واقع الأمن بمكناس..
أهو انفلات أم مجرد تراخٍ أمني؟
بعدما استبشرت الساكنة المكناسية خيرا، بتدشين مقر الولاية الأمنية الجديدة، وأسالت الصحافة مدادا كثيرا في تقويم تجهيزاتها وتثمين مرافقها وأجهزتها.. لم ترتق مصالح الولاية وأجهزتها إلى مستوى الطموحات المنتظرة من منها من لدن النسمة المكناسية، فعلى ما يبدو أن الأمن ليس رهينا ببنايات وتجهيزات وواجهات زجاجية ساحرة، على الأقل ذلك ما تلوكه الألسنة المكناسية، حيث أصبح موضوع تدني مستوى الحضور الأمني بأحياء المدينة عامة، وبؤرها السوداء خاصة حديث كل الناس، تلوكه كل الأفواه..
ويكفي أن نستحضر الواقعة الأليمة التي راح ضحيتها طفل في عمر الزهور، بحي بني محمد العتيق، واستحضار المسيرة المحتجة والمنددة بالجريمة، وبالتراخي الأمني، بعد تشييع جنازة الطفل ونقله إلى مثواه الأخير، ومشاهدة فديوهات الأم المكلومة وهي تشرح كيفية تعاطي الدائرتين الأمنيتين اللتين قصدتهما قصد مساعدتها، ليظهر حجم التراخي الذي يعرفه الشأن الأمني بالمدينة والولاية، والذي قد يعزى حتى للمساطر والقوانين.. الجاري بها العمل في هاته الوقائع، ولكن لم يعد ممكنا غض البصر عنه من طرف الساكنة..
وللإشارة -تمثيلا لا حصرا- فمناطق مثل “أكورا” حي سيدي بابا، تصنف بؤرة من البؤر السوداء بالمدينة، حيث تشهد يوميا -ليلا- معارك طاحنة وشجارات مستعرة، بين المدمنين والمنحرفين والسكارى، أفرادا بل فرقا في بعض الأحيان، مدججين بمختلف أنواع الأسلحة، وكأنها ليالي السكاكين الطويلة! فيتأذى المواطن الآمن في سلامته البدنية والنفسية وممتلكاته وسيارته..
والبؤر السوداء معروفة لدى ولاية الأمن، وإن جهلتها فيكفي أن تتبع خريطة مقرات شرطة القرب الموصودة لتعرفها، فتقوي حضورها بها، لتعزيز الأمن وتحصين المواطن، الذي بات يترحم على “كرواتيا” وفاعليتها، ويناشد الولاية التواجد عبر حملات أو عناصر تتردد بشكل منتظم على هذه البؤر..
وللتذكير فقد اطمأن قلب الساكنة قليلا في عهد الولاية الأمنية السابقة، ربما لسياستها الأمنية المحكمة، ويقظتها المتواصلة، وحملاتها الاستباقية المثمرة.. وانعكس ذلك الاطمئنان على لسان الصحافيين وأقلام الصحافة، ومواقع التواصل الاجتماعي.. ويمكن العودة للشبكة العنكبوتية ومقارنة كثير من التدوينات والمقالات التي كانت تثني على عمل الولاية ومصالحها وأجهزتها ودوائرها.. وأصبحت اليوم تصف الوضع الأمني بالانفلات..
ولئن كتب أحد عن الشأن الأمني بمكناس، فغيرة على هذه المدينة وخشية على أرواح المواطنين، وسلامتهم في مالهم وبدنهم وعرضهم، وتعضيدا لعمل الولاية، التي قد تكون تعاني من مشاكل مادية ومعنوية وبشرية.. تحد من فاعليتها، ولكنها حتما لا تخلو من طاقات فاعلة، تخطيطا وتكتيكا وتنفيذا.. وعلما بأنه لا يمكن القضاء على الجريمة بالاعتماد على الأجهزة الأمنية لوحدها، ولكن الطموح الاجتماعي المكناسي هو خفض منسوبها ، بالرهان على الحملات الاستباقية، والحضور القريب والآني، وكذا التربص واليقظة المتواصلين، والأهم الاستجابة الفعلية والمستعجلة لنداء المواطنين.. فما أجدى تعميم هواتف قاعة الاتصال بالولاية، الذي مثل فعلا أمنيا حديثا ومتطورا ومثمنا.. ولكن أجدى منه الاستجابة المعجلة للنداء، والحضور بعين المكان، لإزالة التهديد، وتحييد الخطر، قبل ارتكاب الجريمة أو الشروع فيها. وهنا تجدر الإشارة إلى أن تحسين الخدمات الأمنية وتجويدها، وإن كان القسط الأوفر منه يقع على عاتق ولاية الأمن بمختلف أجهزتها ومصالحها، فإن المواطن ليس معفى من المسؤولية، لذلك ينبغي فتح أكثر من قناة للتواصل مع المجتمع المدني، والبحث عن أساليب جديدة وناجعة، من صميم مقترحات المجتمع وحاجاته، لضبط الأضناء، وتوقيف المجرمين، وخفض منسوب الجريمة.
وختاما، فإن المدينة لا تشهد انفلاتا أمنيا بل تراخ، تتطلب مجاوزته فتح الأبواب على المجتمع المدني، وتشبيك الأيدي، وتضافر جميع الجهود.. فالله الله في مكناسة الزيتون، والأمن الأمن لأهلها الطيبين، وتحية واحتراما لرجالها المتفانين، من أمنيين وغير أمنيين..
زهير اسليماني
عن موقع : فاس نيوز ميديا