بلاد السيبة .. تجاوزا للمعنى القدحي للكلمة .. المجتمع المغربي التقليدي

بقلم : د عبد الله شنفار

المجتمع المغربي التقليدي، تميز بأنماط تدبير جماعي تنم عن وجود فكر التدبير للشؤون المحلية بشكل مستقل عن تدخل الدولة؛




خاصة في بلاد السيبة، التي إذا تجاوزنا المعنى القدحي للكلمة، فانه شكل من أشكال التدبير المحلي لشؤون الأهالي؛ من خلال بنية مسيطرة ومجتمع تراتبي؛ حيث نجد سيادة مفاهيم تمثل التضامن في شقيه: تضامن الضرورة و الندرة، وتضامن الوفرة المحلية والآليات التي يتم من خلالها التواصل واجتماع “اجماعة”، من اجل تدبير شؤون القبيلة والدوار والقصر او المدشر، كتجمعات شكلت الإرهاصات الأولى لبروز الوحدات الإدارية.

هذه المفاهيم تسود كثيرا في الجنوب والجنوب الشرقي والبادية المغربية، كمعطى اصلي يشكل محورا ومرجعية اساسيا لفهم المغرب العميق والحقيقي، وليس المغرب المزيف من خلال المدن الحديثة المدارة بأحزمة دور الصفيح، وسيادة ثقافة واقتصاد الدراويش، والباعة الجائلين بالشوارع والأزقة. والتي لها حمولة ورصيد تاريخي في إعمال المقاربات التشاركية والفكر التعاوني في تدبير الشؤون اليومية المحلية. حيث تتولى النخبة التي تدير الشأن المحلي وتتخذ القرارات التي تهم شؤون القبيلة، و تتشكل من زعيم او رئيس القبيلة، الذي يتم اختياره من لذن شيوخ القبائل.

ونجد مجالس حكم عرفية تطبق العرف، او ما يسمى ” ازرف ” بالأمازيغية، يترأسها الشيخ الأدنى وعشرة مساعدين، ويطلق عليهم ايت عشرة، وهناك مجالس الحكم العليا ويرأسها الشيخ الأعلى، ويساعده سبعة اشخاص يختارون من القبيلة وتبت في القضايا المعقدة. ونجد ايضا مجالس حكم خاصة . مع انني لم نستطع الحصول على اية كتابات او وثائق تؤرخ لهذه الاحكام، بقدر ما انها حكي شفوي، والوقوف على جلسات حكم منظمة من قبل مجلس لأفراد القبيلة، يعقد في حضورنا بشكل تلقائي، وبشكل عشوائي، دون تحديد مسبق لأعضاء المجلس للبث في النزاع. وبالفعل يصدر الحكم في حق المعني، اما بإرجاع الحالة الى ما كانت عليه، او تغريمه، او امتثاله لقوانين الجمعية او القبيلة. فهم ليسوا في حاجة الى تدوين هذه الاحكام لان التنفيذ يكون فوريا وفي الحال وإجباريا ايضا، و إلا تعرض الفرد للقطيعة والعيش في انعزالية وتهميش مطلق من قبل المجتمع، وهذه اخطر عقوبة لا يمكن ان يسمح بها اي فرد اجتماعي بطبعه.



العديد من القضايا يتم البث فيها محليا دون وصولها الى ردهات المحاكم، وما يتطلب ذلك من مساطر طويلة الامد، الشيء الذي لا يقبل به الناس خاصة، اذا تعلق الامر بالترامي على الأرض او الشرف ( الاولاد ) او المال، التي تعتبر قضايا عرض، يحدد فيها الافراد حياتهم. ويظهر أيضا النزاع والتنافر حول الأرض بحيث إن الترامي عليها يمثل قضية عرض أيضا، فتراب الجماعة الذي هو تحت رعاية زعيم القبيلة أو “كبير القوم” الذي يحافظ على سيادة أراضي الجموع، ويمارس سلطة على مجال اجتماعي محدد، والذي يجب حمايته من اغتصاب جماعة أخرى، بمناسبة محاولتها التوسع على حساب تراب جماعة أخرى، مما يؤدي إلى تبادل العنف وتحدي الآخرين . هذه المجالس هي عبارة عن “محاكم” تصدر احكاما تسمى ب “النصاف” او الإنصاف، من خلال الحكم بالغرامة على من تبث تورطه في قضايا معينة، اما تجاه فرد بعينه، او تجاه الجماعة.

وطريقة البث في القضايا تتم من خلال عرض النزاع على احد الاشخاص الذين يتميزون بالورع والذكاء والدهاء والأخلاق والمروءة، ولا يعرفون طرفي النزاع؛ حيث ينقل اليهم موضوع النزاع، دون ذكر اسم الاطراف، فقط موضوع النزاع، و بناء على جرد تلك المعطيات يتم اعطاء و إبداء الرأي حول المشكل او النزاع المطروح الذي قد يتم استئنافه من قبل من يهمه الامر؛ حيث يعرض مرة اخرى وبنفس الكيفية على جهة اخرى محايدة لتبدي رأيها فيه وهذه المرة يصبح ملزما للأطراف وقد- حاز قوة الشيء المقضي به-.

عن موقع : فاس نيوز ميديا