الأكرمين يكتب..من وحي خيال “ويلات ذاكرة حالمة” : نقط بن قهوة سوداء متتالية

مرآة فراش صبح،
اليوم لم ألملم كلماتي بتمتمة دعاء صبح النهوض من موضع فراش النوم، اليوم نظرت إلى المرآة التي أمامي فارتسمت صورتي متجهمة من حنق مغادرة النوم لمخيلتي باكرا. لم أمهل صورتي العبوسة بالتأمل بل فارقتها بالانسحاب بلا أثر ردة عاثرة. تركت تلك الصورة اللاصقة بالمرآة تتساءل لما طلقتها صبحا بدون سلام ولا تحية مرفقة ببسمة.

براد شاي،
ليس من عادتي شرب عصير الشاي الساخن صبحا، لكني ومادام المزاج غير مستوية أوتار نغمته الارتدادية، قررت شرب كأس شاي بدون نعناع مكناسي، فمادام النعناع يحمل أثر الأدوية بكثرة المعالجة والتدليس الصحي فلن يدخل بعد اليوم براد بيتي. حين نظرت إلى كأس الشاي بالتأمل وجدته يميل إلى السواد و يكسر لون الصفرة المعتاد، تشاءمت من منظر الشاي الصيني الأسود ووضعته جانبا وانسحبت هاربا من صبح البيت.

الكرموس الهندي،
في أول خطوة لي حين لفظني الباب بالخروج بلا فطور ولا ابتسامة تصالحية مع مرآتي البعيدة. لم أتيمن في مشيتي بل سرت باتجاه اليسار وأنا ألعن كل الشياطين التي تسكن يسار يدي كحارسة أمينة ومحركة للشر البشري بمدينتي النائمة. في رأس الدرب، وقفت عند كريسة الكرموس الهندي و دون تحية ولا سلام عمل على تقشير أحسن ما عنده من الهندية الجبلية. حقيقة كان مذاقها لا يحمل أي أثر أدوية النعناع السامة، غير أنها كانت تحمل أثر نذوب الهشاشة الآتية من موطنها الأصلي البئيس بالمواجع والفوارق الاجتماعية، فهي تتزين بشوك الدفاع عن أنفتها الداخلية، و ممكن أن تستدعي لك سيارة الوقاية المدنية لتخليص الأمعاء من مخلفات حربها الداخلية.

سيارة النفخ،
حارس الليل مول “الجيلي” الأصفر، ولا نضال مع الكرامة شعب المغرب، بل هو ممن يستغلون جيوبنا بانتظام طيلة تحركاتنا اليومية بالمدينة بلا حسيب و لا رقيب. ألقى علي العساس التحية الطويلة كان جوابي أشد اختصارا. مددته بالمعلوم الشهري و زيادة، فانتقل إلى الدعاء المستفيض ومر بكل أسماء الأنبياء و الرسل حتى الأولياء الصالحين تم استغلال كرمياتهم الماضية في الدعاء لي بوفرة مال العطايا والكرم، حتى توقف قول دعائه بمتم ضريح سيدي سعيد مرقد الولي الصالح أبو عثمان سعيد بن علي، فقلت في نفسي” واه !!!” على صبح برفقة سيدي سعيد (الحبس والسبيطار)، لكني تذكرت أن السجن نقل إلى تولال، و السبيطار أصبح في خبر كان. لم أتمم علامات الاستفهام الداخلية بتفكيري، حتى أخبرني أن عجلة السيارة نائمة، قلت له: وعلاش أنت داير عساس و لابس “جيلي” أصفر، سير فيقها؟. تبسم وقال، دخل فيك مسمار و”تفشات الرويدة” حتى طاحت للأرض، تساءلت بغباوتي المعتادة، واش المسمار دخل في “الرويدة “ولا هي لي دخلت فيه؟.

كاميون النظافة،
في ركن غابر انتظرت الطاكسي الأزرق الذي يظهر ويختفي مثل الثعلب الخاطف للزبائن باختيار الجنس و الأناقة و الإكراميات، انتظرت وكل من أشير إليه بالوقوف لا يبالي ولا ينظر إلي رأفة من برد الشتاء. اشتد البرد على جسمي من شدة حراك ريح شمالية، حينها قررت الخروج من ظلي لعلي أجد من ينقلني إلى موطن عملي. بعد خطوات محسوبة بعدد البضع من عشرة تلقيت تدفق رشة ماء مكتنزة من عجلة شاحنة ديال النظافة . أصبح منظري يحمل كل دهون الطريق وروائح ما تحمله العجلات، وزاد منظر قسوة البرد على جسدي شعلة تدمر تفكيري و نحس بداية يومي.

فراش النوم،
نظرت إلى اليسار فتحسست من الشياطين تضحك بتهكم علي، وجدتهم في نشوة التحدي حين لعنتهم صبحا وأيقظتهم باكرا ولم ألتمس منهم رد سلام الصبح ولو بلغة موليير، تيمنت بالرجوع إلى الدار وليس إلى المنزل مادام هذا الأخير قد انتقم مني حين خرجت منه بلا كلام ولا ابتسامة. أول ما فعلت في الدار كررت الرجوع إلى الفراش وأنا ألعن ” السياسة والسياسيون، والروس واليابانيون، والدول الامبريالية بالجمع” ومن من زاد في الزمن المغربي ساعة ثابتة .

جرس الديك،
لم أستسلم الليلة للنوم، لم ترتد عيوني نوما بسلطة التفكير الممل المتكرر مثل الناسخ الأسود (كوبي كولي). لكن، غفوة النوم الصغرى أيقظني منها ناقوس ديك ساعة أيام زمان. توكلت على الله وقلت في نفسي ( سبحان الله الذي أحياني بعد موتي الليلي) من غياهب سوء ذاكرتي، رغم أني لم أتمتع بمذاق نوم لذيذ منذ أن وضعت تلك المرآة أمام سريري.

مرآة الابتسامة،
ابتسمت بعد استبعاد التجهم عن سريري، لتخاطبني المرآة: ابتسم و اطرب فلو قارنتها قضيت عمرك كله متأما. ضحكت من دعوتها إلى الابتسامة ، فكيف أطيق أن أتبسما وهي خانت عهودي؟. لكني ورغم من ذلك تبسمت من ذكائها فهي تعرف نفسيتي بامتياز، وتساير أيام توتراتي وضحكي، وتبحث عن اسم لحبيبتي ولو بحروفها الأولية .
تركت المرآة دون أن أرسم على زجاجها النير البياض بسمة و لا اسم حبيتي التي أخلفت وعدها لي. تركتها تلملم بقايا قسوتي عليها، تركتها مع قصيدة إيليا أبو ماضي، وأسرعت إلى عصارة النقط السوداء المتتالية من بن قهوتي المر المذاق، حينها سمعت مول الهندية ينادي” الهندية والموس من عندي..” ، ثم مول النعناع يردد لازمة ” نعناع مكناس”، فيما أثر تسميم النعناع أصبح حديث الشارع، ويأبى البائع بربطه حتما بتسميم مدينة مكناس كليا.

بقلم: محسن الأكرمين / مكناس

عن: فاس نيوز ميديا