لعل زوار وسكان الرباط قد لاحظوا الجملة المرصعة بلون وردي على واجهة متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر..ترجمة غريبة غير صائبة للجملة المعبر عنها بلغة العم سام حول المساواة بين الجنسين…الناس يمرون عليها يوميا ويقفون على باب المتحف مشدوهين من رؤية هذا التعبير الركيك الأسلوب..
هكذا جاءت : طالما استمر اتباع قواعدنا أهم من إتباع قلوبنا،سأكون نسوية. وكان بالأحرى، استشارة أفضل المترجمين بالبلاد بوكالة المغرب العربي للأنباء على بعد مرمى حجر من المتحف..مثال لصيغة اقترحتها على المتحف عبر صفحته بالفايس بوك، ولم يتفاعل معي أحد من مديري الصفحة سوى برؤية المنشور وهو كالتالي :”ما دمنا أو ما بقينا متشبثين بأنظمتنا (قواعدنا أو مساطرنا أو مبادئنا) أكثر من تعلقنا بأهوائنا أو باتباع قلوبنا أو أهوائنا ، سنظل نؤمن بمساواة الجنسين.أو بالمساواة بين الجنسين..فاللهم إني قد بلغت غيرة على لغة القرآن من أن تنتهك ويستهزأ بها وبواجهة المتحف.ويا ليت المسؤولين عن هذا المرفق العمومي وهذه المعلمة الفنية العظمى انتبهوا لمثل لحظات السهو هذه أو ربما سلوك اللامبالاة بمكانة الترجمة من لغة أجنبية إلى لغة الأمة وبوزن هذه الأخيرة في وجدان كل عربي ومسلم.
لغتنا يجب أن تظل دوما في الصون والأمان بنفس القدر الذي نعامل به اللغات الحية الوافدة علينا، فلا رفعة لأمة أهانت لغتها على حساب الرفع من قيمة لغة أخرى.
وكثيرا ما أوصانا خيرا باللغة العربية المرحوم الخبير العالمي في علم المستقبليات الدكتور المهدي المنجرة مفخرة المغرب والعرب والمسلمين،وهو بمفهوم العقل الانساني ليس مجرد رجل فحسب،بل هو الذي يشهد له الأعداء قبل الأصدقاء في الكون كله بعلو كعبه رحمة الله عليه في توقعاته المستقبلية العلمية.
وقداكتسب الراحل شهرة دولية ويعد أحد أهم المراجع العربية والدولية في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ودراسات المستقبل، وكان له فضل المساهمة في تأسيس أول أكاديمية لعلوم المستقبل بل كان رئيسا للاتحاد العالمي للدراسات المستقبلية لخمس سنوات.
وحسب الموسوعة الحرة فقد( تولى رئاسة لجان وضع مخططات تعليمية لعدة دول أوروبية. حاز على العديد من الجوائز الدولية والوطنية. يتمحور فكر المنجرة إلى تحرّر الجنوب من هيمنة الشمال عن طريق التنمية وذلك من خلال محاربة الأمية ودعم البحث العلمي واستعمال اللغة الأم، إلى جانب دفاعه عن قضايا الشعوب المقهورة وحرياتها، ومناهضته للصهيونية ورفضه للتطبيع، وسخر المنجرة كتاباته ضد ما أسماه بـ”العولمة الجشعة”.
وألف المهدي المنجرة العديد من الدراسات في العلوم الاقتصادية والسوسيولوجيا وقضايا التنمية، أبرزها “نظام الأمم المتحدة” (1973)والذلمقراطية ” ومن المهد إلى اللحد” (2003) و “الحرب الحضارية الأولى”K والإهانة في عهد الميغا إمبريالية.
ولقد كان الرجل حائطا من الإسمنت المسلح، مناهض شرس ضد هيمنة الشمال على خيرات الجنوب،وتذكرني مواقفه البطولية ضد مخططي ما وصفه بالحرب الحضارية إبان حرب الخليج الأولى والثانية بمواقف عالم الأنتروبولوجيا الأمريكي نعوم تشومسكي الذي وقف شهما بدوره في وجه الحرب.لم يكن المرحوم منبطحا مع المنبطحين ولا مطبعا مع المطبعين في السر أو في العلن أمام الامبريالية العالمية بل كانت له مواقفه المشرفة التي استقاها من تربية والديه على التمسك بروح المبادئ الرجولية الشهمة مهما كان ثمن التضحية.وقد جرت عليه رحمه الله هذه المواقف الكثير من العداوات ،لكن محبوه ومكرموه لا يحصر لهم عدد في اليابان وأمريكا وفرنسا والمغرب بل في معظم دول المعمور.
يقول رشيد ألاركو في مقال بحثي تحت عنوان: مستقبل اللُّغة العربيَّة رهينٌ بأهلها ،نشر بموقع الألوكة بتاريخ 2 أكتوبر 2017: “إنَّ اللُّغة لا تعدو أن تكون وعاءً ووسيلةً من وسائل الناس في التخاطب والتواصل، وهي – مثلها مثل باقي الكائنات الحيَّة – تعيش وتزدهر إذا توافرت شروط ازدهارها، وتموت وتضمحل إذا توافرت شروط فنائها، واللُّغة – أيُّ لغةٍ – لا توجد في هذا العالم دون مُتكلِّمين بها، فاللُّغة كما يعبِّر عن ذلك الباحثون: هي ظاهرة إنسانيَّة اجتماعيَّة، لا يمكن دراستها أو استشراف مستقبلها دون استحضار البُعدين الأساسين المُهيكلين لها، وهما: البُعد الإنساني، والبُعد المجتمعيُّ الحياتي، وهذان البُعدان لا ينفصل بعضهما عن بعض، واللُّغة ترتبط بهما ترابطًا تلازميًّا، لا تنفكُّ عنهما ولا ينفكَّان عنها، إذًا فالإنسان أو مُتكلِّم اللُّغة هو أهم عنصر في تحديد معالم مستقبل لغةٍ ما، ولنا في التاريخ أسوةٌ حسنةٌ، فعندما كان أهل اللُّغة العربيَّة أسيادًا في العلوم، والفنون، والآداب، والعمران، والزراعة، والصناعة، والتجارة – بمعنى: أنَّ اللُّغة ارتبطت بقوَّة المسلمين بكلِّ ما تحمله القوَّة من عناصرَ عسكرية، واجتماعية، ودينية، وعلمية، وثقافية- كانت لغتهم سيِّدة على اللُّغات الأخرى، وما كان على الآخر إلا أن يتعلَّم اللُّغة العربيَّة؛ لأنَّها كانت السبيل الوحيد للارتقاء والسُّمو، واكتساب العلم والمعرفة، ولنستمع إلى ما قاله القس “Alvaro” مُتحدِّثًا عن فترةٍ سادت فيها اللُّغة العربيَّة في أوربا، يقول: “إنَّ كلَّ الموهوبين من شُبَّان النصارى لا يعرفون اليوم إلا لغة العرب وآدابها، ويُؤمنون بها، ويقبلون عليها في نهم، وهم يُنفقون أموالًا طائلةً في جمع كتبها، ويُصرِّحون في كلِّ مكان بأنَّ هذه الآداب حقيقةٌ بالإعجاب، فإذا حدَّثتهم عن كتب النصرانية، أجابوك في ازدراء بأنَّها غير جديرة بأن يصرفوا إليها انتباههم، يا للألم! لقد أُنسيَ النصارى حتى لغتهم، فلا تكاد تجد واحدًا منهم بين الألف يستطيع أن يكتب إلى صاحبٍ له كِتابًا سليمًا من الخطأ، فأمَّا عن الكتابة في اللُّغة العربيَّة، فإنَّك تجد فيهم عددًا عظيمًا يُجيدونها في أسلوبٍ مُنمَّق، بل هم يَنظِمون من الشِّعر العربي ما يفوق شِعر العرب أنفسهم فنًّا وجمالًا”، هذا الكلام نفسه ينطبق اليوم على العرب، فقد تركوا لغتهم، واهتموا بلغة مُستعمريهم، وهذه الحالةُ التي يعيشها العرب اليوم وتعيشها لغتهم يمكن إجمالها في ما قاله ابن حزم قبل عشرة قرون تقريبًا، فقد قال: “إن اللُّغة يسقط أكثرها ويبطل بسقوط دولة أهلها، ودخول غيرهم عليهم في مساكنهم، أو بنقلهم عن ديارهم واختلاطهم بغيرهم، فإنَّما يُقيد لغةَ الأمَّة وعلومها وأخبارها قوَّةُ دولتها ونشاط أهلها وفراغهم، وأمَّا مَن تلفت دولتهم، وغلب عليهم عدوهم، واشتغلوا بالخوف، والحاجة، والذُّل، وخدمة أعدائهم، فمضمون منهم موت الخواطر، وربَّما كان ذلك سببًا لذهاب لغتهم، ونسيان أنسابهم وأخبارهم، وبيود علومهم، هذا موجودٌ بالمشاهدة، ومعلومٌ بالعقل ضرورة”، وقال ابن خلدون في الصَّدَد نفسه: “إن غلبة اللغة بغلبة أهلها، وإن منزلتها بين اللُّغات صورة لمنزلة دولتها بين الأمم”.
وتعريفا بهذا الصرح الفني الشامخ الذي يزوره الأجانب من كبار المسؤولين والباحثين من كل حدب وصوب، أقدم هنا لمحة عنه من خلال ماجاء بديباجة للمؤسسة الوطنية للمتاحف.
تقول فيها : دشن من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس في أكتوبر 2014متحف محمد السادس للفن الحديث و المعاصر هو أول مؤسسة متحفية في المملكة خصصت بكاملها للفن الحديث و المعاصر و هي أيضا أول مؤسسة عمومية تلب المعاير المتحفية العالمية
الهندسة المعمارية لمتحف محمد السادس للفن الحديث و المعاصر له علاقة وثيقة بالمدينة التي بني فيها
يقع في قلب العاصمة التي معمارها على حد سواء هوية خاصة لكن أيضا غنية التنوع الثقافي،هذا المبنى ولد من رغبة التكامل في هذا النسيج الحضري و تحقيقا لهذه الغاية تألف نهج نظري في تنسيق عمليات التحديث العصرية مع التراث العلماني الذي تم استيعابه؛ الزخارف التقليدية تم استثمارها بأسلوب منمق من أجل جلب لمسة عصرية لهذا الصرح
المجموعات المتحفية
يطمح متحف محمد السادس للفن الحديث و المعاصر غلى كشف التغيرات التي طرأت على الإبداع الفني المغربي في الفن التشكيلي والبصري منذ بداية القرن العشرين إلى يومنا هذا
منذ افتتاحه، المتحف استقبل معرض (1914-2014:مائة سنة من الإبداع ) لمحة تاريخية عن التغيرات للفن الحديث و المعاصر المغربي في تسلسل زمني يتجلى في أربع فترات زمنية رئيسية اعتمدت للتعبير عن المسار لهذا العرض الافتتاحي حيث يعرض لفنانين مثل: محمد بن علي ألرباطي، أحمد لورديري ،مريم مزيان،أحمد الشرقاوي ، فريد بلكاهية ،محمد شباع ، محمد مليحي، فؤاد بلّمين ، ماحي بين بين ،،منير الفاطمي و أيضا لا لا سيدي
إلى جانب ذلك، متحف محمد السادس للفن الحديث و المعاصر يستقبل بانتظام مؤتمرات و معارض مؤقتة على سبيل المثال” المغرب الوسيط:إمبراطورية من إفريقيا إلى إسبانيا” منذ بداية شهر مارس
وبه وجب الإعلام والسلام.
عبدالفتاح المنطري
كاتب صحافي