علمنا المعلم أحمد بوكماخ ونحن صغارا في سلسلة “اقرأ”حلم الأمل ولو بمستوى الاعتقاد بالسحر والغيبيات السفلية. علمنا أن طاحونة الطلاسم ممكن أن تحتوي حلولا كاشفة لكل مشاكل ما يوجد بالعالم كله. لقننا أن طاحونة الطلاسم ممكن أن تكون لنا سندا في حل إشكالات الحاضر والمستقبل.
ونحن صغارا، كنا لا نفقه في المنطق العقلي البتة، لكننا تعلمنا من طاحونة الطلاسم تأجيل الحلول الممكنة، تعلمنا أن نصفق على خطابة السياسي حين يذكر اسم الملك وتزغرد النسوة، تعلمنا أن نتحد صفيرا في مدرجات ملاعب الكرة ونسب حتما الفريق الزائر.
حينها كنا نفيض فرحا بمستوى الخيال، وبوجود حلول مقدور عليها وسهلة المطية بقوة سحر طاحونة الطلاسم، وممكنة أن تحقق حتى مطالبنا البسيطة والمحدودة ” كرة من ميكة، سبرديلة بوتاج، رقعة ملعب رملي ، لعبة مسلية من جيل (لعب وكول)”.
لكن، ونحن نتعمق في موارد تعلمات الحياة لم تنفع معنا طاحونة الطلاسم في فك أسناد المشاكل المتراكمة كبرا بحجم كرة الثلج الواردة من قمة الجبل. صدمنا حين تشتت لعبة (لعب وكول) أمام أعيينا وبين أيدينا، ما نحن أكلنا غلتها الحلوة ولا نحن لعبنا بها فرحا.
عندها بدأ التفكير ينفك بعدا عن نصوص” احمد والعفريت/ الرمح المسحور/ الاسكافي والغني…” بدأ التفكير يرتكز حول تفسير الواقع بكل تجليات و البحث عن أسباب الصدمات المتكررة ضمن الحقل الاجتماعي المغربي، بدأ التفكير يتخلص من تفسير أحلام الليل، بدأ كذلك يتخلص من أحلام النهار ويفك طلاسم الحجاب عن كل المتناقضات الصارخة بمملكة الفوارق الاجتماعية، بدأ التفكير يتخلص من الاستماع و الاستمتاع بقصص “سيف بن ذي يزن ” ومن أشعار “عنترة بن شداد” والبطولات المفعمة بالطوباوية الكمية، والمغلفة بلغة أبارتايد “العبد والسيد”، حينه سقط قناع طاحونة الطلاسم أرضا.
أنا أفكر، هو التفكير الذي احتل مواقع “طاحونة الطلاسم التي حوت ما بالعالم”، فلما يتم تقييد التفكير فقط في تفسير أحلام الليل بدل تفسير واقع الشعب المتردي بالقهر والاستبداد؟. حينها نقف على أن أحلام المواطنين لا تتطلب تحليلا عميقا مادامت تنبني على الواقعية والبساطة الممكنة في حدها الأدنى ، نجد أن غالبية الشعب يحس أنه مغتصب الحقوق والكرامة من سنة (56)، نجد أن التاريخ لم يكشف بالتبرج الفاضح عن كل تجاعيد الزمن الماضي و تاريخ الفقراء والمساكين المنسي، نجد حقا أن طاحونة الطلاسم لا زالت تلون التوجيه السياسي وتجدد مضامين تحكمه وفق أنماط لغة الحداثة والديمقراطية، نجد أن الليبرالية توحشت بمغرب الفوارق الاجتماعية وأسست موقعا لها بالتناسل مع رحم الفاعل السياسي، نجد أن لغة الشعبوية والوصولية تجدرت واستندت على مركز القوة، نجد أن التيئيس أخذ منا قسطا كبيرا حد الاكتئاب من هندسة سياسة تجهل فجوات المستقبل، وجدنا أن المشاكل التي ناضل من أجلها أجدادنا (الصحة /التعليم /الشغل/ الكرامة /العدالة/ الإنصاف…) لازالت قائمة الوجود بذاتها وعالقة دون حلول إجرائية مستوفية، وممكن أن تبقى هي نفسها مطالب الأجيال القادمة . نجد أن التبخيس أصاب كل الأفعال حتى الخيرة منها، نجد أننا نحتكم إلى طاحونة الطلاسم لإيجاد حلول لمستقبلنا بالتسويف والأمل الراسب. حينها أقفلت ثقب التفكير الأسود بمضمون (أنا أفكر) وحررته لوقفة تأمل .
لن أنفك بعدا عن “طاحونة الطلاسم التي حوت ما بالعالم ديمقراطية”، وأطالبها ونحن – كبارا – بتصويب وضعية شعب المغرب نحو أفق الكرامة والإنصاف، أطالبها بأن تفك نكبات الحكومة الموقرة وتترك صندوق مقاصة الهشاشة بأمان، أطالبها بأن تنبه عيون الحكومة إلى الصناديق الكبرى التي تدعم البورجوازية المتوحشة والعائلية بلا رقيب”الامتيازات الضريبية للمقولات الكبرى، رخص الصيد في أعالي البحار، الضيعات الفلاحية الصناعية ، الصناديق الكبرى الداعمة لكبار الفلاحين… إلى غياب الضريبة عن الثروة، إلى غياب الضريبة عن الإرث البورجوازي… “.
بقلم : محسن الاكرمين/ فاس
عن: فاس نيوز ميديا