤتمرين.
وقد ساهم نمط الاقتراع في تعزيز الشرعية الديمقراطية وتكريسها، بحيث يتم انتخاب الكاتب الأول في دورين؛ ولا يسمح بالمرور إلى الدور الثاني إلا للمرشحين الحاصلين على الرتبة الأولى والثانية.
وتجدر الإشارة إلى أن من مواصفات الشرعية الديمقراطية التداول؛ ولذلك يتم التنصيص في الأنظمة الأساسية والداخلية على عدد الولايات بالنسبة للمسؤول الأول في الحزب؛ الشيء الذي لا تسمح به الشرعية التاريخية.
بعد هذا الاستحضار السريع لشريط المؤتمرات الوطنية، الذي أوحت لي به منصة مهرجان وجدة، والذي يمكن اعتباره مقدمة للقراءة التي سأحاول تقديمها لهذه المنصة من خلال الحاضرين فيها، أجد نفسي في حيرة من أمري بسبب ترددي حول نقطة الانطلاق.
في النهاية، قلت مع نفسي المهم هو أن أبدأ هذه القراءة التي تستحثني عليها المنصة من خلال الموجودين فوقها. وقد أدركت أنه سواء بدـأت القراءة (أو الاستعراض) من مقدم المهرجان، الذي يمثل الجيل الجديد في الاتحاد الاشتراكي (الأخ المهدي المزواري، عضو المكتب السياسي) مرورا بالكاتب الأول الحالي للحزب (الأخ إدريس لشكر)، ثم الكاتب الأول السابق (الأخ عبد الواحد الراضي)، وصولا إلى الكاتب الأول الأسبق، صاحب المبادرة (الأخ عبد الرحمن اليوسفي، بمعية رفيقة حياته السيدة الفاضلة “هيلين”) وكاتم أسراره، المناضل الحقوقي والقيادي الاتحادي المعروف بعباس (الأخ امبارك بودرقة)، أو بدأت بالكاتب الأول الأسبق وصولا إلى مقدم المهرجان، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن، في كلتا الحالتين، وهذا هو المهم، هو تجسيد المنصة للاستمرارية من خلال الحاضرين فيها والذين يمثلون ثلاثة أو أربعة أجيال .
وهذا، بالضبط، ما كان يتردد من حين لآخر في الشعارات التي دوَّت في جنبات مسرح محمد السادس بوجدة، سواء عند دخول القادة الاتحاديين إلى منصة المهرجان، أو بين فقرات هذا المهرجان. فـ”رسالة جيل لجيل” هو تعبير عن واقع متجسد في المنصة؛ والحناجر تعبر عنه في الشعارات التي ترددها بحماس منقطع النظير.
لقد أضفى المجاهد عبد الرحمن اليوسفي، بحضوره رغم حالته الصحية ونصيحة الأطباء له بعدم السفر، أضفى على المهرجان الاتحادي المغاربي، نكهة خاصة وأهمية بالغة ورمزية كبيرة، ناهيك عن الرسائل العديدة التي بعثتها ( بطريقة غير مباشرة) منصة اللقاء لعدة جهات، من خلال هذا الحضور.
لنبدأ بالشامتين في الاتحاد الاشتراكي والناقمين عليه، سواء من أبنائه العاقين أو من الجهات التي يشكل لها الاتحاد غصة في حلوقها. فكل المراثي وخطابات التأبين التي دبجوها، بمناسبة أو بدونها، في حق هذا الحزب، بشماتة طافحة وسعادة فائقة، يفسدها عليهم مثل هذا اللقاء الناجح بكل المقاييس، سواء من حيث الحضور الجماهيري المتميز أو من حيث الأبعاد السياسية للحدث، خصوصا وقد حظي بحضور رموز الكفاح الوطني والنضال الديمقراطي، في أبعاده الوطنية والمغاربية؛ بل وحتى الأفريقية.
والاتحاد الاشتراكي لم يجهز حافلات لجلب الجماهير إلى وجدة من مختلف الأقاليم لاستعراض العضلات. فقد كان اللقاء الوطني الاتحادي نظيفا وسليما من تهمة التجييش. لكنه كان جماهيريا، معنى الكلمة، من حيث الحضور التلقائي الكثيف للمناضلات والمناضلين (مسؤولين وغير مسؤولين) من الأقاليم القريبة والبعيدة، اعتمادا على إمكانياتهم الذاتية.
وإلى جانب حضور قيادات من الأحزاب الوطنية والنقابات والمجتمع المدني ورجال الصحافة والمثقفين ، كان للمواطنين، من وجدة المناضلة ومن غيرها، حضور نوعي لافت، لدعم المبادرة ومساندة الاتحاد في مسعاه لحلحلة الأوضاع بين المغرب والجزائر.
الرسالة الثانية (وهي غير مباشرة، طبعا) التي أقرأها في المنصة- وهذه القراءة ستغضب، لا محالة، كل الحاقدين على الكاتب الأول من بعض الاتحاديات والاتحاديين الذين لا يألون جهدا في الإساءة إلى صورته بين المناضلات والمناضلين، وربما حتى بين المواطنات والمواطنين، ويتلذذون بترويج كل الإشاعات التي يطلقها عليه خصوم الاتحاد، سواء في المواقع الاجتماعية أو في المجالس الخاصة أو غير ذلك- تتعلق هذه الرسالة الثانية بتكذيب كل ما تم ترويجه حول سوء العلاقة بين عبد الرحمن اليوسفي وإدريس لشكر(وتغني القبلة التي وضعها إدريس لشكر على رأس عبد الرحمن اليوسفي، بعد أن انتهى من قراءة نداء وجدة للوحدة والأخوة، تغني هذه القبلة عن كثرة الكلام وعن كل تعليق).
أتذكر، على سبيل المثال، الهجوم العنيف الذي تعرض له هذا الأخير عقب نشر موقف عبد الرحمن اليوسفي، خلال المشاورات التي كانت جارية لتشكيل الحكومة بعد الانتخابات التشريعية لسابع أكتوبر 2016، المدعِّم لمشاركة الاتحاد في الحكومة المنتظرة.
الرسالة الثالثة، وهي تتكامل مع الثانية، هو تكذيب قائد حكومة التناوب التوافقي لكل الذين رأوا في اعتزال عبد الرحمن اليوسفي، تنظيميا، للعمل السياسي، قطيعة مع الاتحاد الاشتراكي وقياداته، فهللوا لهذه القطيعة وروجوا لها بشراهة ونهم. لا أدري كيف هو شعورهم، الآن، بعد هذه الصفعة القوية التي وجهها لهم من خلال اقتراحه على القيادة الاتحادية الحالية القيام بتنظيم مهرجان وجدة، الذي نحن بصدده. على كل حال، سوف لن يكونوا أفضل حال من تلك الفئة من الاتحاديين الذين حملوا معاول الهدم ضد حزبهم بسبب حقدهم على كاتبه الأول الذي انتخب ديمقراطيا في المؤتمر الوطني التاسع والمؤتمر الوطني العاشر.
لا شك أن لوجود اليوسفي في منصة المهرجان أكثر من معنى وأكثر من درس. ومن بين هذه المعاني وهذه الدروس، أن اليوسفي ليس من الذين ينقادون وراء عواطفهم، فتجعلهم يدكون، ببلادة، تاريخهم النضالي الشخصي الحافل؛ وذلك بسبب ما يحملونه في قلبهم من غل وحقد وضغينة تجاه خصومهم؛ الشيء الذي يدفعهم إلى الانتقام، حتى وإن اقتضى الأمر، للوصول إلى هذا الهدف، هدم كل البناء الذي ساهموا فيه بقسط وافر، عملا بمقولة “علي وعلى أعدائي”. والاتحاديون والاتحاديات لا يعدمون أمثلة عن هذا النوع من “القياديين” و”المناضلين” الأنانيين.
لكن اليوسفي ليس من هذه الطينة. فالمعروف عنه أنه ليس حقودا وليس من الذين تحركهم الرغبة في الانتقام. وكل الذين يعرفونه، يقولون عنه بأنه كتوم؛ بمعنى أنه لا يشتكي حتى من الذين أساؤوا إليه من ذوي القربى السياسية والتنظيمية.
لقد أعطى السي عبد الرحمن، بهذه المبادرة التي نحن بصددها، المثال الأسمى للأخلاق الاتحادية الأصيلة والرفيعة التي تتسامى عن الحسابات الشخصية الضيقة أمام المصلحة الحزبية العامة، كما تتسامى عن الحسابات الحزبية الضيقة أمام المصلحة العليا للوطن. لقد أثبت بمبادرته وبحضوره الشخصي مدى إيمانه بحزبه ومؤسساته بغض النظر عن الأشخاص ورأيه الشخصي فيهم. وليس هذا بغريب على اليوسفي كقائد من القادة التاريخيين الكبار للاتحاد وكرجل دولة يقام له ويقعد. إنه يشكل مدرسة في النضال وفي الالتزام وفي الأخلاق وفي الوفاء…
ولمبادرة اليوسفي أهداف كبرى سامية، وطنية وإقليمية (أي مغاربية)؛ واحتضانها من طرف مدينة وجدة، له رمزية تاريخية وسياسية (واجتماعية، أيضا) كبيرة؛ وهي ولا شك من اختيار اليوسفي، نظرا لرمزيتها التاريخية والنضالية بالنسبة للشعبين المغربي والجزائري، باعتبارها “قلعة النضال الوطني المشترك لحركات التحرير في المغرب والجزائر”.
أما تفعيل المبادرة من طرف قيادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ففيه اعتراف صريح من طرف صاحب المبادرة بكفاءة وقدرة أطر حزبه ونخبه (رغم علمه بما تعرض ويتعرض له هذا الحزب من الضربات الموجعة من داخله ومن خارجه) على إنجاز المطلوب على أحسن وجه. وقد تأكد هذا بالنجاح الذي عرفه المهرجان، تحضيرا وتنظيما وحضورا نوعيا.
كما أن في هذا التكليف بتفعيل المبادرة، إشارة واضحة، إلى جانب كل ما قيل أعلاه حول المنصة، بأن ليس هناك تنظيم سياسي، غير الاتحاد الاشتراكي، مؤهل لمبادرة من هذا النوع؛ ذلك أن مهرجان وجدة، فيه رسالة مباشرة للشعب الجزائري وتنظيماته السياسية والنقابية والجمعوية والثقافية. وكان لا بد أن توجه هذه الرسالة من طرف حزب كانت له علاقات وطيدة مع القيادات السياسية التاريخية بالجزائر، سواء خلال مرحلة الكفاح الوطني المشترك أو بعد الاستقلال، بالإضافة إلى المصداقية التي يتمتع بها خارجيا، بما ذلك لدى الدولة الجارة، حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وقياداته التاريخية والوطنية.
وقد كان التاريخ المشترك، بل والعيش المشترك، بين الشعبين المغربي والجزائري، حاضرا بقوة في كلمات كل من الكاتب الأول للحزب وعبد الواحد الراضي وامبارك بودرقة. وأبى المجاهد عبد الرحمن اليوسفي، في ختام اللقاء، إلا أن يتلو بنفسهٍ، رغم حالته الصحية ورغم عدم إحضاره لنظاراته الطبية، نداء الأخوة والوحدة الذي وجهه من منصة المهرجان، معتبرا خطاب عاهل البلاد بمناسبة الذكرى 43 للمسيرة الخضراء، مدخلا للعمل الجماعي بين المغاربة والجزائريين من أجل البحث المشترك عن الحلول الناجعة للمشاكل العالقة بين البلدين و”التي نحن جميعا ملزمون بإبداعها، يقول اليوسفي، من موقع الأخوة والتاريخ المشترك، بذات الروح التي ميزت التزام بلادنا وجيل الوطنية والفداء، سواء في دولنا أو مجتمعاتنا”، حتى نحقق الانتصار على المعيقات التي تعطل حق شعبي البلدين “في النماء والتكامل والتعاون والأمن المشترك”.
وتعتبر هذه المبادرة غير المسبوقة تثمينا للدعوة الملكية الموجهة إلى الدولة الجزائرية من أجل إحداث آلية مشتركة للحوار بين البلدين دون وساطة ودون شروط مسبقة قصد البحث سويا عن الحلول الناجعة للمشاكل الثنائية بين البلدين. كما تعتبر هذه المبادرة، أيضا، في تكامل وتفاعل مع المبادرة الملكية، تنزيلا شعبيا لما ورد في الخطاب الملكي حول هذا الموضوع وكذا إسهاما في التفكير والاقتراح في ما يرجع إلى طبيعة آلية الحوار المأمولة ومكوناتها الشعبية (أحزاب، نقابات، مجتمع مدني، مثقفون…).
لكني، لن أخفي تشاؤمي من مآل هذه الصيحة، الرسمية والشعبية – التي، لا شك أنها قد دوَّت، بشكل من الأشكال، في أركان المجتمع الجزائري وسرت في ثناياه وانساب أثرها إلى القلوب المتعطشة لوحدة الشعوب المغاربية، التي لن تقوم لها قائمة بدون انتصار المغاربة والجزائريين على مشاكلهما الثنائية- لن أخفي، إذن، تشاؤمي، نظرا للعقلية التي يتعامل بها حكام الجزائر مع دولة المغرب وشعب المغرب.
يكفي أن تعرف أن على رأس الدبلوماسية الجزائرية شخصا يدعى “عبد القادر مساهل” لكي ينتابك شعور يختلط فيه التشاؤم والإحباط والاستغراب والتساؤل والامتعاض والحزن والأسف والألم والقرف والقلق وغير ذلك من الأحاسيس المنبعثة من الغيرة على وطن المليون شهيد، الذي ابتلي بمسؤولين لا يقيمون وزنا لا للتاريخ المشترك، ولا للمستقبل المشترك، ولا للمصلحة المشتركة بين الشعبين؛ ولا يعبئون لا بالبناء المغاربي ولا بالمستقبل الأفريقي.
ويقدم “مساهل” صورة غير مشرفة للمسؤول الأول عن الدبلوماسية الجزائرية. لقد سبق لي أن وصفته بـ”العته” و”الغباء” في مقال صغير بعنوان “نموذج من العته السياسي والغباء الدبلوماسي” (“وجدة سيتي” يوم 26 أكتوبر 2017)، بعد أن فاه بكلام خطير في حق المغرب، ردا على سؤال حول الحدود المغلقة بين الجزائر والمغرب؛ وكان ذلك، خلال إحدى جلسات “الجامعة الصيفية لمنتدى المؤسسات الجزائرية “.
وفي ظهوره الأخير، خلال مشاركته في أشغال المائدة المستديرة التي جمعت، في جنيف تحت إشراف الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، أطراف النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، لم يشعر هذا الدبلوماسي بأي خجل، وهو يصرح لأحد القنوات الإليكترونية، عند خروجه من الاجتماع، بأنه حاضر لـ”يضحك قليلا”. وتكفي هذه العبارة للحكم عليه بأنه ليس بينه وبين “بروفيل” أو مفهوم “رجل الدولة” إلا الخير والإحسان، كما تقول العبارة الشعبية.
وليس “مساهل” إلا نموذجا (صارخا) لمستوى تفكير القائمين على شؤون الشعب الجزائري والناهبين لثرواته الطبيعية. ولذلك، فلا غرابة أن يكون، إلى حدود الساعة، كل ما قامت به الدولة الجزائرية، جوابا على المبادرة الملكية، هو محاولة الالتفاف عليها والتهرب من الرد الرسمي المباشر؛ وذلك بالدعوة إلى تنظيم قمة مغاربية، يعرف الجميع، والداعين إليها أولهم، أن لا طائل من ورائها في السياق الحالي.
ويبقى الأمل في أن تجد الدعوة الملكية والدعوة الاتحادية صدى في مؤسسات المجتمع الجزائري، بما فيه من هيئات سياسية ومنظمات نقابية ومجتمع مدني ومثقفين وإعلاميين نزهاء، وغيرها من فئات الشعب الجزائري، الحالم بالعيش المشترك، والتواق إلى غد أفضل. ومن شأن ذلك أن يدفع بالدولة إلى الاستجابة لانتظارات المواطنين من خلال تشجيع المبادرات الإيجابية الهادفة إلى تحقيق البناء المغاربي المأمول؛ وذلك بالتعاون بين الشعبين الجارين، الجزائري والمغربي.
عن موقع : فاس نيوز ميديا