حيث كنت محظوظة بزيارة أروقة منتجات الزيتون، بمعية صديقتي الباحثة في مجال حقوق الإنسان سهام البكاري، و حضرنا في الحفل الفني الذي أحيته فرق فولكلورية شعبية متميزة، وسط عشرات الآلاف من الجماهير الشعبية التي حلت من كل حدب وصوب لحضور فعاليات النسخة الثالثة من المهرجان الإقليمي للزيتون الذي احتضنته جماعة غفساي مؤخرا، وفي الآن ذاته كنت قد عايشت بعض الانتقادات اللاذعة التي كالها نشطاء داخل قنوات التواصل الاجتماعي بشكل مجاني للجهات المنظمة، فقد انتابتني رغبة أكيدة للخروج بهذه التدوينة مجددا، والإدلاء برأيي حول وصفة نجاح الدورة القادمة لفعاليات المهرجان رغبة في التأسيس لنقاش بناء قد يذهب بعيدا بهذه التجربة الفتية.
إن إنجاح هذه التجربة الواعدة يتطلب إحداث لجنة إقليمية موسعة تمثل مختلف الهيئات الاجتماعية والإعلامية و الاقتصادية وفعاليات المجتمع المدني… للإسهام في تنظيم المهرجان ميدانيا، والإشراف على دورات تكوينية تتعلق بتدريب صغار الفلاحين على تثمين و تطوير الإنتاج، و التعليب و تسويق المنتجات المحلية من الزيوت والزيتون بشكل ناجع وفعال، وحماية الأسعار، وتقوية القدرات في هذه المجالات من خلال اللجوء إلى المككنة والأسلوب العصري في التعامل مع شجرة الزيتون، و تنظيم وتأطير صغار الفلاحين داخل تعاونيات فلاحية ومجموعات ذات نفع اقتصادي تتماشى مع مخطط المغرب الأخضر الذي يهدف إلى تحقيق إقلاع شامل للفلاحة الوطنية بمختلف أقاليم وجماعات المملكة، وتاخذ بعين الاعتبار إشكالية تلوث حقينة سد الوحدة جراء طرح معاصر الزيتون لمخلفات المرجان، وحشد الموارد المالية اللازمة لتنزيل هذه الأهداف الواقعية والطموحة في إطار مبدا الشراكة الممأسسة بين الفاعلين في مجال الزيتون و ما بين مختلف الجهات المتدخلة.
إن المهرجان الإقليمي للزيتون بجماعة غفساي بإمكانه المساهمة في مشروع بناء المغرب الحداثي الديموقراطي الذي يعتمد على نموذج تنموي جديد يستجيب لتطلعات كافة الشرائح الشعبية إذا ما بذل كافة الفاعلين، الغالي والنفيس، لكي تصبح هذه التظاهرة الإقليمية المتميزة ملتقى سنوي دولي للاحتفاء بشجرة الزيتون المقدسة، التي تشكل العمود الفقري لاقتصاد القرب بالمناطق الجبلية مصداقا لقوله تعالى ” والتين والزيتون وطور سنين “.
كما أن مهرحان الزيتون بإمكانه الإسهام في إشعاع المنتجات محلية الصنع، وابتكار منتجات جديدة من مشتقات الزيوت والزيتون ” Made in Ghafsei ” بعد التجربتين الواعدتين اللتين أبانت عنهما كل من شركة سلاس التي يديرها رجل الأعمال الشاب سعيد الساهل بجماعة أورتزاغ، التي نجحت في ابتكار صناعات محلية جديدة من مواد النظافة والتطهير و بعض المنتجات الغذائية، وكذا المجموعة ذات النفع الاقتصادي GIE بجماعة كلاز التي أفلحت في تحقيق أرقام معاملات جيدة جدا بعد نجاحها في استقطاب موارد مالية حكومية مكنتها من تثمين وتجميع وتعليب وتسويق الزيتون ومشتقاته.
مهرجان الزيتون بغفساي يشكل أيضا مناسبة سنوية لصلة الأرحام بين أبناء مختلف القبائل الجبلية التاريخية ببني زروال و الجاية وبني ورياغل وسلاس وفشتالة… إحياء للموروث الثقافي والذاكرة التاريخية الغنية، في إطار تفعيل الطابع الثقافي لمشروع الجهوية المتقدمة الذي أطلقته بلادنا سنة 2009، و الذي يأخذ بعين الاعتبار خصوصية جبالة الثقافية ومدى تشبث القبائل الجبلية بدائرة غفساي على الخصوص، بعراقة شجرة الزيتون، مما يتطلب إعدادا قبليا، للمكونات مجتمعة، باختلافاتهم الإيديولوجية والسياسية… في إطار مقاربة تشاركية حقيقية.
لا بد من الإشارة أيضا إلى أهمية إستمرار احتضان غفساي لهذه التظاهرة على الرغم من تصاعد وتيرة الأصوات الرافضة، مما يتعين على مختلف الفاعلين بدل المزيد من الجهود الحثيثة لتطوير فعاليات مهرجان الزيتون، وفق عمل تشاركي يبتغي الارتقاء به إلى مصاف المهرجانات الوطنية الرائدة، التي تحظى بالرئاسة الفعلية لصاحب الجلالة، وتستطيع استقطاب المزيد من الشركاء والمساهمين و المانحين و القنوات الإعلامية الفضائية، وضيوف شرف من الحجم الكبير، ومئات الآلاف من المشاركين، إسوة بباقي التظاهرات الوطنية الناجحة التي تتميز بها بلادنا ككرانس مونتانا بالصحراء المغربية أو موازين في العاصمة الرباط.
غير أنه لتحقيق هذه الأهداف والتطلعات، لابد من إيلاء العنصر البشري ما يستحقه من عناية كخطوة أولية باعتباره اللبنة الأساسية للارتقاء بجودة فعاليات المهرجان الإقليمي للزيتون على أساس تجويد عملية التكوين في مجالات تثمين وتعليب وتصنيع وتسويق الزيتون ومشتقاته، وملائمة المنتجات محلية الصنع مع متطلبات الأسواق الداخلية والخارجية وفق المعايير الدولية، من خلال الاستفادة من التجارب والخبرات الوطنية والدولية، وتوجيهات منظمة التجارة العالمية، علاوة على استحداث معهد متخصص في التيكنولوجيا التطبيقية لتكوين حاملي شهادة الباكالوريا والمستوى التأهيلي، في تخصصات تدبير المقاولات و الصناعات التحويلية و التجارة الدولية، وكذا إنشاء العدد الكافي من التجمعات ذات النفع الاقتصادي واستقطاب الموارد البشرية المؤهلة، من منطلق الدور المحوري الذي سيلعبه الاستثمار في مجال الزيتون وفق توجه استراتيجي، في مواجهة الكساد الذي يعتري صغار الفلاحين أمام جشع واستغلال الرأسمالية المتوحشة.
كما أن تحقيق هذه التطلعات يتطلب انخراط كافة المكونات المحلية، بشكل فعال وإيجابي لإنجاح الدورة القادمة للمهرجان، لما لها من تعريف بالخصوصية الثقافية المحلية، وانعكاس إيجابي على الإشعاع الدولي للزيتون والزيوت المحليين ومشتقاتهما، ودورههما الهام في التعريف بالمؤهلات الاقتصادية الواعدة لإقليم تاونات، و انفتاح ساكنته على الثقافات.
بقلم: نجوى دحان طالبة باحثة في القانون الخاص.
عن: فاس نيوز ميديا