الجزء الأول. عبد الرحمن المجذوب.
زمن أولياء الله بالاختلاف،
قد لا نفقد حبل الاختلاف إن قلنا أن لكل زمن أولياؤه الصالحون، قد نوثق العهد بيننا بأن من مضى من كرامات أولياء الله فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فيما الخلف فالخوف يلازم من يزامننا. قد تصيبنا الحيرة حين أصبح سياسيو العهد الجديد من أولياء “كريمات” الريع والفساد بدل الكرامات الربانية. قد نبرهن قولنا بحرف توكيد ونقول، أنهم أصنام ناطقة بالسفسطة المملة من صناعة “ماركة”مريدين مبنجين بالغوغائية الفاسدة، وممكن أن يكونوا من ابتكار أتباع مصالح النفعية، و سياسة “تيلي كومند”.
أولياء الله الجدد في السياسة ّماركة” مسجلة – صنع بالمغرب- بيدها يتكدس المال ومتحكمة في قبة القرار التشريعي. أولياء الله الجدد يمكرون باللسان (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [سورة الأنفال: آية 30]، وليلة الفضيلة”باينة”.
بين المصلح الزاهد في الدنيا في الزمن الماضي وأولياء الله الجدد، بون شاسع من المفارقات العجيبة، مساحة منمقة بالتحلية البشرية والتزكية الربانية عند متصوفة القيم العادلة والبعد الإنساني في الماضي، بينما يركب حاضر أولياء الله الجدد التجميل المستورد و عبادة كراسي التحكم من قاعدة (وأنا وحدي نضوي البلاد، ولا نطير في السماء وحدي ، ولا نحرث الأرض بالتويزة …).
مولانا سيدي عبد الرحمن المجذوب،
هو الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن عياد بن سلامة بن خشان الصنهاجي الأصل، الفرجي الدكالي، عرف باسم المجذوب، هو سيدي عبد الرحمن المجذوب (توفي سنة 1568 بمكناس وبها دفن)، هو شاعر صوفي ناسك متعبد، ترك أثرا شعريا من الأزجال كذخيرة لازالت حاضرة في ذاكرة المأثور الثقافي الوطني والمحلي عرفت باسم (الرباعيات)، والتي تنطق بوجه الكشف الفاضح عن ملامح مجتمع مكناس في ذات الحقبة التاريخية.
عندما يشكل علينا التعبير بمستوفي القول حاضرا، نعود لماما لنستقصي من حكمه و أشعاره القول السديد في معالجة ندوب الحياة المتزايدة، هو عبد الرحمن المجذوب الشاعر المتصوف والزاهد في حياة متاع الغرور، هو عبد الرحمن المجذوب الذي علمنا بصدق في مكناس أحوال الناس بالتنوع والتمييز بين صدق القول و بين تبييت النيات الفاسدة (ولد الناس لا توصيه، يكبر ويوصل لناسو، وحيط الرمل لا تعليه، يعلى ويرجع لساسو)، هو عبد الرحمن المجذوب الذي لازالت كرامات أقواله نستشهد بها في حياتنا الجماعية بمكناس (اللي حبك حبو، وفي محبتو كون صافي، واللي كرهك لا تسبو، وخليه يلقى العوافي).
مريدو سيدي عبد الرحمن المجدون،
شتان قولا بين أتباع الماضي في تحمل العرفان الرباني والقيم الإنسانية السليمة والمعالجة لقضايا الناس بالحكمة، شتان قولا في أتباع الحاضر وفكر أولياء الله الجدد (المنشار طالع واكل نازل واكل) ولغة الخواسر. بين فضائل كرامات الماضي ونفعية الحاضر لن نبخس المفاضلة التاريخية بل هي للعبرة فقط.
هي (رباعيات) شعرية صوفية حملت إلينا تصورا حافلا بنكهة التربية و التعليم والموعظة الحسنة، هي رباعيات نافذة في نقد “الخلق/ عباد الله”، في معالجة إشكالات دنيوية، ومعاملات ذات حمولة اجتماعية وسياسية ومعيشية.
هي (رباعيات) ناسك تحمل فصول دستور لميثاق أخلاقي لحظة زمانه، تحمل زرع الأمل في معادلة الحق والمساواة ، تحمل إقرارا بنيويا أن المجتمع بمكناس منذ القدم كان ينتح اختلالات ومفارقات اجتماعية متباينة.
صبر ناس مكناس،
من أدعية مولانا سيدي عبد الرحمن المجذوب الباقية مثل النحت في الحجر “صبر
ساكنة مكناس غير المحدود”. صبر يماثل طابعا بريديا لاصقا يحمله كل واحد بمكناس على جبينه، وبه يفرز عند
تصنيفه ( يا صاحب كن صبار اصبر على ما جرى
لك… ارقد على الشوك عريان حتى يطلع نهارك… نرقد على الشوك عريان او نضحك للي
جفاني… نصبر لنعوس الأيام حتى يأتي زماني).
علمنا مولانا سيدي عبد الرحمن المجذوب أن الصمت من حكمة الفكر، وأن السؤال
لن يكون علويا بالسماع، بل يستقر في الصدر الصامت (ساكتة وتحمد الله، وتتمنى الفرج
من الله).
الصمت حكمة ومنه تتفرق جميع “الحكايم”،هكذا نطق الشيخ الرزين
( لو ما نطق ولد اليمامة ما يجيه وليد الحنش هايم… الصمت الذهب المسجر و الكلام
يفسد المسالة…إذا شفت لا تخبر و إذا سألوك قل لا، لا). حقيقة قارة و عادات بقيت
سائدة فينا كمجتمع يحب الصمت ويقلل من السؤال و مكره الوافد من الإجابة، حقيقة
أضحى وسطنا الاجتماعي يرفض الإجابة عن الواقع غير المرتب بمكناس،(نوصيك يا واكل
الراس في البير ارمي عظامه… اضحك و العب مع الناس فمك مثن له لجامه… يا زارع
الخير حبة يا زارع الشر ياسر… مول الخير ينبا و مول الشر خاسر)، يبقى السؤال مغيبا
بمكناس بأدوات الاستفهام التحليلية، متى وأين، وكيف…؟ إلى حين صفاء الحال بتعبير
ناس الغيوان.
(يتبع بالجزء الثاني).
عن موقع : فاس نيوز ميديا