هل سبق أن شرحت لأصدقائك تفاصيل مشكلاتٍ بينك وبين محبوبتك، وذلك لا لغرضٍ سوى أن يقتنعوا بأن ما تختلفان بشأنه لا يستحق القلق؟ أو هل رأيت من قبل صديقاً يشرع في علاقة حبٍ جديدةٍ مع شخصٍ كنت تراه غير ملائم له على الإطلاق، لكن الأمور سارت على عكس ذلك، وتطورت علاقتهما بشكل ناجح للغاية؟
في كل الأحوال، حدد علماء النفس مقياسيْن يتناولان العوامل التي تؤثر على الشخص فيما يتعلق بكيفية البدء في أي علاقة عاطفية وطريقة الإبقاء على هذه العلاقة. ينصب المقياس الأول على تحديد مدى الأهمية التي نوليها للانطباعات الأولى التي نكوّنها عن شريك الحياة، والمؤشرات المبكرة التي تفيد بوجود توافقٍ بيننا وبينه. أما المقياس الآخر فيُعنى بمدى استعدادنا لتكريس الوقت والجهد من أجل العمل على تجاوز المشكلات التي تعتري علاقاتنا العاطفية.
ويُطلق على ما سبق اسم “النظريتين الضمنيتين بشأن العلاقات الإنسانية”، نظرا لأننا في الغالب لا نتحدث عن هذه النوازع والتوجهات. فبالرغم من أننا قد نفكر بداهةً في أننا قد نكون أكثر ميلاً للإيمان بـ “الحب الحقيقي” أو أقل استعداداً لذلك، فإن هذا ليس بالأمر الذي نناقشه عادةً على نحوٍ علنيٍ وصريحٍ مع الآخرين. كما أنه يصعب علينا أن ندرك بشكلٍ واعٍ متى نبدأ علاقةً عاطفيةً جديدة.
وبوسعنا عبر استخدام هذين المقياسين معاً، أن نعلم ما إذا كنا نميل إلى تجنب الحديث عن المشكلات التي تنشب بيننا وبين شركاء علاقاتنا العاطفية أم لا، أو أن نعرف هل نحن من تلك الفئة التي تسعى بدأب لتصيد الأخطاء؟ أو من بين هؤلاء الذين يُسدلون الستار على علاقاتهم الغرامية بغتةً ويختفون من حياة شركائهم دون مقدمات؟
ويمكن أن تساعدنا الاختلافات القائمة فيما بيننا على صعيد تلك التوجهات، على فهم الأسباب التي تجعل الخيارات العاطفية لبعض المحيطين بنا، تبدو لنا غالباً عصيةً على التفسير.
الآن بوسعك خوض الاختبارين الموجودين أدناه، للتعرف على الدرجات التي ستحصل عليها، إذا ما استخدمت هذين المقياسين.
اختبار أو مقياس “توأم الروح” المتعلق بالانخراط في علاقةٍ عاطفيةٍ قائمة في الأساس على المشاعر
حدد موقفك من العبارات التالية عبر اختيار رقم من 1 إلى 7، مع العلم أن الخيار “1” يعني أنك غير موافق بشدة، بينما يشير الاختيار “7” إلى أنك موافق بشدة.
1 – تحقيق النجاح في أي علاقة عاطفية يعتمد في الغالب على ما إذا كان الطرفان مناسبيْن لبعضهما البعض أم لا.
2 – هناك شخصٌ ما في مكانٍ ما هو الخيار المثالي بالنسبة لي، أو حتى الأقرب إلى المثالية.
3 – في العلاقات الزوجية، لا يبني الكثير من المتزوجين رابطةً حميميةً وقويةً بينهم وبين شركاء حياتهم، وإنما يكتشفون أن هذه الروابط موجودةٌ من الأصل.
4 – من المهم للغاية أن أُبقي وشريك (شريكة) حياتي على علاقة حبٍ متقدة بعد الزواج.
5 – لا يمكنني الزواج بشخصٍ ما، ما لم أكن مُتيماً به بشدة.
6 – لا يوجد ما يمكن أن نعتبره “رجلاً مناسباً” لامرأةٍ ما أو “سيدةً مناسبةً” لرجلٍ ما.
7 – أتوقع أن يكون زوجي/زوجتي المستقبلية هو أكثر شخصٍ مذهلٍ ومثيرٍ للإعجاب يتسنى لي الالتقاء به.
8 – بحث البعض عن “الشريك/الشريكة المثالية” للحياة ليس إلا مضيعةً للوقت.
9 – عدم وجود توافق بين الزوجين يمثل السبب وراء فشل غالبية الزيجات.
10 – عادةً ما توجد الروابط بين البشر قبل حتى لقائهم ببعضهم البعض.
لحساب درجاتك، قم بجمع إجاباتك على العبارات التالية 1 و2 و3 و4 و5 و7 و9 و10. أما بالنسبة للعبارتين السادسة والثامنة، فعليك طرح إجابة كلٍ منهما من الرقم 8، للحصول على الرقم الذي سيمثل إجابتك على هذه العبارة. فعلى سبيل المثال، إذا كنت قد اخترت رقم “6” للإجابة عن أحدهما، فإن ذلك يعني أن تضيف رقم 2 إلى مجموع إجاباتك. في النهاية قم بقسمة الناتج الإجمالي على رقم 10 لتحصل على متوسط درجاتك، بحسب هذا الاختبار أو المقياس.
اختبار “فلتعزز روابطك مع شريك حياتك بنفسك” والمتعلق بالدخول في علاقةٍ عاطفيةٍ يعمل طرفاها على تقويتها والحفاظ عليها
حدد موقفك من العبارات التالية عبر اختيار رقم من 1 إلى 7، مع العلم أن الخيار “1” يعني أنك غير موافق بشدة، بينما يشير الاختيار “7” إلى أنك موافق بشدة.
1 – يعتمد نجاح أي علاقة عاطفية في الغالب، على حجم ما يبذله طرفاها من جهدٍ لتدعيمها والإبقاء عليها وجعلها مريحةً بالنسبة لهما.
2 – في إطار العلاقة الزوجية، يكتسي الجهد الذي يبذلها طرفاها لإنجاحها، بأهميةٍ أكبر من وجود توافقٍ فيما بينهما.
3 – تنمو مشاعر الحب بين شريكيْ أي علاقةٍ عاطفيةٍ، لا أن يجدها طرفاها قائمةً من الأصل بينهما.
4 – بذل طرفيْ أي زيجة جهداً ووقتاً لإنجاحها كافٍ لتحقيق هذا الهدف.
5 – يمكنني أن ارتبط بعلاقة زواجٍ سعيدةٍ وناجحةٍ مع غالبية الناس، شريطة أن يكونوا قادرين على التفكير بحصافة ومنطق لا أكثر.
6 – عدم تكريس المتزوجين وقتهم وجهدهم لإنجاح زيجاتهم، هو سبب فشل غالبية هذه الزيجات.
7 – يعتمد مدى ما تعرفه عن شخصٍ ما، على مقدار الفترة الزمنية التي عرفته خلالها.
8 – سأشعر بالرضا إذا ما قُدر ليّ الزواج بشخصٍ يقع الاختيار عليه بشكلٍ عشوائي.
9 – مرور الوقت وحده هو الكفيل بتمكينك من التعرف بحق على شريك حياتك.
ولتحديد إجمالي درجاتك، قم بجمع إجاباتك وقسّمها على رقم 9.
وأُخِذَتْ أسئلة هذين الاختبارين من استقصاءٍ استخدمته رينيه فرانيوك، باحثة بإحدى الجامعات الأمريكية، في دراسةٍ أجرتها عن العلاقات العاطفية ومدى طول أمدها ومقدار الشعور بالرضا خلالها و”النظريات الضمنية” المتعلقة بها.
وإذا كنت ممن سجلوا درجاتٍ مرتفعةً في الاختبار الأول – المتصل بالعلاقات العاطفية القائمة في الأساس على المشاعر – وشعرت بالدهشة حيال ذلك فلا تبتئس فلست وحدك في هذا المضمار كما تقول فرانيوك، التي تشير إلى أن لدى الناس ميلاً لتصور أنهم ينتمون للفئة الثانية التي يُعنى بها الاختبار الخاص بالعلاقات العاطفية التي يبذل أطرافها جهداً لتدعيمها والحفاظ عليها. لكن يتبين – كما تقول الباحثة – أن هناك تصديقاً كبيراً للتصورات المرتبطة بكون نجاح الزيجات والعلاقات العاطفية، يقوم على المشاعر والأحاسيس.
وتشير فرانيوك إلى أن المشكلة تكمن في أن الناس ينفرون من أن يُصنفوا من بين المندرجين في إطار المؤمنين بالنظرية الأولى التي تحمل اسم “توأم الروح”، لكونهم يعتقدون أنها لا تتسم بطابعٍ علمي نظراً لاسمها، لكن ذلك مجرد اسم. وتضيف فرانيوك: “بوسعنا تغيير مسماها لجعل الناس يريدون التماهي مع من يتبنون هذه الأفكار الرومانسية”.
أما من سجلوا درجاتٍ أعلى في إطار المقياس أو الاختبار الثاني، فيتكيفون بشكلٍ أفضل مع المصاعب أو العقبات التي تشهدها علاقاتهم العاطفية، بل إن حدوث مشكلةٍ تتطلب من طرفي العلاقة بذل جهدٍ وتكريس وقتٍ لحلها، يمكن أن يؤدي إلى تعزيز قوة العلاقة بينهما.
وبالنسبة لهؤلاء، ربما يكون ضرورياً أن يواجهوا مشكلاتٍ بسيطةً وغير ذات شأنٍ لإبقاء تركيزهم منصباً على العمل والتعاون معاً. وكلما زاد الوقت والجهد اللذان يكرسهما أولئك الأشخاص لإنجاح العلاقات التي تربط بينهم، أصبحوا أكثر التزاماً حيال بعضهم البعض.
ولهذه الأسباب، سيغض هؤلاء الطرف عن وجود اختلافاتٍ كبيرةٍ بين شخصياتهم، نظراً لأنهم يرون أن التوافق بينهم قد يزيد بمرور الوقت، وهو هدفٌ يعتبرون أنه يجدر بهم العمل على تحقيقه.
العكس صحيح بطبيعة الحال، بالنسبة لمن يؤمنون بفكرة أن العلاقات العاطفية ذات طابعٍ قدريٍ. وقد يؤدي ذلك إلى عواقب ضارة للغاية بالنسبة لهم.
فحدوث مشكلةٍ في العلاقات العاطفية التي تجمع بين أصحاب هذا التصور – خاصةً في مراحلها المبكرة – قد يكون كفيلاً بالتعجيل بنهايتها. ففي هذه الحالة، سيدرك أحد الشريكين أن “توأم روحه” المثالي هذا، ليس معصوماً من الخطأ والزلل. كما قد يتصور المؤمن بنظرية “توأم الروح” هذه أن شريكه “لم يفهمني قط حقاً”، وربما يعتبر أن هذا الخطأ البسيط الذي حدث “دليلٌ على أننا لسنا متوافقين بحق”. ووجدت فرانيوك أن هذه الحالة تنطبق حتى على الشريكين المتوافقين على نحوٍ كبيرٍ نسبياً.
الأسوأ من ذلك، أن أولئك الأشخاص قد ينهون علاقاتهم بشكلٍ أقل لياقة مما ينبغي. ففرص إنهاء العلاقة العاطفية بشكلٍ مفاجئ ودون مبرراتٍ واضحةٍ، تزيد لدى من يؤمنون بفكرة “الحب الحقيقي”، ممن يسعون إلى تجنب الاتصال بأحبائهم الذين قرروا هجرهم، حتى ييأس هؤلاء من محاولة التواصل معهم. وربما يعود ذلك إلى أنهم يرون أن الأمر لا يستحق عناء المحاولة، طالما أن شريك الحياة ليس “توأم الروح” المثالي بالنسبة لهم ويعتبرون أنه ما من فائدةٍ لإبلاغ الشريك السابق هذا بأسباب انقطاع العلاقة بينهما.
وبالرغم من أن إحراز درجاتٍ أكبر على المقياس الثاني لا يؤثر كثيراً بوجهٍ عام، فإن تحقيقك ذلك يجعلك تشعر على الأرجح بأن إنهاء العلاقة العاطفية بشكلٍ مفاجئ والاختفاء من حياة شريكك دون سابق إنذار، هو أمرٌ سيء.
أما إذا قرر من يؤمن بفكرةٍ أن الحب هو “قدرٌ مقدور” مواصلة علاقته العاطفية بشريكه رغم حدوث مشكلةٍ بينهما، ومواصلة الاعتقاد بأن هذا الشريك هو “حبه الحقيقي”، فربما يقرر وقتها ببساطة تجاهل هذه المسألة تماماً.
وتقول فرانيوك في هذا الشأن إن هؤلاء الأشخاص “يميلون لأن يكونوا أكثر تسامحاً مع شركاء علاقاتهم العاطفية وأشد ميلاً لتجنب الشجار معهم، لأنهم يريدون (مواصلة) الاعتقاد بأن أولئك الشركاء هم توائم الروح بالنسبة لهم”. وقد يجدي هذا النهج في التعامل مع الخلافات البسيطة، لكن اللجوء إليه مع المشكلات الأكبر – كما تقول الباحثة – سيجعلك تبقى في نهاية المطاف مع شخصٍ لا يتوافق معك، ما قد يؤدي إلى حدوث عواقب خطيرةٍ إلى أقصى حد.
فالمؤمنون بأن الوقوع في حب شخصٍ ما “أمرٌ قدريٌ” ممن يقضون مع شركاء حياتهم فترة أطول من المعتاد، يكونون أكثر ميلاً لتجاهل المشكلات التي تعتري علاقاتهم العاطفية، بل ويخدعون أنفسهم عبر تبني فكرةٍ مفادها بأنهم يتطابقون مع أحبائهم بشكلٍ أفضل، نظراً لطول الوقت الذي قضوه معاً.
وبحسب فرانيوك، تبين أنه كلما طال أمد بقاء مثل هؤلاء الأشخاص مع شركاء حياةٍ غير مناسبين لهم، زاد إبلاغهم عن وقوع حوادث تنطوي على العنف بينهم.
من جهةٍ أخرى، يبدو أن فكرة “القدرية” في العلاقات العاطفية تترسخ في أذهان ونفوس المؤمنين بها بمرور الزمن، وهو ما لا يجعلهم يتخلون عنها على الإطلاق. وتقول فرانيوك إن هذه النظريات تبقى قائمةً بقوةٍ لدى من يؤمنون بها، مُشيرةً إلى أن شخصية المرء تتسم بالثبات والاستقرار إلى حدٍ كبير بمجرد وصوله إلى العشرينيات أو الثلاثينيات من العمر.
لكن ما سبق لا ينفي إمكانية أن يقتنع المرء بجوانب من النظريتين معاً وفي الوقت ذاته. فبحسب خبراء، بوسع كلٍ منّا أن يقتنع بأن تعاون طرفيْ أي علاقة معاً يؤدي إلى توطيدها، وأن يظل مقتنعاً في الوقت ذاته بأن هناك “شخصاً مناسباً ومثالياً” ينتظره في مكانٍ ما.
في نهاية المطاف، يُقال إن مسيرة الحب الحقيقي لم تمض قط دون مشكلاتٍ أو عقبات، لكن تحلي المرء بقدرٍ أكبر من الوعي والإدراك بطبيعة ميوله وتوجهاته العاطفية، ربما يساعده على اجتياز تلك المطبات والانعطافات التي يواجهها على طول طريقه مع شريك حياته.
عن: فاس نيوز ميديا