لن تكون أفكاري الواردة في باحة التفكير اليوم بالقطعية، بل ستأتي نسبية عبر البحث عن مكامن خلخلة بنية خطبة الجمعة وتحريكها نحو أفق أرحب بالتطوير الإيجابي. من المؤكد السليم الأثر الوارد من السلف يحمل لنا بوضوح أركان خطبة الجمعة ومواصفات خطيب الجمعة، لن نختلف ولن ننقص من تلك البنيات الأساس التي تعتلي المنبر وتشد على العصا كرمز دلالي، وللفقيه فيها المآرب أخرى .
اليوم، في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والعالمية بالكلية الكونية، لما لا نفكر في تجديد هياكل خطب الجمعة و تطوير مواصفاتها الأساس؟، لما لا نفكر جماعة على أن تنال خطب الجمعة تحليل مشاكلنا في أحيائنا ومددنا وتطرحها للنقاش وإيجاد الحلول السليمة؟، لما لا نفكر أن تنال المعاملات الحديثة القسط الأوفر من خطب الجمعة بل توثيقها بالماضي المعياري؟.
نعم، ماذا لو صعد الطبيب، والمهندس، والصانع، وعالم الأرصاد، والمفكر الاجتماعي و الطبيب النفسي، ورجل الإنقاذ، ورجل الإعلام …. المنبر. لنكن أكثر عدلا وبدون تشدد ونقول بأن رجل الدين يحتكر منبر الجمعة بالتوجيه والحديث بلغة الوعظ وهول جهنم وتخويف جموع المصلين.
فإذا كان القصد من خطبة الجمعة يمثل حصيلة الأسبوع في الحي والقرية والمدينة، فلما تميل كل الخطب إلى الحديث عن أحداث تاريخية بالسرد والحكي دون استخراج إفادة و لا عبرة وربطها بالواقع المعيش الحديث، لما يتهرب خطباء الجمعة من الخوض في فقه المعاملات وتطوير لغة خطابهم مع التحولات الاجتماعية المتسارعة بقوة التغيير، لما كل خطب الجمعة تستهلك من وقتها الثلث في الدعاء الجماعي والمقدمة التي تتكرر كل جمعة بالنسخ وطريقة (كوبي كولي) من مسجد لآخر وكأننا نمرر مقررا دراسيا.
اليوم ، التحولات الاجتماعية والسكانية والاقتصادية والبيئية وحتى الكونية تتجدد ، فيما المشكلات المرتبطة بالفقه تزيد كما عن الفتاوي المنتجة لسد الفجوات المحدثة. فكم تكون السعادة أوفر لو وجدت مهندسا بعد كارثة طبيعية يحلل المسألة علميا ويوصي بالاحتياطات وتدبير المخاطر، كم تكون الفرحة أوسع لو اعتلى المنبر طبيب تخصص الأوبئة عند وجود حالة وباء ويين للناس والمصلين كيفية الوقاية من الداء و الوباء والحماية الطبية، كم تكون الإفادة أفيد لو صعد المنبر رجل أرصاد وتحدث عن أثر الجفاف وعن أسباب عزوف المطر عن النزول ثم يصلي بالناس صلاة الاستسقاء بكل إيمان و اقتناع، كم تكون المعلومة موثوقة إن أتت من مهندس معلوماتي حول أضرار الإدمان على المواقع الاجتماعية والأنترنيت ومآسي الجريمة الاليكترونية وسبل تحصين الأبناء والمجتمع منها ، كم يكون الفضل أسلم إن تحدث مفكر اجتماعي/ نفسي عن وضعيات المجتمع والسلوكيات غير المدنية، وعمل على توعية المجتمع من مساوئ التدخين والمخدرات والعادات السيئة، والحماية الجسدية والبيئية …
هو منبر الجمعة الذي يجب أن يعالج بكل حرية ما استجد من مشاكل بالمجتمع الداخلي ، هو منبر الجمعة الذي لا يجب أن يكون حكرا على فقهاء بمقاييس معينة ويتلو علينا من مؤلف كتاب (خطب الجمعة). سيقول قائل كل ما ذكرته موجود فهناك الفقيه المهندس، والفقيه المصلح الاجتماعي…لكن إجابتي بسيطة تكمن في تغيير ضمني لعمامة الفقيه والتي أطالبها بالتحرك نحو استهداف متحولات المجتمع.
ذ/ محسن الأكرمين.
عن موقع : فاس نيوز ميديا