محمد إنفي
بداية، لا بد من تقديم الاعتذار لأهل الاختصاص وأستسمحهم على هذا التطفل والتطاول على مجال اختصاصهم. فمجال تخصصي، هو التحليل الأدبي وليس التحليل النفسي.
لكن كلمة التحليل، في حد ذاتها، تسمح بمثل هذا الانزياح، لكونها تتقاسمها جل العلوم والمعارف والمناهج. ولكون تحليل النصوص كمادة دراسية لها مقارباتها المنهجية والمعرفية، مما يجعلها حاضرة في الدراسات التاريخية وفي الدراسات القانونية وفي التحليل الأدبي وغيره من المجالات، فإنه من الممكن أن نقوم بإسقاط منهجي ونقارب النفس البشرية كـ”نص” قابل للقراءة، سواء اعتبرناها “نصا” مفتوحا أو “نصا” مغلقا.
ومن هذا الباب، أسمح لنفسي بالخوض في بعض الحالات، حتى لا أقول بعض الظواهر، التي تعبر عن نفسها بشكل يجعلك تدرك أنها تعاني من عقد نفسية مستحكمة. ويكفي إعمال ملكة الملاحظة لإدراك طبيعة هذه العقد.
ويبدو أن العقد النفسية، شأنها شأن الإنسان، تتطور وتتعدد مع تطور المجتمعات والثقافات والطموحات الشخصية وكذا مع تطور العلاقات الاجتماعية والإنسانية في اتجاه التعقيد وطغيان الذاتية والفردانية؛ إذ لم تعد لائحة العقد التي حددها علم النفس كافية لوصف كل الحالات النفسية التي يصادفها المرء في المجتمع الصغير الذي يعيش فيه؛ بل وحتى في المجتمع الممتد.
من العقد الجديدة التي يستهويني الحديث عنها، هي عقد لها علاقة بعالم السياسة؛ وبالأخص المجال الحزبي، وأساسا تلك التي تخص الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
لقد استحكمت، في بعض النفوس، عقدة اسمها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. فهي تقض مضجع البعض وتؤرق جفونهم. ولمن أراد أن يطلع على نموذج من الصنف الذي يعاني من عقدة الاتحاد الاشتراكي، أحيله على مقال بعنوان “محمد الناجي والدرجة الصفر في التحليل: كبوة جواد أم تجلِّي لعقدة مستحكمة؟؟” (محمد إنفي، “الحوار المتمدن”، 18 أكتوبر 2016).
لكن المقال الحالي سأخصصه لعقدة جديدة، بكل معنى الجدة، سواء من حيث طبيعتها أو من حيث المصابين بها؛ وإن كانت من حيث شكلها وموضوعها، لا تختلف عن بعض العقد المعروفة في علم النفس وفي التحليل النفسي من قبيل عقدة قابيل وعقدة أوديب وغيرهما. وهذه العقدة الجديدة سوف أطلق عليها اسم عقدة ” لشكر”.
وفي انتظار أن تجد مكانها في القواميس المتخصصة ويتم الإعلان عن ميلادها رسميا، أكتفي بإعلان هذا الميلاد من الناحية العملية؛ أي على أرض الواقع. ويعود تاريخ ميلادها إلى ما بعد المؤتمر الوطني التاسع للاتحاد الاشتراكي، الذي اختتم بتتويج الأستاذ إدريس لشكر ككاتب أول للحزب بعد فوزه، في دورين انتخابيين، على كل من الإخوة فتح الله والعلو والحبيب المالكي والمرحوم أحمد الزايدي.
لست بحاجة إلى تقديم تعريف علمي لهذه العقدة. فقد يتولى الأمر أصحاب الاختصاص. لكني أؤكد أن المصابين بها يعبرون عنها بنفس المشاعر ونفس السلوك. فالتحامل والحقد والضغينة والكراهية والافتراء والتضليل وغير ذلك من المشاعر السلبية والسلوكات غير السوية، تميز المصابين بهذه العقدة عن غيرهم من الناس.
والمصابون بها أصناف. وسوف لن أتحدث عن الفئة التي تتكون من المنابر الإعلامية والأقلام التي نذرت نفسها للنيل من الاتحاد الاشتراكي وقياداته، لأقصر اهتمامي على الذين أصيبوا بعقدة لشكر عرضا، فاستحكمت فيهم وأصبحت مزمنة. ومن هؤلاء من عاشروا لشكر لسنين طويلة وقاسموه الحلوة والمرة، كما يقول العامة؛ ومنهم من لم تتجاوز معرفتهم به حدود لقاء تنظيمي أو أكثر في مرحلة من المراحل؛ ومنهم من فقد موقعا معينا أو ريعا حزبيا بوصول لشكر إلى قيادة الاتحاد الاشتراكي؛ ومنهم من لا يعرف لشكر إلا بالاسم…لكنهم يشتركون، عاطفيا، في الحقد والكره والبغض وغيرها من العواطف السلبية التي يعبرون عنها بمناسبة وبدونها. وأشرسهم، بالطبع، الذين فقدوا مواقعهم أو حرموا من ريع كانوا يتمتعون به من قبل.
لا أقصد بكلامي هذا من ينتقدون الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، سواء منهم من يؤاخذه على طريقة تدبيره لشؤون الحزب أو من يختلف معه من الناحية الفكرية والسياسية، ويعبر عن ذلك بوضوح وبأسلوب نقدي مقبول ليس فيه تجريح ولا تنابز بالألقاب ولا…ولا…؛ فهذا أمر عادي وطبيعي؛ بل المقصود بكلامي أولائك الذين يعبرون عن حقدهم وغلهم تجاه الرجل بالسب والشتم والقذف وغير ذلك من الأساليب والتعابير الدنيئة.
ولمن أراد أن يجرب هذا الصنف من الناس (إن لم يكن قد خبرهم ولاحظ مستواهم المنحط في التفاعل مع التدوينات التي لا تعجبهم)، عليه فقط أن ينشر، في “الفيسبوك” أو غيره من المواقع الاجتماعية، بعض الجمل أو العبارات الإيجابية في حق الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، وسيرى العجب العجاب، شكلا ومضمونا، في ما ستثيره تدوينته. ولن يسلم هو نفسه من نيران الحاقدين المصابين بعقدة “لشكر”.
فإذا كنت من الذين يحترمون المؤسسات، فماذا سيكون شعورك حين تقرأ، في الفيسبوك، لشخص لا تعرف هويته ولا موقعه، “لشكر سطا على الاتحاد الاشتراكي”(كذا)؟ وإذا كنت اتحاديا حقيقيا وتعرف كيف تمر المحطات التنظيمية، وبالأخص المؤتمرات الوطنية، فلن تتردد في وصف صاحبه بالجاهل بالثقافة التنظيمية والسياسية للاتحاد الاشتراكي. أما إن كنت من مؤتمري المؤتمر الوطني التاسع و/أو المؤتمر الوطني العاشر، فسوف يصدمك مثل هذا الكلام لأنه من جهة، ينفي الشرعية الديمقراطية على الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي؛ ومن جهة أخرى، فإنه فيه إهانة لكل مؤتمري ومؤتمرات المؤتمرين الوطنيين التاسع والعاشر؛ وبالتبعية، فيه إهانة في حق كل الاتحاديات والاتحاديين الذين ساهموا في انتخاب المؤتمرات والمؤتمرين.
أما إن قرأت ما يشبه هذا الكلام عند شخص أو أشخاص تعرفهم وتعرف سلوكاتهم وانتهازيتهم واستجدائهم المواقع بأي وسيلة وبأي ثمن، فإنك لا تملك سوى أن تصيح: “الله ينعل لي ما يحشم”.
أود، في ختام هذا المقال، أن أقدم نصيحة لكل الاتحاديات والاتحاديين الذين يعانون(أو في طريقهم إلى ذلك) من العقدة التي تحدثت عنها أعلاه؛ ومفاد هذه النصيحة، إن كان يهمهم بالفعل مصير الحزب، هو العمل على لم الصفوف، ليس في الفيسبوك، بل في مقرات الاتحاد، حول برنامج سياسي واضح، يحترم المؤسسات والمحطات التنظيمية التي أنتجت هذه المؤسسات، ويتطلع إلى المستقبل بروح ديمقراطية؛ برنامج يستحضر المحطات الإشعاعية الأخيرة (مهرجان وجدة ولقاء فاس) وما بعثته من رسائل وما قدمته من دروس، يتعين استخلاصها واستثمارها من أجل المستقبل؛ برنامج ليس فيه مكان للغل والحقد؛ ذلك أن السياسة لا تُصنع بالأحقاد والضغائن. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
وسوف تفرز هذه المنافسة، دون شك، الذين يرغبون في البناء بـ”خلفية فكرية واجتماعية وقناعة سياسية معينة” (عبد الرحمان اليوسفي) عن الذين لا يهمهم سوي إرضاء نزواتهم ورغباتهم الذاتية، فيتمسكون بالنقد المغرض والمتحامل والجارح والشخصي، الذي وضعه المجاهد عبد الرحمن اليوسفي في خانة “الأمراض” (انظر الصفحة الأخيرة لغلاف الجزء الأول من “أحاديث في ما جرى”).
عن موقع : فاس نيوز ميديا