الزاوية التيجانية بفاس : قبلة المريدين من جنوب الصحراء

الزاوية التيجانية: قبلة المريدين من جنوب الصحراء

بشرى لمن أم في المحراب بشراه إن كان محتسبا لله بشراه.
بيت من أبيات قصيدة لسيدي السفياني الحسني منقوشة بزاوية أبي العباس سيدي أحمد التجاني قطب من أقطاب الصوفية الذي شاءت الأقدار أن يكون مرقده ومثواه الأخير بالمدينة التي كانت إلى زمن قريب تعج بالأضرحة والزوايا التي تستقبل مريديها من كل إفريقيا وكذا من المشرق العربي. سيدي أحمد بن محمد بن المختار بن أحمد بن محمد بن سالم الشريف الحسيني الكاملي التجاني الذي يرتفع نسبه إلى محمد النفس الزكية بن عبد الله الكامل رضي الله عنهم أجمعين. ولد سيدي أحمد التجاني بعين ماضي بالجزائر حوالي سنة 1737 ميلادية وجاء إلى فاس وهو ابن واحد وعشرين سنة ليدرس بها ويتبرك بصلاحها ومن فاس تنقل في أنحاء المغرب باحثا عن أهل الخير ليلقاهم وبأخذ بركاتهم فطال به التجوال إلى أن عاد إلى بيت أبائه ومنه إلى تلمسان قبل أن ينتقل منها ليؤدي فريضة الحج إلا أنه بقي بتونس سنة كاملة انتقل ومنها أكمل مسيرته نحو الحج وعاد منه إلى رحلته الدائمة في البحث عن منابع الصلاح والعلماء الأخيار ليستزيد منهم وينهل من علمهم حتى نال الولاية والصلاح الذين شهد بهما العديد من شيوخه وتلامذته ممن فتح الله لهم على يديه. عاد سيدي أحمد إلى فاس وهو ابن 63 سنة فطاب له المقام بها وانتشر صيته بين الناس حتى أصبح موقرا ومحترما من العلماء والشرفاء كما أن سلطان الوقت أهداه منزلا من أملاكه الخاصة كان يسمى “دار المراية” ولم يزل الشيخ يؤدي ثمن كرائه إلى حين وفاته, وكان رضي الله عنه يصلي بمسجد الديوان قرب القرويين,وفيه صحح وألف كتبا عدة, حتى أتاه الإذن من جده سيد المرسلين محمد عليه الصلاة والسلام بأن يبني زاوية خاصة به ليجتمع فيه مريدوه بدلا من اجتماعهم بباب منزله وقراءة الوظيفة التجانية.
اختار سيدي أحمد التجاني حومة البليدة التي كانت تعرف وقتها بحومة الدرداس ووقع اختياره فيها على أطلال منزل قديم كان يجتمع فيه المجاذيب لذكر الله واشترى المنزل من ماله الخاص والحلال. سنة 1800 ميلادية بدأت أشغال بناء الزاوية وبالضبط في شهر ربيع الأول وقد كانت بادئ ذي بدء مكونة من بلاطين فقط أولهما هو الذي يقع فيه الضريح الآن إلى حدود الصومعة وثانيهما هو الذي يليه من جهة الغرب نحو باب الجياد. يقال أن سيدي أحمد التجاني لما انتهى من بناء الزاوية وأراد الدخول التفت يمينا ويسارا فابتسم وعندما سأله أحد مريديه عن سبب ذلك أجاب “هاته الزاوية ستتسع إلى حدود جامع لارنجة يسارا وإلى درب جنيارة يمينا كما أنه ستكون بها 8 أبواب.” وكأنما كشف عنه الحجاب في تلك اللحظة فإن الزاوية التجانية لم تزل تتسع وتكبر إلى أن أصبحت مثلما قال مشيدها الذي منع من أن يدفن فيها أي شخص كما أنه كتب دعاءا لحفظها وحماية مريديها دفنه بأحد دعائمها المسمى دعامة الذهب.

في سنة 1815 فاضت روح سيدي أحمد التجاني والتحقت بالرفيق الأعلى بعد أن عاش 80 سنة فوق هاته الأرض ودفن بفاس المحروسة بزاويته بمكان كانت فيه شجرة تين معمرة. حضر جنازته ما لا يحصى من علماء فاس وصلحائها وأعيانها وأمرائها كما صلى عليه إماما الفقيه سيدي محمد بن إبراهيم الدكالي ومن شدة تعلق مريديه به وحبهم فيه فقد ازدحم الناس على حمل نعشه وكسروا أعواده تبركا. اعتنى الملوك والسلاطين بهاته الزاوية فكانوا كل مرة يوسعون فيها ويصلحونها حتى أصبحت من الجواهر الفاسية في المعمار التقليدي, إذ أنه بين سنة 1302 هجرية و1375 هجرية فقد تم الزيادة في البلاطات وتزيين المحراب كما تم زيادة صحن وسقاية إضافة إلى مرافق أخرى منها المصريات والدويريات دون إغفال زخرفة الضريح والصومعة ذات الزليج الأخضر المنمق ونذكر أيضا تزيين الزاوية بالأبيات الشعرية الخاصة بمدح الزاوية أو بمدح الرسول صلى الله عليه وسلم. أما الترميم الكبير للزاوية فقد دام 8 سنوات ابتداءا من سنة 1418 هجرية ابتدأ بإصلاح سطح الزاوية وأصلاح السقوف الخشبية القديمة كما تم تبليط الجدران الخارجية وإعادة تبليط الجبص إضافة لإعادة زخرفتها زخرفة إسلامية تتناسب والمعمار الفاسي المتعارف عليه.

في ما يخص نظام الزاوية فإنه كان مزعا بين 3 أشخاص الناظر والمقدم والفقيه لكل منهم دوره الذي يقوم به على أكمل وجه لا لشيء سوى ابتغاء مرضاة الله بل يكفي شرف خدمة الزاوية التي كان أهل السنغال يزورونها ويتبركون بها في طريقهم إلى الحج.
تبقى الزاوية التجانية من الزاويا القليلة التي مازالت تقوم بدورها الذي بينت من أجله ويقوم المسؤولون عليها بخدمتها كما أن ذكر الله مازال قائما في أركانها بالأمس كما هو الحال باليوم.

بقلم: إلياس أقراب

المصدر:
سلوة الأنفاس للكتاني الجزء الأول بناء الزاوية المباركة بفاس لمحمد الشرقي.

عن موقع : فاس نيوز ميديا