أصبح جزء من المجتمع المغربي يتلذذ بتتبع ورؤية الفضائح هنا وهنالك حتى فوق جغرافية بعد ضفة البحر، أصبح الشوق بسماع أخبار الفضائح حد التنقيب في كل مواقع إعلام الفضائح والتنكيت. لن أوافق على مقولة أن مسألة الأخلاق السلوكية الفردية لا دخل للمجتمع في رعايتها والحفاظ على مكانتها الكلية ، لن أقلص من منسوب منظومة القيم والأخلاق السلوكية السليمة بمغرب اليوم، لن أوجه لها نقدا باعتبارها صيغة من صيغ التضييق على الحريات الفردية. ولكن اليوم أشير إلى مجموعة من الأعطاب السلوكية والأخلاقية تجاه الذات والآخر ولما حتى المجتمع بصفة عامة. هي تلك الأعطاب التي تلعب على تصيد الفضائح والبحث عنها، ولما حتى فبركتها مرات عديدة.
حين هممت بالكتابة عن ناصبي فخاخ تصيد الفضيحة، لم أقدر حتى البحث عن تبرير لسلوكهم واستهوائهم للفضيحة، لم ألتمس تسويغا بينا لمتصيدي الفضائح بالتحرر من المسؤولية الأخلاقية والقانونية. ولكني وجدت أن هناك هوسا متزايد في تتبع الفضائح والاطلاع عليها بالتفصيل الممل، ولما حتى الزيادة فيها بعضا من المستملحات الإغوائية لسماعها وتتبعها بشغف النهاية. هنا، هل ممكن أن نقول بأننا أصبحنا مجتمعا يتنفس في أكسجين الفضائح؟، هل أصبح المجتمع يفقد هامش الحرية الفردية؟، هل الثورة المعلوماتية نقمة لنا مجتمع المغرب في ظل استغلالها لنقل الفضائح بدل هندسة تنشئة رؤية الخير الاجتماعية؟، هل لازلنا دون الوعي الكلي بحقول حقوق الإنسان و بالخصوصيات الفردية، ولما حتى الجماعية؟.
هي التحولات الاجتماعية غير السليم في تصيد الفضيحة والتشهير بها، والتسويق لها بشكل مفضوح، هي التحولات الاجتماعية السليمة في امتلاك جرأة الحديث عن المسكوت عنه قديما في صبيب أثر سلوكات المجتمع غير السوية. لنقر علنا أن تلك التحولات حقيقة لم يواكبها تنميط أخلاقي سلوكي (أسري / مدرسي/ ثقافي…) في صناعة منظومة قيم جديدة تتلاءم و المصاحبة المحصنة لكل المستجدات سواء منها السلبية أو الايجابية. فحين يفتح ورش الحديث عن متصيدي الفضائح والتسويق الدراماتيكي لها ، يرتقي الفقيه المنبر ويبحث في أثر السلف عن دعائم (الستر) يبحث عن معالجة لحظية فقط وإصدار فتوى ضيقة بالمعالجة المعيارية، يبحث عن صناعة مهادنة شعبية مع الفضيحة وتركها لحديث نميمة المسكوت عنه بقوة العرف الاجتماعي. يصيح الحقوقي كلاما نصيا، ويفتح مستنده القانوني برزمة نصوص قانونية قديمة وحديثة وجافة المعالم ويبرر أن الدولة (دارت خدمتها).
حين يصدر التعنيف اللفظي و المادي من جنس المواطن المقهور(المحكور) بدل سلطة دولة الحق والقانون، نصنع علامة استفهام كبيرة، ونعلنها أنها بداية الثورة على مقولة (المواطن الصالح) نحو النبش في فضائح المال والأعمال والاقتصاد والسياسة، والمظاهر الاجتماعية المشينة، نحو بناء إعلام قناة المجتمع الخاصة بتصيد الفضائح بالتشهير العلني والتسويق الاليكتروني غير القانوني. نحو كشف المستور وإعادة التفكير في كتابة التاريخ المنسي بالفضائح و الدسائس بمغرب ما بعد الاستقلال.
لا بد إذا من وقفة فاصلة حقوقية/ قانونية وأخلاقية عملية ، لا بد من إلزام مؤسسات سلطة الدولة بأداء مهامها بكل احترافية و تطبيق لضوابط القانون، لا بد من معالجة اجتماعية لمنظومة القيم نحو سمو السلوكات النوعية المحصنة لبنية المجتمع السليم، لا بد من بناء مراقي جديدة لمنظومة القيم بالتحريك نحو مواكبة المستجدات الاجتماعية. لا بد من معالجة بمقاربة شمولية وعلى جميع كل الأصعدة (الشغل، التعليم، الصحة، السكن، الثقافة، المواطنة…) والانكباب على القضايا الكبرى بدل صناعة الالهاءات القاتلة.
ذ/ محسن الأكرمين .
عن موقع : فاس نيوز ميديا