الأكرمين يكتب..باحة التفكير الرمضانية: شعب المغرب و الفابور…

هل حقا شعب المغرب يعشق الأشياء الآتية من ” الفابور” ؟، هل حقا شعب المغرب يستمتع بالأشياء المحصلة مجانا “فابور”؟. هي أسئلة وغيرها تأتينا من زوبعة ذهنية واحدة، و جميعا ممكن أن نشعر بالفرحة حين ننال خدمة ” فابور” أو مكسبا بدون جهد ولا تعب، هي أجوبة آتية حين تسمع جملة (جابها الله)، أو بتحريف الدارجة (بيلكي).
المشكلة الظاهرة “فابور” تلبسنا بالجمع إلا من رحم ربنا، المشكلة تتفاقم حدة مع قفة رمضان ومدى التدافع لنيل مكسبها كأنها عتق من نار الفقر، المشكلة تنكشف حين تجد من لا يستحق الدعم والصدقة يتصدر الصفوف الأمامية لنيل حسنة عيد وحمل قفة (شاي وزيت وسكر) وهو بمنتهى الفرح ، وكأنه حقق الفتح البين.
” فابور” يقتل. نعم، ولنا في التاريخ المغربي ذكرى الموت (مأساة الصويرة، شهيدات الدقيق 2017) نتيجة التدافع لنيل كيس دقيق “فابور” ومدعم من الدولة . حين استفسرت صديق لي عن نشوة الشعور بـعطاء “الفابور”، أشار لي بأنها “اللهطة” التي تحرك طوائف من شعب المغرب لنيل العطايا ذات يافطة الإحسان (فابور/ بيلكي/ جابها الله )، أكد أن المغربي ألف صيغة حياة (الوزيعة/ الغنيمة)، صرح أن قيم الأنفة والشموخ قد تم تدميرها من خلال مأثورة ( جوعوهم يتبعوك) ، أكد أن حضر انقلاب شاحنة فهرول الناس نحو غنيمة الدلاح “الفابور” بدل إنقاذ و إغاثة السائق العالق بالشاحنة.
نعم، سوء التربية وتدني محصول القيم (القناعة)، والحاجة (اللهطة)غير المحددة بالأولوية اللازمة، وفاقة الفقر، وسياسة دولة في الموازنة الهادئة بصناعة السكوت، و لما حتى تعطيل حكامة صناعة محاسبة ناهبي ثروات البلاد. إنه الواقع المزري الأليم للنسخة السوداء الحديثة التي تغيب فيها العدالة في توزيع الثروة، تغيب فيها المساواة بين شعب المغرب.
تذكرت قصة حلاق عجوز فرنسي بالصدفة وتقول الحكاية، أن حلاقا كان له محل حلاقة بقلب باريس، لكنه عرف بالذكاء. فقد كان لا يأخذ المال من الزبائن بدل عمله. ففي يوم أنجز قصة شعر لسائح بريطاني و كان تاجر ماس، فلما أراد التاجر أداء الثمن بزيادة رفض الحلاق مدعيا أن غايته هي إسعاد الناس. في اليوم الموالي وهو يهم بفتح صالونه عثر على علبة بها خاتم من ماس، سعد كثيرا وعرف أنه من تاجر الماس البريطاني. وفي نفس اليوم قام بحلاقة رأس فرنسي وبنفس المبررات رفض نيل المال مقابل لخدماته بتسويغ أن من سعادته إسعاد زبائنه. وفي اليوم الموالي عثر الحلاق قبل فتح الباب على نوع من العطر الباهظ الثمن فعرف أنه هدية من الفرنسي.
من بؤس ذكاء الحلاق أنه في ذلك اليوم لم يحلق لأحد غير رأس مغربي، وبنفس سلوك النخوة الفرنسية أكد للسيد بوعزة أنه لا يأخذ مالا على خدمات الحلاقة بل انه يعشق مهنته لإسعاد الزبائن. فكم كانت فرحة بوعزة كبيرة حين لم يجبر على وضع يده في جيبه لإخراج المال مقابل خدمة قص شعره. لكن المفاجأة التي كسرت ذكاء الحلاق الفرنسي في اليوم الموالي، حين وجد صفا طويلا من الزبائن لأكثر من عشرين فردا على باب الصالون. فلما سألهم من أنتم؟ أجابوه بابتسامة ماكرة نحن من طرف بوعزة لي حسن عندك البارح “فابور”. إنها هدية بوعزة للحلاق مكافأة له.
هي قصة للتسلية ولكن لها دلالة، هي قصة لا تعمم علينا شعب المغرب بالمطلق ولكنها تصيب جزءا منا. حقيقة يجب القطع مع منظور (الفابور/ بليكي/ جابها الله)، يجب القطع مع تلك المظاهر غير السليمة من خلال تجديد القيم السلوكية و العدالة الاجتماعية، من خلال تحقيق معادلة ” أعطيني حقي من المال العام، بلا متعطيني قفة الإحسان”.

بقلم: ذ/ محسن الأكرمين

عن: فاس نيوز ميديا