مرات عديدة تركب غمامة صيف متموجة بتقطع الظل وتوجه دفة حياتي نحو تفكير الثقب الأسود، مرات عديدة ممكن أن أجد نفسي مشدود الرؤية في لوحات طبيعية تعتمر ألوان ظلام ترميد العيون. هي الحياة التي علمتني أن تعريف الفرح ما هو إلا فترة وجيزة المقاس بين فواجع الأحزان، هي التجارب الصادمة التي ممكن أن نحيى من خلال رمادها ثانية مثل طائر الفنيق.
أصدق لحظات المكاشفة العارية حين أفكر بالسؤال عن أوجه الفرح الزائف والحامل لألوان وصوت حفيف أوراق خريف ، حين أقف بعلامة ترقيم استفهام أمام وجه ثوب الحقيقة النقب و الأخرق، حين أكتشف أن سر الفرح ممكن أن يشيخ كبرا ويذبل بين أيدينا ونحن شهود.
في كل ليالي الصمت المتتالية بالدفع والتزاحم، تحضر باقة الأجوبة العالقة بالتقطع من ذلك الثقب الأسود الذي لا ينفتح إلا بسر تعويذات آتية من كلمات شبح الصمت، تحضر تلك الوجوه التي عشقناها حبا و ألفنا وجودها أمام مرأى العيون، تحضر تلك الأماني الحالمة، يحضر العطر الطبيعي وتغمض العيون تأملا، تحضر رؤية من هو ممكن الوجود بابتسامة ثغر شفاه الحياة، تحضر الذكريات التي تؤدي الشعور الداخلي والإحساس وهي تلتحف ضمير الأنا الأعلى و مفارقة موت العلاقات الإنسانية وبداية حياة الانزواء.
كنت أعلم أنني أكره الصمت لزوما باعتباره استبدادا تحكميا، ويمارس علي خنق أفكار الأنا الولود، كنت أكره فراغ الأمكنة من الشغب الضاحك والتي يخيل لي أنها ممكن أن تحتلها الأشباح الآتية من الحياة السفلية، كنت أكره فراغ القلب من الحب لأنه كان يضيق اتساعا ولا يوزع طاقة الحياة نحو عقل التفكير.
حين يتم استحضار كل الأجوبة الممكنة و الموقوفة التنفيذ من زمن الماضي بالفرز و الإفتحاص، وجدتها حقيقة أنها تهرب من رؤية عيوني ومن لمسة أصابعي السمحة. وجدتها أنها تتستر وراء آهات، ثم آهات مميتة وليست مفرحة بالبتة، وجدتها لا تعرف معنى حقيقة الصدق و الوفاء ولما حتى أحلام رؤية ساطعة.
ضمن متغيرات صمت الليل الساكن بهدوء تمدد أطراف الحياة، أحس بظل خطواتها مرات عديدة تهرب من ملمج عيوني، أحس بأنها دائمة الحضور بقلبي وتستبيح حضور تفكيري. من محاسن صمت تفكيري أريج عطرها الوافد من لمسات خطواتها بامتداد دقات أرض مرتجة. من مساوئ صمت التفكير أن كلماتي باتت تأتيني من بذاءة هجاء الحطيئة و نقد الفرزدق اللاذع. من مساوئ صمت التفكير أن مفردات الفرح باتت تسقط مثل أوراق شجرة غير نافضة.
ما أصعب خوض تجربة كشف المستور عن ثقب تلك الذاكرة السوداء، ما أسلم التفكير في استعمال السؤال في رحم ولود لا صمت فيها، هي التجارب التي علمتنا أن من السؤال تبدأ الحياة.
بقلم: محسن الأكرمين/ مكناس
عن: فاس نيوز ميديا