الحمليلي يكتب : انعكاس مفهوم الديمقراطية والمساواة بين الجنسين على وضعية المرأة في المغرب

أجمل ما قيل عن المرأة بأنها مثل العشب الناعم ينحني أمام النسيم ولكنه لا ينكسر للعاصفة .
تحية إجلال وإكبار لكل نساء الأرض الملهمات المهيرات المناضلات والحقوقيات ،تحية فخر واعتزاز لكل النساء المقاومات المدافعات عن الكرامة والعدالة والمساواة والحرية .
إن ربطنا للمساواة بين الجنسين كما جاء في عنوان المقال بالديمقراطية لم يأتي صدفة ،وإنما عن قناعة بأهمية الديمقراطية وسموها على باقي الحقوق الأخرى ، فلا يمكننا تصور المساواة ولا الكرامة ولا الحرية ولا العدالة ولا أي حق آخر في ظل غياب ديمقراطية حقيقية أو بتعبير آخر ديمقراطية الديمقراطية ،لذلك يبقى المطالبة بالديمقراطية أهم ما ينبغي التركيز عليه من طرف الفاعلين والحقوقيين وعموم الشعب المغربي .
لذلك أحيانا تنتابني لحظة غضب وتذمر ممن يطالبون بحقوقهم من مساواة وكرامة وعدالة … ويتناسون أن الديمقراطية هي مفتاح كل هذه الحقوق ،وأن المدخل الأساسي وليس الوحيد للديمقراطية ببلادنا يتجلى في المطالبة بملكية برلمانية ديمقراطية ،وهذا يثبت أن الملكية الحالية بعيدة عن الديمقراطية الحقيقية رغم كل الشعارات التي ترفعها .
إن مشكل للامساواة بين الجنسين غير راجع للقوانين الوطنية ولا للدين ولا للنساء أنفسهن ولا لتسلط بعض الرجال وإنما راجع بالأساس الى غياب ارادة الدولة ،فلو أرادت الدولة أن تحقق هذا المبدأ لنزلته على مستوى مؤسساتها أولا ، ومن هنا يمكننا أن نتسائل كم هي نسبة تمثيلية النساء داخل البرلمان ؟
وداخل الحكومة (حكومة عبد الاله بن كيران الأولى كانت بها وزيرة واحدة من أصل 40 وزيرا) ،كم هي نسبة تمثيلية النساء في الوظائف السامية والوظيفة العمومية ؟
كم عدد الولاة والعمال النساء مقارنة مع الرجال ؟ كم عدد السفراء والقناصلة النساء مقارنة مع الرجال ؟.
اذا المشكل موجود في الدولة هي التي لا تريد للمساواة بين الجنسين أن ينزل على أرض الواقع ،بل حتى الأحزاب لا تتبنى هذا المبدأ ،فمن أصل 38 حزبا نجد أن حزبا واحدا ترأسه امرأة ،كما أن لائحة النساء ليست في صالحهن مطلقا.
ولكن في ظل ديمقراطية عادلة ستحظى النساء بتمثيلية حقيقية متساوية مع أخيها الرجل داخل أجهزة الدولة والأحزاب ومجالس الجماعات والجهات .
هكذا وبالتالي بدل أن نطالب بمساواة فعلية علينا أن نطالب بديمقراطية جديدة ،لأنه مهما ناضلنا سنجد أنفسنا ندور في نفس الفلك ونناضل من أجل نفس الديمقراطية الموجودة الآن وإن كانت مزيفة.
كذلك هناك نصوص دينية وتراثية تشكل بدورها عائقا أمام تنزيل مبدأ المساواة بين الجنسين ،خصوصا وأن المغرب ينهج مقاربة دينية ويجعل من إمارة المؤمنين مؤسسة دينية قائمة بذاتها.

ومن هنا وجب علينا أن نتسائل من أين سننطلق عند مطالبتنا بالمساواة بين الجنسين ،هل سنعتبر النساء فئة من المجتمع أم سنعتبر قضية المساواة قضية وطنية مجتمعية تهمنا جميعا رجالا كنا أو نساء.

لقد عرف المغرب قبل سنة 2004 حراكا حقوقيا نسائيا كبيرا ، من أهم ما طالب به هذا الحراك هو تمكين النساء من مطالبهن وحقوقهن كاملة ،كما طالبن بإلغاء مدونة الأحوال الشخصية أنذاك واستبدالها بمدونة أكثر تقدما وانفتاحا .
توج هذا الحراك بإخراج وبتنزيل مدونة الأسرة الحالية الى الوجود سنة 2004 ،والسؤال هنا هو : هل استطاع المشرع المغربي من خلال مدونة الأسرة المغربية أن يكرس مبدأ المساواة بين الجنسين ؟!.
عند تنزيل مدونة الأسرة اعتبرت بأنها القاعدة المحددة للشروط والواجبات والحقوق في الحالات العائلية كالخطبة والنكاح والطلاق والنفقة…وغيرها.
جاءت هذه المدونة أساسا لأجل حماية المرأة والطفل والأسرة عموما وحفظها من التفكك محاولة ما أمكن ابعادها عن أبغض الحلال .
وبالفعل كانت مدونة الأسرة أنذاك متقدمة عن المدونة التي كانت قبلها ،بحيث أنها تضمنت مواد كانت تعتبرها الحركات النسائية الحقوقية ملحة جدا وذات أولوية قصوى،
فمن بين المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة الحالية ولم يكن منصوص عليها في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة :

  • تحديدها لسن الزواج في 18 سنة للفتاة إسوة بالفتى ،بعد أن كانت محددة في 18 سنة للفتى و15 سنة للفتاة ،لكن ما يعاب على مدونة الأسرة في هذا الباب أنها لم تنجح في الحد من ظاهرة تزويج القاصرات ،فقد تم تسجيل 33 ألف حالة سنة 2009 ،مقابل 30 ألف حالة فقط السنة التي قبلها ،ومن هنا نستنتج أن القوانين لا تصمد أحيانا أمام الأعراف والتقاليد ،فالعرف قد يكون سببا في خرق وتجاوز كل القوانين .
    أيضا من بين المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة الحالية أنها وضعت رعاية الأسرة تحت مسؤولية الزوجين بدل أن كانت تحت مسؤولية الزوج فقط في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة ،كذلك نجد أنها رفعت الوصاية والحجر عن النساء الراشدات ، كما أنها جعلت الطلاق بيد القضاء يمارسه الزوج والزوجة على حد سواء ،وهذه إحدى أهم المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة الحالية ،لأن الطلاق سابقا كان يمارسه الزوج ولم يكن تحت مراقبة الجهاز القضائي وبالتالي كان يقع الطلاق أحيانا لأتفه الأسباب ويعرض الأسرة بكاملها للتشتت وما قد يصيب الأطفال جراء ذلك.
    كما أنه استطاعت الزوجة في ظل مدونة الأسرة الحالية الاستفادة من الأموال المكتسبة أثناء قيام العلاقة الزوجية بعد الطلاق .
    ختاما: أود التذكير بأن مدونة الأسرة لم تأت هبة من المشرع المغربي وانما جاءت نتيجة حراك دام لسنوات طويلة أثمر مدونة بها عدة مكتسبات لم تكن في السابق ، لكن وبعد مرور 15 سنة على العمل بهذه المدونة وبعد ظهور كل ثغراتها وعيوبها ،وجب الآن على المشرع المغربي أن يعيد مراجعتها بشكل جذري ولم لا نرى حراكا حقوقيا نسائيا من جديد يطالب بإلغاء وتعطيل مدونة الأسرة الحالية وتغييرها بقانون أسري أكثر تقدما وانفتاحا.
    بقلم عثمان الحمليلي.

عن موقع : فاس نيوز ميديا