تلتحف تيللي حائطا قرمزيا وهي جد ثملة من كمية شربة نبيد حب معتَّقَة، تميل يمنة ويسرة وتتلهف لعناق من إيثري المحاذي لها بقد علو الجسدين. في نشوة سكر حبها، كان إيثري يتردد مرات عديدة من اقتحام جسدها الذي بات لا يتحكم في أحاسيسه الداخلية إزاء وجوده الحاضر بالمماثلة.
تنازل بالعود وراء، وبالابتعاد المفزع للغرائز الباطنية ولو بالكبت، فيما ألقى بتلك النظرة السماوية الكاشفة لتحتل المكان والزمن، وتتودد اكتشاف أقرب لمسة لرطب جسد أنثى تشرب نبيد الحب الفاضح نهارا.
هو اليوم ليس كعادته وقد بدا عليه نضج فكر الرحالة المتنقل في طلب قلب الحبيب بعيدا عن ذكر مطلع ديار الأطلال، هو إيثري في رحلة البحث عن حب أنثى تغيره كليا من الداخل وتدفع به قدما إلى التخلي عن منغصات الحياة المستحدثة ، ومواجع ألم اللواحق. من خلال تصرفاته العاقلة بين ثنايا قضايا الماضي والمستقبل، تغير إيثري وأصبح خارجيا يحمل حب هموم الشعب والتفتيش عن الحلول السلمية والعادلة لها، أصبح ذا نزعة إنسانية انسيابية تقتفي مواضع معاناة ناس مدينة المقدمة بالإحساس و التبني.
من نضج حياة إيثري التفكيري بالتحليل، حين فسر ولادة الحبلى بلا ألم الطلق بالطريق السيار المسدود أمام الجنين وممكن أن تكون الولادة منتكسة، حين آمن بأن الألم المتكرر بالشدة هو من يولد الحياة الجديد حتى ولو ببكاء الوليد، آمن بمعتقد مولدة القرية (أمي صفية) في أن الولادة لا بد لها من حبل الشد لإفساح صعود الألم علوا وولادة حياة جديدة.
على طريق المنحدر و في زاويته الغائرة من الجبل، لا تكترث لحظتها تيللي إلى مفهومي الماضي والمستقبل و صراع الأجيال، لا تفكك بنيات أحداث الماضي بالفرز و التحليل والنقد، لا تجعل من المستقبل رمز وهم نافض بالمساوئ، بل ترى في الماضي الثوابت والقيم، وفي المستقبل الآتي رؤية حلم أمل معتدل بمواقع الأحداث والمواقف الرزينة.
يقترب ايثري بماضيه الثقيل نحو مستقبل أمل روح تيللي، هو يتجاوز فهمنا للزمن ودلالات التاريخ المكتوب والمنسي، هو يريد أن تحمل أفكاره الزمن الحاضر و به يتحرك بالبدء من الماضي باتجاه المستقبل.
خلوة المنعرج الغائر وتيللي في نشوة سكر حبها باديا من عيونها العاشقة لروح وقلب إيثري، حين اقتربت الأجساد انتقلت و انقلبت العيون إلى مرايا كاشفة للقلوب الصامتة بالحديث المباح، بدت كل المؤثرات الجانبية والمزعجة لا تستكين حضورا باحتمال حدوث قبلة قلوب المرايا.
قبلة رمش الجبين، أحدثت حرارة الأجساد، فالحب مثل الفخار كلما أحمي موقده كلما كانت روح العناق وحدة حرارية عالية، هو المنحدر الغائر الذي يوازي موقعه البحث عن الحقيقة المطلقة للحياة ، هي عيون القلب التي صنعت حب مدينة المقدمة في ذلك الحي غير النائي عن دوشة المدينة.
بقلم : محسن الاكرمين/ مكناس
عن: فاس نيوز ميديا