القتل من صناعة الإنسان
ذ محسن الأكرمين.
سوء التقدير،
من مطبات الكتابة التنويمية حين نبحث عن المبررات والمسوغات غير المنتهية، حين نلعب لحظة على خطابات المشاعر المضمرة ونحرك سلة الدموع والنواح عن الأحداث الفزعة ثم نلوذ بعدا وراء و نكوصا عن التحليل النسقي للأحداث. حين نكتب فإننا لن نسبر النوايا الدفينة الغابرة بالعمق، لن نقوم بقراءة طالع الفنجان ونتكهن الحدث والنتائج، لن نركب على المواعظ المعيارية ونعتقد بأن المصاب ما هو إلا عقاب سماوي، بل نكتب لتفكيك نمط السلوك والأفعال الواقعية بالوقوع المفزع، نكتب لأجل تجاوز حدوث نفس المشكلة مستقبلا بلا مزايدات وضيعة وحطيطة.
الخطيئة الكبرى،
ارتباط الخطيئة الكبرى بخروج جد البشرية طريدا من الجنة، ارتباط الخطيئة الكبرى كما كنا نستمع إليها من حكاية عمتي رحمة الله عليها بغواية حواء لآدم حتى نال من الشجرة المحرمة أكلا، ارتباطها من مهد غيرة حواء الأسطورية ووسوسة الشيطان لها أن آدم يعشق امرأة أخرى، ارتباط الخطيئة الكبرى حين امتلك الشيطان من شيطنة الذكية عواطف حواء واستغل حبها غير المنتهي لآدم، حين وجه صورة وجهها نحو مرآة ماء جنة ساطع، حين خاطبها وعمتي تلون صوتها بالتحدي و التهويل، انظري إلى التي تعشق آدم، وهو بحبها متيم !!! ، تقول عمتي، كانت حواء غبية حين لم تربط صورتها بالصورة المنعكسة من صفوة الماء، كانت تعشق آدم حد التملك، كانت تحمل غرورا ورأيا متنطعا ، ولم تتساءل هي الصورة في وجه الماء، فمن أنا يا ترى!!!.
هي الخطيئة التي كانت عمتي تستدل عليها من خلال صورة ستر حواء عورتها بورق الغابة، وآدم بثعبان كبير يحيط متوسط طول جسده. هي عمتي التي علمتنا صغارا أن الخطيئة الكبرى تبدأ بالغواية والشيطنة الكبرى حتى حد ركوب الغرور الفردي.
زمن الخطايا الكبرى،
بعيدا عن سيدنا آدم والذي أخرج سلالته من الجنة بثبات الخطيئة وبينة الاعتراف، بعيدا عن الشيطان الذي لازال يركب صناعة المآسي والحروب والقتل المفزع. يوجد الإنسان القاتل حين قتل قابيل أخاه هابيل في الدنيا السفلية، يوجد الجنوح نحو سفك الدماء، هي تلك الجذور الثقافية الوافدة إلينا من الماضي القصي، والتي لازالت عالقة في مخيلة الإنسان عن بدايات الخطيئة الثانية والترتيب بلا نهاية.
حقيقة نستحق العلامة الكبرى في أننا أخطأنا المسارات، في أننا نكثر من الشفهي الممعير بقيم الأخلاق التي لا تفارق أوراق الكتب وجدران الفصول الدراسية، و أفواه أئمة المنابر، أننا نختلف في وسطية المسارات والقيم الأخلاقية الفضلى، أننا استغلنا الشيطان بين أصحاب اليمين وأصحاب الشمال وتهنا في الاختيارات، أننا لم نعر قيمة للإنسان في كرامته وتربيته والنموذج التوافقي الذي نرتضيه لحياتنا الجماعية.
غابة المعرفة،
للغابة حكايات وسر حي بن يقظان في الوصول إلى المعرفة الحقة، للغابة قوة حاكمة لا يخالطها شيطان مجابهة إلا في نزهة الإنس في الصيد القاتل، للغابة أحداث متناسقة زمنيا فكل حدث هو نتيجة لسابقه بقوة علاقة السالب و الايجابي.
حقيقة الغابة لم تمنع قابيل وهابيل من الاقتتال على نوعية القربان، لم تمنعهما من التمييز بين قربان البيئة الخضراء وإسالة دم الذبيحة، لكن الغابة حقيقة علمت قابيل من فعل الغراب كيف يواري سوءة أخيه، علمته الندم و التوبة، علمته بعد موت هابيل أن من يدخل الغابة من إنسي تزول حينها نبوءة السلم و تنكشف علوا سوداوية العلاقات “الغرابية” وقتل التلذذ. حينها نقول بأننا نشأنا من الغباء ومن الغراب تعلمنا ردم الموت و بناء الحياة، وسد فراغات العجز.
ماوكلي فتى الأدغال،
حين تحدث العلاقة الفارقية بين الواقع ومنطق اللامعقول تحصل الكوارث الإنسانية وليست الطبيعية، فمن المستحيل أن يتخلى اللعين الشيطان عن بناء الفخاخ والظهور بمظهر البراءة والبكاء على الضحية. إنه الذئب يأكل لحم الفريسة، و يبكي مع الراعي، و يلهو حينا مع الأغنام.
المشكلة العميقة حين لم تسعفنا لا ثقافتنا ولا تكويننا من تحصين الوسط الاجتماعي من الاختلالات المميتة، لم ينفعنا تفكيرنا المنطقي غير الغيبي من أن نكون جزءا من الحل بدلا من أن نكون موردا تفاعليا لصناعة الشيطنة المميتة.
الغابة الناعمة وجدنا فيها فزاعات قاتلة و مخيفة، وجدنا فيها شياطين من الإنس يتنفسون الهواء معنا بالتقاسم وممكن في أي لحظة أن يخنقوا أنفاسنا بالسادية. يقول (ماوكلي) فتى الأدغال ” البشر يتعلمون من حكايات الحيوانات”، وقد صدق حين علمنا الغراب ردم الموت ومداومة الحياة، حين أصبحت أنثى الذئب الماكر أما محتضنة (لماوكلي) بالتبني و الرضاعة، حين تولى الدب الأسود تربيته ورعايته بالتتبع والخوف عليه، حين كان الدب سيد فلسفة الحكمة وعلم موكلي أن الأطفال يعوزهم التركيز العقلاني للنجاة من المخاطر الجانبية، حين كانت نصيحة الدب فلسفة حياتية (لماوكلي) ، حين تفر افعل ذلك بسرعة البرق، لأن من يهرب هو من يكون أكثر عرضة بأن يصير فريسة صائغة، فلا توجد في الغابة فرصة ثانية للحياة.
أنيقة أنت الحيوانات الكارتونية في الحكمة، حين علمتنا ونحن صغارا أن الفهد يصطاد عند الضرورة فقط، فلا مكان في الغابة لصيادي المتعة البخسة، فالقتل للمتعة صناعة وبلاهة من بشر البدائي.
“رأيي قابل للتعديل و التصويب”