بعيدا عن العقود الموثقة بالملايين داخل فضاء الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب المنظم بمكناس (من 16 إلى 21 أبريل / الدورة 14)، تحت شعار”الفلاحة كرافعة لخلق مناصب الشغل ومستقبل العالم القروي”، عقود لا تصيب تنمية مدينة بنوعية حصرية. بعيدا عن الكاميرا شاعلة وربطات العنق الأنيقة و آليات فحص الدخول والخروج. تظهر مناصب شغل غير معلنة في شعار السنة (رافعة لخلق مناصب الشغل بحوض الملتقى) ، وهي أعمال غير مهيكلة ولا منظمة تدور وفق فلك أيام الملتقى، مهن خارج الفضاءات الرسمية للملتقى، حرف ومناولات تلازم أيام الملتقى وتتنوع حسب تلبية حاجيات الزوار.
هي مهن موسم ملتقى من لا مهنة له بمكناس، لا تستوجب خبرة، ولا ترخيصا من السلطات المحلية، ولا من القائمين على شأن الملتقى الفلاحي، بل يكفي ممارسها التوفر على سترة صفراء مغربية، أو كريسة عصير ليمون، أو كريسة البوبوش، أو كريسة عصر قصب السكر… مهن تتكيف طواعية مع وضعيات البطالة المتقطعة بمكناس، و تستنفرها حالة الضغط خارج الخيام الرسمية لاستغلال فرصة الاشتغال المواكب لأيام الملتقى الدولي للفلاحة المعدودة.
اليوم سوف نتحدث عن فيض اقتصاد غير مهيكل ولا يخضع لرقابة الدولة المالية، بيع ممكن أن يوصف باقتصاد الريع المسكوت عنه بدون رجة قول حديث طويل. وليكن البدء من ظهور حركة سماسرة كراء الدور المفروشة بالقرب من مركز الملتقى الدولي للفلاحة (صهريج سواني)، حيث تشهد حركة شبابية ونسوية تعرض عليك المفاتيح وكأنك في مدينة شاطئية، إنها المظاهر التي لم تعتد عليها ساكنة مكناس. وهذه المهنة (سمسار كراء) تتحرك مع أولى الوفود القادمة وتشتد حين يضيق الطلب على الفنادق المصنفة بالرفض، وعلى دور الضيافة ولا يلبى الأمر، حينها تتضاعف الأثمنة لزوما.
أما مهنة السوق العشوائية بالفوضى التامة، فهي مواقف السيارات حيث تظهر مواقف استثنائية، ويصبح القانون يستباح لزاما فلا عقاب ينزل على من يقف بجانب طوار مصبوغ باللون الأبيض والأحمر، ولا حتى الوقوف في ممر الراجلين و فوق الأرصفة. هنا تجد شبابا مشتتا بالكثرة ويرتدي سترة صفراء ليست بالعهدة الفرنسية، ويحمل عصا (ذات دلالة سلوكية) ينظم وقوف أسطول السيارات ويفرض إتاوة بلا سند قانوني، وخارج سلطة أية التسعيرة.أما المهنة الثالثة، والتي تفك عطش الزائرين للملتقى فهي تتمثل في كراريس عصير الليمون وبيع الماء المعلب، ولما حتى عصير قصب السكر، لكن الأثمنة تتضاعف بقدرة قادر، واستغلال الزائر يتم في أبشع صوره .
فيما المشهد العجيب في موسم الملتقى الفلاحي وأنت في الطريق إلي فضاءات المعرض تصادف بائع (بريوات باللوز) وبائع حوامل الهواتف لأخذ الصور، وبائع حتى الدعوات الرسمية ، وبائع الوجبات السريعة… هي السويقة و (الريكلام ) الممتد بكل منافذ الملتقى من جهة بني امحمد، والساحة الموالية لثانوية الزيتون وباب كبيش.
لن، ولا نستخف بتلك المهن التي تحرك دراهم معدودات في جيوب من يتعاطاها بالموسمية والانتظارية، لن نبخس مقولة أن الملتقى الفلاحي يحرك الآلة الاقتصادية بمكناس !!!، لن نستصغر القوة الإقتصادية الوازنة التي ينتجها الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب من داخل الأروقة، لن نقيس حجم الأثر على عموم المدينة بتحريك أنشطة التنمية الصغرى (المهن الرديفة للملتقى).
لكن الملتقى في سنته (14) وهو لا زال يستنسخ دوراته بتطوير بطئ لا يرقى إلى طموح تمكين استفادة مكناس برمتها من الملتقى و الرفع من سهم حضورها الوازن (التنموي/ الاستثماري) على الصعيد الجهوي والوطني والدولي.
من تم تتساءل الساكنة، كيف يمكن الارتقاء بالملتقى الدولي للفلاحة بمكناس لأجل تطوير الأداء وتمكين المدينة من تنمية تفاعلية شمولية ؟، كيف نمكن الساكنة من أن تكون مندمجة ضمن برنامج تحريك فرص الشغل المهيكل و بالتفاعل المحافظ على الكرامة ؟، كيف يمكن لمكناس أن تتجاوز أسلوب الشطابة والصباغة الموسمية للطرق المؤدية للملتقى؟، كيف يمكن الإجابة عن سؤال وجيه معلق إلى حين، ما هي استفادة المدينة حقا من عوائد الملتقى لمدة 14 سنة؟.
ممكن أن تكون الاستفادة معنوية للمدينة بصيغة الاحتضان، ممكن أن تكون الاستفادة لشكارة رجال الأعمال و الفلاحة الكبرى، ممكن أن تكون استفادة أصحاب المهن العشوائية الرديفة للملتقى جزءا من ذر الرماد في عيون أهل مكناس.
لتكن مكناس بملتقاها الفلاحي الدولي قوية ورائدة، هي الحقيقة التي يقع الإجماع عليها، و التي لا بد من مضاعفة الجهود لتطويرها لزاما. منذ (14) دورة، بعدد السنين. وتفكيرنا لا يبارح مكانه، من تزيين مداخل المدينة (مكسب يحتسب للملتقى). إنها سنوات هدر زمن التنمية الفعلية، والتدبير الحكيم في توجيه مكان الملتقى الفلاحي إلى متسع مفتوح وبناء قار، إنها مصاريف تتسرب في بناء ونزع (9 من الخيام الكبرى) .
هي القوة الاقتراحية و غيرها التي ممكن أن تأتي من مناظرة داخلية بمكناس منظمة من طرف السلطة المحلية والمجالس الجماعية والفاعلين الاقتصاديين بمكناس للخروج باقتراحات التطوير والمأسسة السليمة للملتقى الدولي للفلاحة بمكناس برؤية جديدة، والانتقال من سنة سنوية تتضمن نصب خيام ونزعها.
بقلم: محسن الأكرمين/ مكناس
عن: فاس نيوز ميديا