من قتل الثقافة بمكناس؟، سؤال لن نستطيع الجواب عنه بالنفي أو الإيجاب، ولكننا نعلن أن دم الثقافة بمكناس تفرق شيعا بين قبائل السياسة ومدبري الشأن الثقافي، وبين نهج سياسة رأس نعامة مهرجانات لا بصمة لها .في حلقات مكناس الفكرية المغلقة يكثر الحديث عن ركود تنمية المرتبط بــ (الملاسة والمطرقة) ونتناسى مكونا ركيزا وهي الثقافة ،والفن الرزين، ورياضة جودة النتائج.
بمكناس أصبحت الثقافة هي لغة” البوز” والبحث عنها حتى بتأثيث نفس الوجوه لمجموعة المهرجانات المتراكمة، أضحت الثقافة تسوق عبر صور منمقة بالعطر ومحسنات التجميل وتحظى بالمتابعة، بات سوق التكريمات سيدة شرف الثقافة والفن بمكناس.
التباكي بالجمع عن الزمن غير البعيد، حين كانت الحركة الثقافية بمكناس تحمل مشعل التسويق الرصين للكلمة والحرف والمسرح والفن والرياضة على الصعيد الوطني، حين كانت الكلمة الملتزمة في زمن ممحاة قلم الرصاص مدوية بدون خوف، حين كان الشأن الثقافي يستنير بالحداثة و يفك طلاسم فكر “الرمح المسحور/ أحمد والعفريت”، حين كانت تلك الثقافة الراقية تنهل من الفكر النقدي التحرري، ومن حملة الرأي المضاد للاستبداد. لكن، من المؤسف أن زمن ثقافة الالتزام انتهى بمتلازمة ادفع بمهرجانات ( الغناء و الشطيح) إلى الأمام، و منح دعم تناسلها بدون استعمال حبوب منع الرداءة وتسويق الفرح المزيف.
لنكن أوفياء لروح النقد ونقول شهادة حق، ونلقي باللوم الكثيف على الفئة المستنيرة من مثقفي المدينة على اتباع حميتهم السبقية والركون إلى زاوية الانتظار، وخلق تحالفات هامشية وكثل ثقافية منزوية. من الخجل الاجتماعي أن نرفق اللوم بالمتلقي ونعترف بأن التحولات الاجتماعية السريعة قد حولته بثلاث أرباع نحو منصات (الغناء والشطيح).
من سوء الكلام والتوجيه عن الثقافة بمكناس، حين نستحضر ثقافة الدعم الملازمة لها من المال العام، من الحديث بمكناس أننا صنعنا علامة حصرية لمهرجانات أسر وعائلات، وأصدقاء الحرفة، ورواد فكرة، ومهرجانات من لا مهنة لهم. من سوء الوعي أن الثقافة بمكناس باتت تعيش زمن الصورة وتسويقها عبر مهرجانات تأثيث يوم الافتتاح بالوجوه المليحة، والختم بثقافة التكريمات. من سوء طالع التحولات بمكناس حين تغييب ثقافة الفكر والنقد واستنطاق ظلم المسكوت عنه ببوح حقيقة تجاه تنمية مدينة ووعي ثقافي ورياضي.
هي أغنية الحال “الغيوانية” لوضعية الثقافة بمكناس في ظل غياب سياسة ثقافية وفنية ورياضية واضحة المعالم بالمدينة. عندما لا نفلح في الإجابة عن سؤال، من قتل الثقافة بمكناس؟. نقول، هل الثقافة تعيش زمن الركود وتوازي ظل عطالة تنمية مدينة؟ ، نعم زمن الثقافة بمكناس تغير نحو سياسة البهرجة و” بوز” الصورة، ونحو منصات السخافة والرداءة.
قد نقسو على القيمين على الشأن الثقافي والفني بالمدينة، لكن الحقيقة تنكشف بدون منشطات محفزة. فصعب أن تلج ندوة أدبية أو علمية ولا تجد حضورا وازنا للمتلقي . من الأسف الممل حين تجد وجوها ثقافية تحتفي بنفسها (لنفسها) في طبق ثقافي مغلق و تكريمات بترتيب التناوب التبادلي. من المفزع القاتل حين تجد تلك التحولات الاجتماعية غير الحصينة تطعم شباب المدينة عبر تزكية ثقافة منصات (الغناء والشطيح).
لما لا نضع حدا بمكناس ونعلن جهارا، (كفى) من مهرجانات الدعم التي تستهلك المال العام بدون وجه حق بين في تنمية ثقافية وازنة، (كفى) من تعدد أيام المهرجانات التي لا تنقضي بتاتا طيلة السنة ولا أثر لها على تنمية مدينة، (كفى) من تحنيط فكر ساكنة مكناس وتسويقه عبر الثقافة الفنية الرخوة “الصورة/ الغناء”، (كفى) من تلك البياضات والفراغات القاتلة التي لا تستحضر الوعي الفكري بل تلعب على حركات الجسد.
بقلم: محسن الأكرمين
عن: فاس نيوز ميديا