احتفال المغاربة بعيد الحب
الدكتور عبد الجبار شكري
أستاذ باحث في علم الاجتماع وعلم النفس
باحث مشارك في مختبر الأبحاث والدراسات
بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة
- ما أود الإشارة إليه في هذا الإطار ، هو أن الحب ظاهرة إنسانية لها وجود فعلي على مستوى الوجدان ، بحيث يشكل حقيقة سيكولوجية ، كما يرى علماء النفس ، أنها ناتجة عن تفاعل عشقي- جنساني ، أي ناتجة ، عن عشق الحبيب لمجموعة من خصائص الموجودة في الحبيب فقط ، من خصائص جسدية – جنسية أو مزاجية أوسلو كية ، لا يجدها عند الآخرين ، بمعنى آخر لا يتولد الحب إلا عندما تكون عند الحبيب قيمة يضفيها على الحبيب .
أما مدرسة التحليل النفسي مع ” تيودور رايك ” ، يرى إن الغرام ، يولد بعدم الرضا عن الذات لاشعوريا ، و الذي يولد استعدادات انفعالية في اللاشعور ، تسبق مرحلة الحب العشقي كالقلق والفزع والاستياء. إن الحب في نظر رايك هو نتيجة الفرار من الذات ، يصل في بعض الأحيان إلى كره الذات ، ويتعب ويشقى من الاستمرار في البقاء مع ذاته ، أي الاستمرار في أن يكون هو وأن يبقى هو أناه الذي يشكله . لو كان المحب راض عن نفسه لما وقع في الحب ، وسبب عدم رضا الشخص - عن نفسه ، هورغبته في أن يكون ما كان يتمنى أن يكونه ، لكن الشخص يكون عاجزا عن الوصول إلى ما توقعه لنفسه ، لأن ما أنجزه لا يتطابق مع ما يتمناه أن يكون ومن تم يصاب بالإحباط ، ومن خلال مقارنته بشخص استطاع أن يحقق ما عجز عنه ، أو أنه يملك ما عجز أن يملكه هو ، تتولد قيمة إيجابية نحو هذا الشخص فيتحول إلى محبوب . إن الحالة الانفعالية التي تسبق الحب ، حالة حرجة ، يعاني فيها المحب من أزمة سيكولوجية داخلية لاواعية ، في هذه اللحظة بالذات تتولد عنده قيمة للأنا النموذج المثال الذي سيتصوره ، وفي إطار مرجعية عدم الرضا عن الذات في علاقته مع الأنا النموذج المثال الذي ظهر ، تتم عملية التقييم الذاتي التي يشعر فيها الشخص أنه أقل قيمة من الأنا النموذج المثال . إن الفارق في القيمة بين الأنا الفعلي الواقعي وبين الأنا النموذج المثال الاستيهاميle Moi idéal سيتحقق على مستوى الواقع من خلال إسقاط الأنا النموذج المثال على الحبيب بكونه يملك القيمة التي فقدها في أناه ، إما الوسامة أو الذكاء أو الشجاعة أو المعرفة أو أي شيء آخر . ومن تم يتوحد أنا الشخص المحب بأنا الشخص المحبوب الذي يتطابق مع الأنا المثال le Moi idéal.
- إن الأنا المثال المجسد في أنا المحبوب يجعل الشخص يشعر بالسعادة ، والاعتزاز بالنفس ، في كونه ، أصبح يملك ما لم يكن يملكه في السابق . ونتيجة خوفه من فقدان هذه الانفعالات الإيجابية يتعلق الشخص بمحبوبه ويحبه كضمان للاستمرار فيما هو عليه . لكن في لحظات التو ثر والخصام بين الشخص ومحبوبه ، يعي الشخص بفارق القيمة بينه وبين محبوبه ، فيعي أنه في الواقع لا يستطيع أن يعيش بدون هذه القيمة التي تضفي عليه من القيمة منفعية سيكولوجية مزدوجة في علاقته بذاته ، وفي علاقته بالآخر ، ومن تم تستمر وضعية الحب ومعاناة العشق والغرام التي هي في نفس الوقت معاناة فقدان الأنا النموذج المثال المجسد في الحبيب.
- إن احتفال المغاربة بعيد الحب، هو دليل حلى تحول نظام القيم في المجتمع المغربي، ففي ما سبق كان يعتبر الحب من المواضيع التي لا يجب البوح بها ولا الحديث عنها، لأن الحب كان يدخل ضمن الطابو هات الاجتماعية التي يمارس فيها المجتمع سلطته القمعية المانعة لكل أشكال التعبير عنه، لكن حاليا أصبح المغاربة يحتفلون بعيد الحب، لأن نظام القيم في المجتمع المغربي انفتح على مجموعة من القيم الإنسانية في الثقافة الغربية، وتبناها واستعار نماذج طقوسها وممارستها. كما اعترف نظام القيم المغربي بأهمية الاحتفال العالمي كعيد إنساني بما هو مشترك بين جميع البشر، وضرورته لمواكبة العولمة المخترقة له والتي تضعه تحت إكراهات و إشراطات، إذا لم يمنطقها سيرورته الاجتماعية، قد تؤثر على توازن المجتمع وتزعزع استقراره كما حدث في كثير في المجتمعات.
- أولا أن الحب هو ظاهرة إنسانية يمر بها جميع البشر، وبالتالي فالحب في حد ذاته ليس دخيلا على المجتمع المغربي، ومن تم فالاحتفال بالحب ليس دخيلا على المجتمع المغربي، لأن الاحتفال بالحب كان يتم بين المحبين أنفسهم، ويكتفون به، وكان هذا الاحتفال يتم بشكل سري. وسريته لا تعني أن الاحتفال لم يكن موجودا، كما أن الاحتفال به علنا مع الإنسانية جمعاء لا يعني أن هذا الاحتفال هو دخيل على المجتمع المغربي.
- ليس هناك من شكل آخر للتعبير عن الحب إلا الاحتفال به بين المحبين، ولهذا فالاختلاف القائم في التعبير عن الحب، هو أنه فيما سبق كان الاحتفال به يتم سرا وبشكل فردي، أما الآن فالاحتفال به يتم علنا وبشكل جماعي.
- يعني ذلك أن الشباب المغاربة يحتفلون بعيد الحب، ودلالة هذا التزايد هو ارتفاع نسبة العلاقات العاطفية بين الجنسين و الانفتاح العاطفي على بعضهما البعض بدون الدخول في مؤسسة الزواج.
يجوز الحديث في ظل السياق المغربي الموسوم، بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة، الحديث عن قيمة الحب الحب هنا هو مشاعر وجدانية، يدخل ضمن سيكولوجية الذات كما شرحت في بداية الحوار، ولا يخضع لمنطق التحولات الاقتصادية والاجتماعية، فكيفما كانت طبيعة هذه التحولات ودرجة تواترها، فهي لا تغير من طبيعة الحب شيئا لأن له وجود سيكولوجي باطني في الجهاز النفسي يخضع بالدرجة الأولى إلى العلاقات الوظيفية بين مكونات هذا الجهاز النفسي اللاشعور والأنا والأنا الأعلى.
عن موقع : فاس نيوز ميديا