الحقيقة التي ممكن أنها ضاعت منا جميعا، حين افتقدنا لغة النقد للأحداث التفاعلية اللصيقة بين تجليات الماضي الذي ما انفك يمضي و مظاهر الحاضر الذي مافتئ يجيء. هو اعتراف لن يكون مضمنا بالتعويم، بل يجب أن يكون عنصرا منفردا و رئيسا للبحث، و به بالضبط ينبغي البدء.
ما أسباب تناوب فشل مخططات التنمية بالمغرب؟، هل الفساد والريع له جذور ثابتة تأتينا من الماضي؟، كيف يمكن تحقيق تنمية تفاعلية في حاضر لازال يئن من مظاهر فساد آت من التاريخ الماضي؟، كيف لنا أن نستشعر تاريخا مشوشا ممكن ألا يحدث في المستقبل بفعل رؤية ضبط استشرافية نسلم من أزماتها المدوية؟.
حقيقة لا مفر من ذكرها حين أصبح النقد عندنا يرتبط بكلام الفوضى ونعوت السلبية، ولا يخرج سالما من خلق منصات الالهاءات ومفرقعات الطواحن الهوائية. حين صار البعض منا يركب على سلم النقد ولا يستوفي ترتيب المتغيرات بين الماضي والحاضر، حين بات النقد مرادفا لسوء لعنة السب والشتم، ويصيب الأشخاص بدل التدبير والأفكار.
حقيقة للكتابة سحر منهج تاريخي، يسجل الأحداث الماضية ويعالجها بالبحث والتقصي والنقد من أجل فهم واقع الحاضر. وهي أحداث حاضر تتكرر لزوما بطرق مشابهة مع اختلاف الأدوات والمتغيرات ولما حتى النتائج. لنقل صدق الحق ونعترف أن صورة الماضي الحاضرة بيننا ممكن استغلالها في تفكيك أحداث شبيهة في حاضرنا أو في مستقبلنا لسد متاريس الفساد، كما أعتبرها من البراهين التي من خلالها يمكن استشراف المستقبل بدون حواجز سالبة.
حقيقة المحفز الذي شجعني على ركب مغامرة الكتابة عن (المنهج التاريخي) هو أني أبتغي فتح نقاش سليم و عقلاني يربط الماضي بالحاضر والمستقبل الذي ما فتئ يجيء بمتغيرات غير متحكم فيها بالتمام، هو أني أطمح إلى فتح نقاش خصب يؤسس لرؤية النقد البناء دون خلفية الهدم التي تسكن البعض منا،هو أني أرى تاريخنا ساكنا لا يكشف لنا عن مفاتنه ولا يضع تفسيرا حقيقيا عن مكاشفة عوراته الماضية السالبة. الآن، ممكن أن نقول حان الوقت لتفكيك متلازمة المتغيرات، وعدم الثقة بأي متغير غير صادق لمجابهة أحداث الحاضر بثقة وأمان.
نتساءل وبدون استحضار أجوبة مسلمات، هل الماضي يتحكم في الحاضر من خلال توارث الفساد والريع ؟، هل حقا ضيعنا نصف قرن من التنمية الفعلية في جدال سياسي بين الأحزاب الوطنية والقصر؟، هل بتنا نكرر تلك التجربة (البوليميك) بمتغيرات أخرى ومواصفات رديئة أشعلت التناحر بين الأحزاب السياسية بعينها، بدل الانكباب على شق التنمية العادلة؟، هل بمقدورنا حل المشكلات المعاصرة على ضوء خبرات الماضي الصامت بكفن الفساد؟، هل من اللازم حل مشكلات الماضي بجبر الضرر والتصالح مع كرامة الشعب، والقضاء على الفساد والريع؟، هل كنا نعيش كرامة العيش بالماضي تجاه إخفاقها في الحاضر؟، ما هي أولويات بدء الإصلاح والتصالح مع الذات والآخر والعيش المشترك؟.
نعم نعيش مشكلات وضعية مستجدة في حاضرنا، نعيش رواسب فساد و ريع خبرتنا الآتية من ماض محفوف بالعراقيل المميتة، نعم نعيش مشكلات نكوص تفكير تلازمنا حتى من الماضي القريب من الحاضر، بقوة أنها لم تتخلى عن صور الفساد والريع والوصولية والانتهازية، ولازالت تحمل معها تفكير قصص تاريخ ( حديدان و جحا) المستوفية للغة سلوكية قائمة على النصب والاحتيال وتثبيت فواصل الفساد في العقول و الأرض.
حقيقة أننا لا نقدر على المزاوجة بين (النص /المبدع /المتلقي/ الأثر)، لكني أعتبر مظاهر الحاضر المتشنج بالتوتر، هو نتاج لتلك التنمية الطريحة في فراش أمراض الفساد والريع الماضية. تنمية فشلنا بفضح رواسب مظاهرها في الحاضر/ الماضي سواء منها الخصبة أو القاحلة.
حينما أصبحنا لا نمتلك القدرة على توصيف حلول لمشكلات الحاضر بالتصويب و التعديل الحكيم، لأن أصحاب الفساد و الريع لا يريدون حلولا كاشفة، بل يعيشون النشوة والترقي الاجتماعي من مستنقع الأحداث غير السليمة.
ذ/ محسن الأكرمين.
عن موقع : فاس نيوز ميديا