التسول ظاهرة اجتماعية طاغية، وأضحت ملاحظاتها كحرفة جديدة غير مصنفة ولا مهيكلة ضمن استبيانات خبراء الإحصاء والتخطيط. امتهان التسول بصفة دائمة/احتراف أو مؤقتة/هواية، أصبحت جزءا من نسيج أوسع لمهن طفيلية تجدرت بالمجتمع المغربي كالفطر السام وأينعت وحان وقت قطافها. أود أولا بأن أزيح عنكم التفكير الكلي برمينا بأن ليس لنا إحساس بوطأة أزمة الذات وكفاف الدولة المواطنة في معالجة ظاهرة التسول، بل نحن جميعا نمتلك إنسانية التضامن والإحسان وهو ما يخفف عن الدولة قفة أخلاق الرعاية الاجتماعية لكل من يعيش تحت سمائها في وضعية هشاشة.
أسباب التسول كثيرة ومتعددة، لكن الحقيقة التي يجب التأكيد عليها في المجتمع المغربي كدليل ومؤشر أحمر بعلامة (قف). الوضعية الاقتصادية والسياسية والثقافية غير المتوازنة التي تستبيح كرامة المواطن وهوامش الدولة النائية. ومن بين الإحصاءات المرعبة والتي نستوثق من صدقها الدلالي عددا تقديريا للمتسولين بالمغرب حسب إحصائيات وزارة التضامن و الأسرة و التنمية الاجتماعية، وصل إلى حوالي 250 ألف ، منهم( 51.1% إناث و 48.9% ذكور ، 62.4% يمارسون التسول الإحترافي، و يشكل الأطفال منهم نسبة 10% بمجموع 25 ألف طفل متسول) بينما عدد المتسولين مثلا في مصر( 49ألف متسول رغم الكثافة السكانية/ رقم غير موثوق من مصداقيته) .
إن خريطة التسول في مملكة الفوارق الاجتماعية قد تختلف مجاليا وزمانيا، لكن أوجه التشابه تتمثل في ألوان طيف المتسولين، حيث نجد اكتساح ساحات التسول من طرف الروافد البدوية المحيطة بالمدن والتي تشكل العش المفرخ لخريجي المتسولين المصدرين طوعا أو قصرا إلى ما يشابه حواضر التمدن بحكم مواقع شوارع التسول ووقت ذروته .
ألوان طيف المتسولين تختلف باختلاف منظومة حالة التسول من الاحتراف و الهواية ، فالمحترف /المحترفة يتقمص دائما دور المعاق بالحقيقة أو بالتزييف أو المرض المزمن. أما الفئات العمرية فهي تتحدد غالبا في المسنين وخاصة النسوة، فيما التسول الهاوي فهو يجمع جميع الفئات العمرية ويتم بالتقطع الزمني وخلال المواسم والأعياد الدينية.
إن البدائل كيسها الممتلئ تسكنه المعيارية، لذا لا بد من اعتبار ظاهرة التسول بالمغرب نشرة إنذار لكل المسؤولين الحكوميين عامة. أود الإشارة على أن معالجة ظاهرة التسول لن تتم بتأجيل (العدالة الاجتماعية)، بل بالاستعجال والحزم التام في المعالجة الفورية، و دون إنكار وجه الفقر المخيف على ضمان السلم الاجتماعي، وكذا من خلال تنقية مستنقع تفريخ المتسولين الجدد، فضلا عن تفعيل المقاربة التضامنية الإدماجية السليمة، ولما حتى تفعيل المقاربة الزجرية القانونية.
فغالبية المتسولين يحملون حقدا اجتماعيا على اعتبار أنهم ضحايا إهمال اجتماعي، أو ضحايا سياسة دولة متفاقمة ( الدولة لي ما مسوقاش للمشاكل ). لذا قفة رمضان وما شاكلتها من عطايا الإحسان سواء كانت (بريئة غير بريئة) لن تحل المشكلة المتفاقمة للتسول ، لن تزيد العدد إلا نسبة تصاعدية (ها هنا قاعدون).
هي المقاربة الكلية التي نود الإشارة إليها بالتفكير في إصلاح هيكلي يوًفي استفادة المغاربة من خيرات عوائد الدولة من المال العام وتوزيع فوائد نتاج الثروة الوطنية بعدالة اجتماعية، هي المقاربة الدستورية في العيش الكريم و أخلاق العناية التضامنية التي تحف عنق الدولة لزوما، هي التربية و توطين قيم الأنفة والعمل الجدي لكسب مورد العيش بدون تدليس (توفير العمل/ العدل/ الرعاية الاجتماعية…). الأهم ما استفزني هو الرقم المخيف (250 ألف متسول) ويزيد استفحالا مع حجم نزوح الأفارقة و اللاجئين السوريين المتواجدين على تراب المملكة.
بقلم : محسن الأكرمين/ مكناس
عن: فاس نيوز ميديا