المكناسي الأكرمين يكتب..النور والظلام وتناوب التفويض

اليوم وأنا أمر بدروب المدينة العتيقة، صادفت في مشيتي المتأنية بشم عطر الزمن الماضي لمكناس، صديقا من عصر النضال وقول” لن نركع أبدا لن نركع، لن يرهبنا صوت المدفع…”. طوال تلك السنوات التي مضت لم أعرف عنه لا أخبار قرب ولا مقابلة صدفة بدون موعد. اليوم وقفت عليه وهو قابع القرفصاء وظهر متدلي استنادا لحائط آيل للسقوط، بعد السلام و تحديد الهوية الماضية ، وأقساط الذكريات التي تجيء ولا تؤذي. 
حكى لي ببحة القول الذي يحمل أثر خلطة ملونات الظلام، فأورد الراوي قوله دون قصف ذهني ولا سؤال: ظلام احتل مساحة ثلاثة أرباع من حياتي بتمامها منذ تلك الحلقة التي شاركت فيها بكلية المولى إسماعيل قبل التخرج إلى آخر محطة الشارع، وما تبقى فيها يحمل ندوبا آتية من حياة الظلمة، فحين أتحدث عن الظلام فلا أجعل تعريفه مقابل النور، بل أحدده بانكسار الذات والروح. لقد رأيت ما رأيت من متاعب حياة، وعلمت ما علمت من تجارب مريرة، كانت مرات عديدة بالظلمة السالبة، لكني حين عدت من حرب الظلام كانت العاصفة البحرية لازالت تتقوى بؤرتها الوسطية، فيما الحيتان الكبيرة فقد لزمت الصمت والانزواء في ظلمة قعر البحر واتخاذه موطنا آمنا. 
حين عدت من حرب الظلام يقول الحاكي، لم يكن حزني على الموت الفاضح للحياة بالنور، لم يكن غضبي من انهزام الذات، ولا من نور الحرب، لكن اشتد غضبي حين تقاسمنا جميعا الفرحة في الظلام، ومارسنا فيه نزواتنا غير السوية، حينها أصبح الظلام يخطط لأيام النور ويوجهه وفق تصويب تعديل حتى للتاريخ غير الحادث.
يميل الحاكي يمينا ويمد يده أرضا للوقوف والاعتدال ويقول، لا يمكن أخد قلبي و السطو عليه، لا يمكن أن يمسي قلبي ليله أقساطا ربوية بين مكاشفة حياة النور و استدامة مسكوتات الظلام. فالطبيعة البشرية جعلت من قلب الظلام سلاحا يشعل حربا كانت جاهلية بين داحس والغبراء ولما التتمة تكون بحكاية حرب موغلة على الذات. 
حين صدم الراوي من تهكم الحاكي والتعريفات المراوحة بين الرمزية والتشفير. أردف الحاكي القول، بعد أن مد يده قدما بالإشارة، ذاك كان حين أردت البحت عن تعريف للنور، وقفت نصف قوس منخفض للظلام و تيقنت من أن التعريف يوسع مساحة زاوية الظلام ويمسك بالنور تقليصا لدرجاته المنغلقة. 
يقول متمما، لم أناوش سلطة التعريف ببداية حرب على الظلام، حين وجدت أن النور مرحلة زمن ضيق تمر بين ظلمتين. لم أستوعب الأمر بضرورة المعرفة والتحليل، ولكن اعترفت للظلام بسطوته التامة على حياتنا، وجدت رزمة مسوغات للنور حين انزوى وتعب من آهات الليل وأغمض عيونه في المجهول حتى هو.
يقول الراوي: ملونات سواد فزاعة الظلام ممكن أن تسطو علي وعليك أنت وأنا والآخر الحاضر والمغيب، ممكن أن تأتي بالجمع والإفراد، ممكن أن تكون بصيغة المذكر والمؤنث، لكن الحقيقة التي لا نقدر عليها هي إحداث ثورة على ملونات متموجات سواد الظلام والعيش في النور بالاستدامة. هنا رفع الحاكي عيناه سماء وقال، فيما إشعال بصيص نور أمل ممكن أن يلف الحواجز بالاختصار الموضعي والزمني ، لكنه لا يقدر على خلق انفجار بركان نور يعمنا دفءا و أمنا و أمانا.
نرجع إلى الراوي الذي التقى صديق الماضي بين دروب تلك المدينة العتيقة حين علق بالقول على حكي الحاكي، الآن ، تبددت رؤيتي عن الظلام من قولك بحجم مساحة حياة بين ذكريات الماضي وحاضر المستقبل الآتي، تسرب كل ما تعلمته عن قيام علاقة قبلة الغسق بين الظلام والنور وتصالح بينهما وقت صلاة صبح . لكني اليوم، وقفت على حسنات الظلام حين تعلمت التفكير في زمنه، حين تعلمت أن العقل يكون في حده الأقصى من الابتكار والإبداع، حين تيقنت قاعدة منطقية أن رؤية الظلام تخطط لحياة النور وتوصي خيرا به.
انسحب الحاكي بعد سلام ملامسة خفيفة بالأيدي وعدد رزمة من الوصايا العشر الآتية من النور وكلها تحمل بدايات علامات النفي. وحين استدار الحاكي بابتسامة توديع قال، كانت كل الحكايات الماضية تؤنسني في عتمة الظلام حقا. لكن الراوي تحرك إلى الأمام وسأله بعلامة تعجب ، فما دور عيوننا والظلام يلفنا بالجمع، ولا إفراد فيه !!!؟.

بقلم: محسن الأكرمين/ مكناس

عن: فاس نيوز ميديا