تعرف على شخصية “قيس سعيد” المتصدر للإنتخابات الرئاسية التونسية

و.م.ع

دفع “الزلزال” الذي خلفته نتائج الدور الأول من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها التي جرت بتونس يوم 15 شتنبر الجاري، إلى واجهة المشهد السياسي وجهين غير نمطيين، مناهضين للمنظومة السائدة.

سيخوض الرجلان مواجهة تعد بأن تكون محتدمة وغير متوقعة النتائج في الدور الثاني من الاستحقاق الرئاسي المتوقع في شهر أكتوبر (قد ينظم في 13 أكتوبر على أبعد تقدير).

قيس سعيد الذي تصدر الدور الأول، دون أن يكون من الوجوه المعروفة على الساحة السياسية، يحمل صورة الرجل المثالي الذي تحدوه النزاهة و الاستقامة في بلد يشكو من الفساد وإخفاقات طبقة سياسية تبالغ في المزايدات العقيمة أكثر من أي شيء آخر.

أما الوجه الثاني، فهو نبيل القروي، الموقوف منذ 23 غشت الماضي بأمر من القضاء الذي يشتبه في قيامه بالتهرب الضريبي وغسيل الأموال، فقد استطاع التغلب على أشد خصومه شراسة، من خلال البقاء في سباق الدور الأخير من أجل الوصول إلى قصر قرطاج. ويكمن سر نجاحه، الذي لا يخلو من جدل، في انخراطه في العمل الاجتماعي ومكافحة الفقر.

بلغ الرجلان الدور الثاني من الاستحقاق الرئاسي السابق لأوانه من خلال نيل ثقة التونسيين (بلغت نسبة المشاركة 49 في المائة مقابل 64 في 2014)، ولكن حملتيهما تثيران التساؤلات لإيجاد مخرج لتجنب إقصاء نبيل القروي. هذا الاحتمال لا يمكن أن يقع إلا في حالة صدور حكم نهائي على المرشح بأكثر من عشر سنوات سجنا نافذا والمنع من الترشح بعد استنفاد إجراءات الاستئناف.

وبدون منازع، فإن الشخصية التي حصلت على أكبر عدد من الأصوات في الجولة الأولى خلال الدور الأول، (18,4 في المائة من الأصوات)، أثارت الكثير من الحيرة، لاسيما أنه لم يكن من بين الأوفر حظا لدى انطلاقه في خوض غمار المعركة الانتخابية، دون “أسلحة” ولا إمكانيات، ليجد نفسه بقوة الأشياء في المقدمة.

قيس سعيد (61 عاما) أستاذ القانون الدستوري انطلق في السباق دون أن يكون من خلفه حزب سياسي ولا آلة انتخابية بمعنى الكلمة، لينجح حيث أخفق جميع منافسيه. واستطاع أن يحشد إلى جانبه أغلبية ممن لم يصوتوا في 2014، وخاصة المسجلين الجدد من الشباب.

اقتصرت حملة قيس سعيد الانتخابية على الحدود الدنيا، مع ظهور نادر في وسائل الإعلام، ليتمكن مع كل ذلك من استقطاب هيئة ناخبة ظلت تشعر ب”الإقصاء” من الساحة السياسية حتى الآن.

هذا المحافظ ذو عقيدة “مناهضة للمنظومة” أثار ظهوره قبل أكثر من عام في استطلاعات الرأي الاستغراب في البداية ثم تساؤلات جدية بعد ذلك. خطابه الصارم وملامحه الحازمة أثارت الانتباه أيضا حينما كان يُسأل بشأن القضايا الدستورية.

ومنذ البداية اختار أسلوبه المتمثل في المضي قدما بمفرده في معركته، ويترشح لخوض السباق الانتخابي بدون حزب أو إمكانيات ذات أهمية. يستمد قوته من بساطته، ومن استقامته، وانفتاحه على الآخر ومنهجه البراغماتي. لا يتردد في استخدام وسائل النقل العمومي، وأن يكون في خط المواجهة شباب آمنوا به، وبالنهج الذي يدعو إليه والمسافة التي يتخذها إزاء الطبقة السياسية التقليدية.

ولهذا السبب الواضح، كان ارتقاؤه في سباق غير محسوم النتائج منذ البداية، واعتُبر بمثابة تعبير عن السأم إزاء هذه الطبقة السياسية التي لم تعرف كيف تكون قريبة من التونسيين ومن انشغالاتهم الحارقة.

وعلى خلاف منافسيه الذين لم يكونوا يدخرون الإمكانيات، فإن حملته كانت نموذجا من حيث البساطة. لم يعقد تجمعات جماهيرية مكلفة ولا حملات تواصلية مدوية وصاخبة، ليكتفي بالاتصال المباشر مع الناس في الأماكن العامة، وزيارات محددة الهدف ومناقشات تشغل بال ناخبين يراودهم الشك ولا يجدون أنفسهم في المنظومة القائمة.

ولئن كان قيس سعيد لم يشغل مطلقا أي منصب للمسؤولية، فهو يعتبر أن “السياسة ليست مسألة تجربة. وإنما السياسة هي تقديم مشروع، ورؤية لإدارة الشؤون العامة”.

ومن أجل إزالة أي غموض في خياراته السياسية، فهو يدافع عن فكرة نظام جمهوري، وسيادة للشعب لا تتحقق برأيه إلا من خلال مثل هذا النظام. وكانت حجته الرئيسية في الحملة الانتخابية هي انتقاد النخب الحاكمة، واضعا جميع الأحزاب في خانة واحدة، مبرزا أنه “لا يبيع الأحلام”.

برنامجه عبارة عن خليط من المبادرات التي قد تبدو مثالية، وتنطوي في الوقت نفسه، على قدر كبير من التوجه المحافظ. وهو يقترح تغييرا للمنظومة عن طريق تغيير المؤسسات: تعديل الدستور وأنماط التصويت واللامركزية “حتى تتمكن إرادة الشعب من الوصول إلى السلطة المركزية ووضع حد للفساد”.

وبرأيه فإن “الدور التقليدي والمعتاد للسلطة المركزية قد انتهى فعلا”، معتبرا أن “الشعب يخلق الثروة ويجب أن يستفيد منها”. وهو يظهر رفضه لإلغاء عقوبة الإعدام، وإلغاء النصوص التي تعاقب على المثلية الجنسية والمس بالحياء، ويعتبر أن المساواة في الإرث، مسألة دقيقة، لأنها تمس المقدس.

على غرار الجسم الغامض، دخل قيس سعيد بشكل محير إلى الساحة السياسية، ليجد دعما داخل معظم الأسر السياسية. ولكي يؤكد النتيجة الجيدة التي حققها في الجولة الأولى، يتعين عليه أن يكشف للتونسيين تفاصيل برنامجه لتسليط الضوء على الجوانب التي ما تزال غامضة فيه.

عن موقع : فاس نيوز ميديا