حين كنت أسير جنبا مع الموت نحو المرقد الأخير لـ (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)، شعرت بنسائم الموت باتت بضع سنين تلازمني وترافقني طوعا صحبة مع مرفقات ألم فواجع المواجع ، أحسست بدمعة عين فريدة في الأرض تسيح ماء وتتبعني بالتوازي مع خطواتي، حتى أن تلك الدمعة أسرت باليمين الثلاثي ألا تفارق مسار نقط مشيتي نحو المدفن. شعرت أن تلك الدمعة اليتيمة أشفقت لوضعية ذاتي المنتكسة ضمن مسلسل متراكمات ألم الذكريات، وزكت المورد المطير لتشاركني البكاء بالمعاودة ودون شهيق نفس. تأكدت أخيرا أنها كانت مني تفيض بسيلها العيني وتنفض كل أثر دمعاتي لسقي تراب أرض أجفً. علمت منها أنها كانت تنفس ضغط الألم المتفاقم عن قلبي، كانت تشدني شدا ودون تعفف من بكاء الرجال. كانت تلك الدمعة تتسرب إلى عيني مرات عديدة بالنزول ودون ملل ولا كلل وتعاود سيق إسفلت طريق المقبرة بنقط الحدف.
هو سمو ملك الموت الذي أبى الحضور إلى بيت الأسرة في يوم فرحة صائم وعيد، آثر على أن يلبي أوامر الله سبحانه وتعالى، أحسست به لحظات متكررة وهو يقف ببياض ثوب على مقربة من أحد نجوم إخوة يوسف، دعوت الله من كل قلبي وبمناجاتي لساني الصامت أن يرحل ويترك لمًة الإخوة بهدوء ، لكنه أبى ألا يتململ من فوق رأس من أخذه يوسف بصاع الملك.
هو ألم الموت وموجع الفراق الصادم الذي أضحى بقوة التكرار يلازم حياتي و يحتل دمعات عيني عنوة، هي الموت الحاضرة من الماضي القريب والتي لا ترحم البتة وتواكب دقات قلبي السريعة وتفكير حاضري، هي الذكريات التي تجيء وتؤذي النفس حسرة، هي الذكريات الآتية في الزيً الحربي لم تتعب ولم تذهب وما غادرت ميدان ذات فراق الماضي.
بكاؤكما… وإن كان لا يجدي فجودا فقد أودى نظيركما عندي وبقي دائم الخلد في قلبي و ملمح عيوني. لن أتحداك أيتها الموت المتعسفة بالقدرية الراضية، لن أتحداك أيتها الموت الخالدة التي تصيب الحياة الفانية، لن أعاكس يومك الموعود بالرضا والقبول بقضاء الله وقدره، لكني بنفس راضية مرضية أعلن بقاء حضور من علق بقلبي حبا وبمخيلتي الوجدانية الداخلية، من عايشته تربية، من كان يحمل جينات من بصمة روحي ودمي، أتحداك أيتها الموت أن تسحبيهم بالتمام حضورهم من قلبي ومن ويلات ذاكرتي الحالمة المتبقية.
لكن، حين تصبح الموت تهب الحياة ، حين يصبح الموت لابد منه ويتربع عرش الرحمة، حين تجلس الموت في الخفاء تناجينا بين الحياة المريرة وبين قبض ألم المرض، حين تصير الموت تستبد بكل أدعيتنا بالرحمة وتسهيل الممر نحو حياة الخلد، حينها نمشي بقوة الآلام نحو الموت، نمشي باتجاهه خوفا منه بالحتم، وهو حقيقة يطلب استبدادا ضعفنا الدنيوي.
هو واحد من عدد إخوة يوسف يا أمي ويا أبي أتت به نسائم الموت يوم عيد طلبا لجواركم الخالد، هي سنبلة أحد عشر كوكبا حضرت لتسكن بين شمس الأم وقمر الأب. قبل ختم مراسم الدفن أحسست بأيد بيضاء الكفن تتصافح وبالترحاب الموسع بالقدوم… سمعت كلمات من الفرح الدائم يلوح أفقا عاليا… سمعت كنه حديث السر في عدم الهروب من الموت مادام الفرح يشيخ ذابلا بيننا في حياة الفناء… إليك مني أيتها الموت الخالدة تحية حياة فانية وسريعة ومنها بالضبط ينبغي بداية التفكير في المآلات…
لكم جميعا من ساندني وشاركني ألمي كلمة شكر وتحية محبة موصولة…. لكم جميعا مودتي الصادقة.
بقلم: محسن الأكرمين / مكناس
عن: فاس نيوز ميديا