محمد إنفي
صباح الخير السيدة أمينة؛
صدقيني إن قلت لك بأنني لست متعودا على بعث رسائل إعجاب؛ لكني اليوم، استثناء، سأفعل ! وأتمنى أن أوفق في ذلك.
بداية، أهنئك على الصورة الجميلة التي أخذت لك في ساحة Vendôme الشهيرة ، وأنت مرتدية لتنورة “جاتْ مْعاكْ” بكل معنى الكلمة. وأعترف لك أن تلك التنورة استهوتني وأثارت إعجابي.
لكن الإعجاب لم يقف عند هذا الحد. فقد تناسلت حول الصورة أفكار وتداعت ذكريات… فصورتك بالتنورة فكرتني في رشيدة داتي، من بين النساء العموميات التي فكرتني فيهن، وزيرة العدل السابقة في عهد الرئيس الفرنسي اليميني نيكولا ساركوزي؛ وهي من أصول مغاربية (أب مغربي وأم جزائرية).
كما فكرتني الساحة في أول زيارة لي لباريز في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، وحركت بداخلي بعض المشاعر وأحيت بعض الذكريات المرتبطة بهذه الزيارة؛ ثم تداعت، بتأثير من الصورة، ذكريات زياراتي المتعاقبة لعاصمة الأنوار، حضرت فيها الساحات والمواقع والأبراج والمؤسسات والشوارع والحدائق المشهورة.
وبعد الصحو من تأثير الصورة والتوقف عن السباحة في عالم الذكريات، تساءلت: أين هي أمينة الحقيقية؟ هل هذه التي في الصورة أم تلك التي نراها في التليفزيون وفي الجرائد؟ أتحدث، الآن، فقط عن الصورة. أما الخطاب، فتلك حكاية أخرى.
وبما أن هذه الصورة قد أثرت في وجداني بالشكل الذي أشرت إليه أعلاه، فإني اخترت أن أقوم بقراءتها اعتمادا على بعض المؤشرات التي تبوح بها صورة وساحة “فاندوم” (لن أتحدث عن الصورة “الشبابية” أمام “الطاحونة الحمراء”).
لمن لا يعرف أمينة ماء العينين، سوف لن تثير لديه الصورة أي إشكال أو أي تساؤل. فهو يرى صورة امرأة عصرية، أو لنقل حداثية، وكفى. لكن من يعرف من هي أمينة، سوف لن يكتفي بهذا الانطباع. وفيما يخصني، وحسب قراءتي الشخصية، فإني أرى أنك محبة للحرية، ليس فقط في الهندام؛ بل وأيضا فيما يتعلق بالحريات الشخصية؛ أو لنقل بأنك محبة للحياة، كباقي خلق الله العاديين.
وتبعا لذلك، فإن لباسك بالمغرب يطرح إشكالا كبيرا، ويثير عدة تساؤلات، من قبيل: هل هو اختيار شخصي أم مفروض من الهيئة الحزبية والحركة الدعوية التي تنتمين إليهما؟
وجوابا على هذا السؤال أقول بأن الاختيار الشخصي غير وارد. فصور باريز تفنده. ويبقى، إذن، الاختيار الثاني. وهذا يتنافى مع الحرية ومع الخصوصية، ما عدا إن اعتبرناه لباسا وظيفيا. ففي هذه الحالة، فأنت يا أميتة، ترتدين اللباس الدخيل على ثقافتنا وعلى زينا المغربي الأصيل، كأي عامل أو موظف يرتدي اللباس الرسمي للمؤسسة التي ينتمي.
ومن هنا، أفهم أن حزب العدالة والتنمية(وذراعه الدعوي) له لباس وظيفي خاص بالنساء المنتميات إليه؛ وبالأخص تلك اللائي تترددن على الأماكن العمومية والرسمية. وهذا اللباس الوظيفي، هو الحجاب الذي له وظيفة سياسية وإيديولوجية؛ بينما يُسوَّق، زورا وبهتانا، كعلامة مميزة للدين الإسلامي الحنيف.
سوف أقفز عن كل ما يقال (وأنا أشاطره تماما)عن النفاق السياسي وازدواجية الخطاب واستغلال الدين الإسلامي لأهداف سياسية ومنفعية من قبل الحزب الذي أنت قيادية فيه، لأسألك سؤالا شخصيا: هل تجدين نفسك في اللباس الوظيفي أم في اللباس العادي؟
فلتعلمي، السيدة أمينة، أن اللباس العصري كان يعتبر عاديا ولا يطرح أي إشكال في مجتمعنا قبل أن يغزونا التيار الوهابي. أفلا تشعرين بثقل القيود والأغلال التي تمنعك من ممارسة حريتك الفردية مع هذا اللباس الدخيل؟ ألا تحبين أن تتحرري من القيود الخارجية؟…
لن أنتظر جوابا عن هذه الأسئلة؛ لكن، في رأيي المتواضع، أن أمينة ما قبل صور باريز قد انتهت. فمهما حاولت أن تقللي من آثار هذه الصور، ومهما اجتهدت في الظهور بمظهرك العادي، وكأن شيئا لم يكن، فلا شك أن بداخلك أمينة أخرى قد ولدت مع صور باريز.
أضف إلى ذلك أن الرأي العام المتتبع، سواء كان محايدا أو متحيزا، لن ينظر إليك أبدا باحترام، ما دمت قد كشفت له عن وجه آخر كان مجهولا بالنسبة إليه، يناقض تماما الوجه المعتاد. لذلك، فأنا شخصيا مقدر لوضعيتك النفسية وأرثي لحالك.
وتأكدي، السيدة أمينة، أنني لست لا شامتا ولا متشفيا؛ فشخصيا، لست من الذين هم دائما متأهبون لإخراج سكاكينهم بعد سقوط البقرة، ولا من الذين يركبون موجة التشهير، إما لتصفية الحسابات أو إرضاء لنزوات ذاتية. فبعيدا عن كل هذا، أرى أن من الصعب، في حالتك، الدفاع عن اللباس كاختيار شخصي أو كحرية شخصية. فبعد انتشار صور باريز، ولا ندري ما ستأتي به الأيام (وقد يكون ما خفي أعظم)، أصبح من الحكمة خلع القناع ونبذ النمطية المصطنعة. سوف تخسرين أشياء، بكل تأكيد، لكنك ستربحين نفسك.
عن موقع : فاس نيوز ميديا