الفلم الكارتوني برج العقرب بمدينة الأحاجي (سلسلة صيفية للعبرة)

سلسلة صيفية للعبرة:

الفلم الكارتوني، برج العقرب بمدينة الأحاجي. 


الثقافة والعادات،

حين نظرت المرآة أيقنت حقيقة أن الزمن المغربي لا يتغير إلا في رؤوسنا، و يعلوه الشيب و تتقلص أمنيات التغيير، وتشيخ ثقافة رؤية مجهودات النجاح. وضعيات التأمل أوحت لي بتعريف بسيط عن تطور الثقافة من البدائية نحو مفهوم حضارة ابن خلدون و مدنية ” أرنولد تُوينبي “. لحظة فكرت في جل الحيوانات وهي تلغ (تشرب) بلسانها من ماء النهر بينما يشرب الإنسان وهو جالس قرب إناء المناولة. هذا هو الفارق بين شرب الطبيعة وشرب الثقافة، هي بداية حبو الثقافة التي لم نستطع من خلالها التخلي عن عادات بئيسة لا تمت للقيم الجمالية والأخلاقية بفواصل القول، هي عادات العود عن تحدي البيئة المحيطة، هو عجزنا عن تطوير وتحديث قيم السلوكيات دون ارتداد بشع نحو شرب ماء النهر بلغي اللسان.

برج العقرب،

حين يتحدث المنجمون عن برج (العقرب) أبتسم داخليا كثيرا لأني منه،  ففي كل يوم يصنعون لي قصة حب و وفاء، قصة خيانة تشع في صرح ممرد من زجاج فاضح للسيقان على مشارف أبواب مدينة ” تسكن في طاحونة ما طحنت قط غير الهواء” ، قصة أمل في غد فضي يفوق تأثير المعوق منه. قصة تعب الحياة الممتدة “أنا عييت”. لكن، أجمل خطاب من برج “العقرب” يحمل “عزيزي” عند الافتتاح، ثم ممكن أن تصطدم بجلمود صخر حين يوجه يومك نحو ساعة في الجحيم.

الشوافة،

اليوم بصرت ونجمت، فقررت التوجه إلى مجالسة (الشوافة) التقليدية لتفك لي خط الكف المشكل، أعجبتني الفكرة كثيرا ولعبت في خاطري تحفيزا مدويا على المغامرة وكشف حجاب المستور عن منعرجات حياتي فما دمت في عطلة فلا داعي للسرعة. لعبت دور التائه (التالف) الذي يبحث عن وهم حل عقد حياته الدنيوية  في رسم (الصوطة) الفاتنة المسخوطة، و(الكبال) الجنرال مول النبال، و (الرَي) الحاكم بأمر الشياطين.

تعمدت (الشوافة) بتمرير أربع ورقات من “الكارطة” على ملمس قلبي وترديد”ها قلبي ها تخمامي ها باش ياتيني الله”، ثم رمت بأوراق (الكارطة) صفوفا رباعية معتدلة العد ومتساوية الأطراف، بعدها تنهدت عميقا فحسبتها تتأسف لحال تموضعي وأن سوءا أكثر مما أنا فيه آت، لكنها حين وجدت ( الصوطة) مولات الذهب، بعيدة عن (الكبال) مول الذهب، ابتسمت قليلا و حملت (اللاص) مول الطبيقة في يدها وصارحتني، أن رزقا آتيا  ليصلح العتبة الراسبة، ويفيَض خميرة الدار الفطيرة و يرش الحناء.

حين سألتها، أشريفة كيف يحدث هذا ؟، انتصب لسانها مجيبا (الكارطة)  قالتها والجواد (جنونك) ديالك مشدودين، دخل أولدي إلى الشيخ الكامل دير زيارة التامة، وشعل الضوء و خلي الحلاوة، وشرب من البئر الوسطاني، ورش جنبك الأيمن سبع مرات، واتكل على الله ومول النية رغباته مقضية.

حينها علمت أن الحصة (الشوفان) انتهت وما علي إلا أن أمدها بحصة لعبة ” الكارطة” المكشوفة خمسون درهما مقابل أتعاب وصفة رش الماء على اليمين.

الكوتش بنون النسوة،

لم أقتنع بفكرة “رش الماء يمينا”  وقررت الالتفاف نحو المدينة الجديدة “حمرية” إلى (كوتش بنون النسوة) ليدعم هيكل نفسيتي المهترئة بمصطلحات النجاح والتغيير منك، والرقي بالذات نحو امتلاك محاسن الايجابيات ونفض السلبيات بكل حاويات قمامة مدينة مكناس.

ولجت أول مركز “للكوتشينغ”، صورة مركز حديثة ومكتب تسكنه شابة تفيض ابتسامة و أناقة وبلون شعر أشقر غربي ، ويزيد كلامها كما هائلا من مصطلحات كن إيجابي…ابتسم… ستصل… ستنجح… (أودي الله يهديك قللي من كلامك ، وهي توفر لي الدولة الشغل والصحة والتعليم والسكن و الكرامة والحق وأخلاق العناية  ومن بعدها سأكون مواطنا صالحا و إيجابيا ومعتدلا نفسانيا ومبتسما بالتفاؤل). أمدتني أخيرا بورقة وقلم لأدون سبب زيارتي، لكني اختصرت عنها المسافة وقلت لها، باغي رؤية حلم مستقبل، ابتسمت ولم تعقب عن كلامي قولا.

بيع وهم حلم الأمل،

حين دخلت إلى السيدة “الكوتش”، جلست قربا منها بعد أن قرأت قصدي في (السما)، وهي تلتقط من عيوني رؤية حزن دفين مستورد لتلك اللحظة، ومن قعودي الجانبي المائل بعدا نائيا عن المواجهة المميتة، ومن سلوكي الظاهري وربطة جبيني المقطبة بضنك العيش. حللت السيدة “الكوتش” التي تتقن الكلام المزوق وتبيعه مثل (شوافة) باب الجديد، وأيقنت أنني أحمل هما سميكا بدواخلي يوازي هم مدينتي، صارحتني بأني أصدق النية و أميل إلى الوفاء، علمت من لمَة يدي إلى جسمي أني لا أملك من زمني إلا نفسا في صدري يتصعد علوا و أنفة .

 حين أقحمتني في حديث مطول عن حياتي وآمالي الموضعية، ورغباتي المستقبلية، وعلاقاتي الاجتماعية الباقية بمدينتي، لم أراوغها في الكلام بالمجاملة،  فقررت السيدة “الكوتش” تغيير موضع كرسيها العالي، وهي تتحسر من المستقبل المجهول المشدود بالمعيقات التراتبية وسألني، ماذا نريد من الزمن المغربي ؟، أين آمالنا جميعا ؟، أين هو التغيير المنشود وتلك الوعود الموءودة  بأي ذنب قتلت؟.

 حينها قررت إنهاء الحصة ” الكوتشينغ” ووعدتها بإتمام الحديث لاحقا، هو الزمن المغربي غير المضبوط  على ساعة ترقي التغيير، هو زمن صناعة الأمل ودغدغة المشاعر إلى حين خفض سلم المعلقات التسويفية، هو زمن استهلاك عمر ساكنة وتغيير الخطابات المتحكمة بنفس العملة.

ذ/ محسن الأكرمين.