من معتقدات العرف الاجتماعي الموغلة في القدم وضع الجن في سلاسل الاعتقال بداية من إهلال شهر رمضان، من الفزع المستدعي إلى وجود مجمر و أبخرة تواكب يوم حرية الجن المارد ليلة القدر.
هي عادات وتقاليد دخيلة ومتحولة بزيادة إفراط التدنيس، وتصاحب قيام صلوات وأدعية خير في ليلة توازي حسناتها ألف شهر. هي وصفات سحرية جاهزة تنتظم مع بداية العفو الذي يناله “الجن الكافر” ليلة القدر. هي إذا مفارقات شاسعة بين الموروث الديني المعياري وبين عادات الدين الاجتماعي بيننا بالتوافق والسكوت عن فجواته القصية عن وجه الحق، هي تقاليد حاضرة بيننا بقوة حمولة المعتقد المغلف بالأسطورة النفعية والقاضي بقدرة الجن على تنفيذ الأوامر بدون بطء عند ليلة القدر.
يحضر فكر الأسطورة وجن سيدنا سليمان إلى بعض البيوت المغربية، تحضر شيطنة شياطين الإنس بالمذكر والمؤنث لممارسة الشعوذة والسحر، تحضر الوصفات الجاهزة من خلطات توليفية “التفوسيخة” العتبات والأجساد، وامتلاك قلوب الأحبة، وفك العكس، ودحض العين الحاسدة عبر “حجابات “وجداول و تمائم. حتى أن أوهن البيوت العنكبوتية بالأسوار العتيقة لم تسلم ويصبح لها الشأن في خلطة بخور تدمير بيت العدو المفترض بالمعتقد السلبي، حتى جماجم السلاحف، ورؤوس الضباع ، ولسان حمار، ومرارة غراب، والذبابة “الهندية”، وبيض “تاتة” الحرباء… الكل وغيره يباع ويشترى بدون تسقيف حكومي، ولا مراقبة للجان الأسعار التي تتحرك بكاميرات التلفزة في رمضان. ولم يسلم كذلك حتى هدهد سيدنا سليمان حين نزعت منه أظافره حتى لا يفشي سر سيقان بلقيس ويخدش أنفة عرش ملكها.
تصبح دكاكين العطارين معلومة بين ثلة من النسوة الباحثة عن الوهم، فتتحرك آلة ” الربط” و “الشرويطة” و”التوكال” وهي من بين مقبلات السحر الأسود الأولية لعمل شياطين الجن عند فك سراح اعتقالهم. سوق السحر تتحرك بيعا وشراء، والشعوذة تتربع عرش ليلة القدر بمقابل العبادة الربانية الخالصة بالمساجد. وقفة فاصل، ما أسوأ الملحقات الاجتماعية العرفية الدخيلة حين تحرف عن غاياتها التعبدية والمعاملاتية !!!.
ومن بين الملاحظات التي ممكن أن نعبر عنها بالقول، حين أصبحت ليلة القدر بمثابة كيس أمان لبعض أسر التفكير الهش، وكفاف حلول البنية التواصلية، حين أصبحت ليلة القدر ذلك المنعرج الغائر في الحياة، والذي يستوجب الحذر منه، والوقوف عنده بتمهل الرؤية و”فسخ” سحر الحوادث (التوكال/ العكس/ العين) والحفاظ على يسر سير الأسرة إلى الأمام وبسرعة تحديد الجن.
حقيقة هي سلوكيات عدوانية تصيب المجتمع المغربي والأسر، هي الثقة المفقودة في المستقبل، و العوز في البناء النسقي للأسرة المغربية الحديثة، هي الغيبيات التي تبحث عن مشجب الجن المارد لتعلق عليه كل الإخفاقات الدنيوية وكل المشاكل المستعصية الحل (تخطى السحور/ سحرو ليه)، هي ثقافة فكر المعقوفتين ووضع الزوج المتمرد تحت “الصباط” والاستعانة بالجن المارق. لنتفق على صورة مركبة ونقول، بأن سياسة التحكم لها أرضية خصبة بيننا ” لغة تحت الصباط” حتى في ممارسة السحر والشعوذة، ولا نلوم فقط الدولة في نهج سياسة التحكم ودولة العمق. هي مظاهر ومعتقدات اجتماعية قديمة يمارس فيها السحر الأبيض والأسود، لكن مصطلح “السحر” لا يحتمل التمييز بين السحر الأبيض والأسود مادام الفعل يجانب مقاصد الدين، وسلطة المعاملات الحقيقة بين الناس.
التصديق بسجن الجن” المارد” ” بداية شهر رمضان والعفو عنه ليلة القدر، هو معتقد يتيح للمجتمع العيش في أمان لمدة(26) يوما، هو معتقد أن الجن له السلطة العليا و به يجب البدء و”التمسكين” إليه بالبخور والشمع والتمائم لنيل شرف الإرضاء وقضاء النية المقصودة ليلة (27).
حقيقة لازال الجهل يركبنا جميعا حين لا نواجه تلك المشاكل الاجتماعية والأسرية بالحلول الإجرائية المرضية من حيث نهج الحداثة والتنوير وعلم النفس الإكلينيكي. حقيقة أن الإدمان على ممارسة فعل السحر ما هو إلا نوع مرضي لم نستطع الحد من تجلياته الاجتماعية بل زكيناه بغيبيات بعيدة كل البعد عن روح الدين السليم، ومن خلال تعليمنا قصة (الرمح المسحور وأحمد والعفريت). حقيقة لا يمكن ربط ظاهرة السحر بالنسوة فقط فالرجال قوامون بالبيع والتوجيه ووضع المكائد الشيطانية. حقيقة لن نختلف في إطلاق أبخرة ذات روائح زكية ليلة القدر “الجاوي” و” عود القماري” ولكن نختلف في استغلال حرية الجن لتكبيل حرية الإنس في الاختيار.
بقلم: محسن الأكرمين/ مكناس
عن: فاس نيوز ميديا