حزب الاستقلال بفاس و النبع الصافي.
يشكل الحزب وحدة أساسية في بناء المجتمع الديموقراطي، بل هو القاعدة الصلبة التي ينبني عليه صرح مشروع الدولة الديموقراطية، و لا يمكننا أن نتحدث عن دولة متقدمة دون تحقيق الديموقراطية، و تسبقها ديموقراطية داخلية تفرزها مؤسسات الأحزاب السياسية التي تحمل هذا المشروع الكبير.
حزب الاستقلال الذي انبعث من رحم الشعب المغربي و جاء استجابة للنداء الوطن و لتحقيق الاستقلال و الوحدة و الديموقراطية، يشكل اليوم أحد أهم الأحزاب المغربية التي تحمل المشروع الديموقراطي، ولازالت تحاول قيادته الوطنية و مخازن العقول من المناضلين أن تبقى وفية لهذا المشروع الذي ناضلت من أجله الأجيال.
نعلم ان حاضرة فاس تشكل أحد أهم المدن التي انبعث من قلبها هذا الحزب، الأفكار و المشاريع حملها علماء القرويين متشبعين بالفكر الوطني الأصيل، جاهدوا من أجل الوطن و سلموا الرسالة للأجيال التي اليوم تتحمل المسؤلية الجسيمة و الكبير و هي الحفاظ على روح المشروع و على وحدة الحزب في هته المدينة المقدسة.
التاريخ يتحدث
لابد لكل مناضل أصيل أن يقف لحظة تفكر طويلة، يتدبر و يقراء الأحداث و تداول الأيام، يبحث في الأرشيف و يسأل عن كل التفاعلات التي أفرزت الحاضر الذي نعيشه اليوم، بكل تجرد و بحس عالي من الوطنية، لا بد أن نقف على كل الأخطاء التي سجلت في مسيرة طويلة من التقلبات و التي أفرزت و أنتجت براديغم أو نقول نموذج جديد مخالف للسلف الذين انبعثوا من جامعة القرويين، و الذين كانوا يحملون رسائل متعددة متجانسة متكاملة تصب في هدف موحد يجتمع عليه كل الوطنين و المناضلين و هو تحقيق دولة موحدة و متقدمة.
لكن الخلف أسس نموذج جديد و مخالف لما حمله السلف، نموذج أساسه الفردانية و الشعبوية، و امتداده المصلحة الشخصية الآنية و ابتعد عن القيم الجماعية المؤسسة للمشروع الجماعي الذي تجتمع عليه كل الإرادات، لقد تحولنا في لمح البصر من حزب للجميع إلى حزب فلان، حتى أننا كنا في بعض اللحظات ننعث بالنسب الشخص و ليس النسب إلى الحزب، لقد غابت الأفكار الجامعة و القيم الموحدة و روح التنظيم و تحولنا بقدرة الأنا إلى قطيع يبحث عن مقعد في البلدية أو البرلمان و نسينا أن الحزب في مشروعه العام يتجاوز المشاريع الشخصية إلى المشروع الجماعي الذي يضم في صلبه هموم الشعب و أحزانه.
هذا هو التاريخ الذي نعيش اليوم نتائجه، تاريخ يؤكد أننا بقوة قوي تم إزاحة القطار الذي نركب فيه عن السكة التي رسمت له و اتجه في مسار مخالف للأهداف السامية التي خطها الرواد، مسار ياخدنا الى نهاية محتومة إذ لم نغير و قبل ذالك نفعل آلية النقل الذاتي.
ضرورة النقد الذاتي
اذا اجمعنا على أننا أخطأنا المسير و لم نقل الاختيار، لأن الربان كان سائق القطار قبل أن نصعد إليه، و هو من اتخذ طريقا مغايرا لما رسمه السلف و اتجه بنا إلى ما نحن عليه، إذا وقفنا بتجرد لنقول الحقيقة و نكتب التاريخ الحقيقي بدون آحقاد و أن نجلد الذات بحزم لتعرف الأجيال أين يكمن الخطأ، سنكون بذلك حققنا الانعتاق من سلطة سائق القطار الذي دنى بنا إلى أسفل سافلين.
لنفتح برفق نافذة الأحداث، و نحاول بحذر أن نربط بينها للتتضح لنا رؤية الحاضر، و نحن نشاهد و نتمعن لابد أن نستحضر سلاح النقد، نضعه أمامنا و لنبدأ بأنفسنا قبل الآخر، لنحدد موقعنا في زحام الأحداث و ما قدمنا لهذا الحزب، لكي نجيب على أنفسنا هل احسنا أم أخطأنا في فعلنا الفردي أما الجماعي فلسنا مسؤولين لأن السائق هو من يتحمل المسؤولية هنا لأنه لم يترك لرأينا الجماعي مكان، و لكي نحسن تقيمه هو أيضا لابد لنا أن نطبق عليه عملية المقارنة مع السائق الذي سبقه أولا و ثانية أن نحصل أو نقيم النتائج التي حققها في مسيرته و ما مدى تأثيرها على الجميع سأترك لك أيها القارئ هته العملية لعلها تفتح بصيرتك و يتحقق لك الانعتاق.
النقد الذاتي يؤسس إلى الثقة و حين يغيب النقد تغيب الثقة في كل مستوياتها، عندما لا يقبل أي أحد منا النقد يكون بشكل من الأشكال يهدم أساس الثقة و العكس صحيح، هنا احاورك انت ايها الجالس في الزاوية هل كان يستطيع أحد الركاب أن ينتقد السائق و هل كان بالتوازي أحد الركاب يتق في أننا في المسار الصحيح، جوابك دعه لنفسك لعلك تحدد موقعك و معه موقعنا الذي أرى أننا في مفترق حاد من الطريق.
مفترق الطرق
ها نحن اليوم نقف على شفا جرف هار، نقف بعد ان فقدنا خارطة الطريق، و أصبحنا تائهين في صحراء قاحلة بدون سائق و لا معالم توضح لنا المسير، سائق رحل و ارتحل بعد أن علم أنه أخطأ و ادخلنا في زوبعة و عاصفة لم تكن في الحسبان، ها نحن اليوم بين العودة للنبع الصافي أو لنكمل المسير الذي نعلم يقينا أنه مظلم و ربانه مفقود، ها نحن اليوم بين نداء على السائق جديد يحمل خارطة تعيدنا لما رسمه السلف و بين حالم غائب ينتظر عودة المهدي الذي فقدت الثقة في الاستمرار معه.
إنه مفترق طرق حاد يستوجب علينا اليقظة و الثقة و الحوار، اليقظة لما يحاك و يخطط ضد مشروعنا، اليقظة لفهم الماضى و استوعب الحاضر، اليقظة لرؤية المستقبل بمنظار النبع الصافي و النقد الذاتي، أما الثقة هي الحبل الجامع بين كل الإرادات للخلاص، الثقة هي مفتاح للعقل و القلب ليتحقق الفهم و تتوحد الرؤية، الثقة هي الرابط الذي سيجمعنا جميعا لنحدد طريقنا الجديد و من سيقود، يأتي الحوار هنا كدواء غاب في زمن الأنا و الفردانية، هو محرر للإرادة و و كابح لشك و مقوي للثقة و دافع أساسي لتغير الوجهة و استكمال الطريق التي رسمها السلف من الوطنين الافداد.
طريق التغير
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، هذا قانون رباني تابت، حيث تمثل هته القاعدة الحجر الأساس في أي تغير إيجابي يمكن أن يحدث في المجتمع أو في التنظيم أو في تجمع بشري، هنا يؤكد الله عز وجل على أن يغيروا أي أن يتحركوا إراديا و فرديا في تغير أنفسهم، و بعده تجتمع الإرادات لتغير الواقع الذي تعيشه في مكان أو تنظيم ما في الاتجاه الإيجابي، و التغير السلبي لا يأتي عن طريق جهد أو فعل الفردي او الجماعي ذالك صعب جدا بل هو نتيجة للارتكان و السكون و السكوت عن الحق و لتحقيقه، حتى يتحول هذا الأخير إلى باطل و يصبح الباطل حقا، و مع مرور الزمن نصبح بقدرة الواقع نعيش في جو باطل مرغمين لا نستطيع تغيره أو تبديله حتى تأتي إشارات القدر التي تحمل بين طياتها رسائل تفيد أن مكانك ليس هنا و أن ما تعيشه سراب و أن الطريق مظلم و أن السائق فقدت الثقة فيه وقد ظل الطريق.
هاته الرسائل كلها كانت و لا زالت ترفرف بينا أعيننا اليوم بفاس، منا الصم و البكم و الغافلين و المطبلين و منا الأذكياء الذين فضلوا الصمت و من العارفين الذين يشرون اليها و منا الصادقين الذي يصدعون بالحق.
معهم و بينهم نعيش، فلابد لنا بهم و معهم أن نغير و نتغير، لابد أن نحمل على اكتفنا و بين أيدينا الحقيقة، لا بد نفتح اقفال القلوب و العقول لكي يسمع و يعي و يقبل صوت الحق، لا بد لنا أن نقارع الحجة بالحجة و أن نفتح السجلات و الأرشيف ليفهم الغافل ان موقعه غلط، لا بد أن نحرر العقل و القلب من نموذج انتهى نهائيا، احيائه إعادته هي عودة للسراب و اتجاه للوراء و إحياء للأموات و مساهمة في اقبار النبع الصافي، النبع و المنبع الصافي هو الخلاص و هو الطريق الذي سلكه الوطنيون الأولون و حملوا قيمه و روحه في قلوبهم و به استطاعوا تحرير الوطن و المساهم في بناء الدولة و معاه تقوية و بناء الحزب بفاس و المغرب.
أسامة الجناتي
عضو المجلس الوطني لحزب الاستقلال.
عن موقع : فاس نيوز ميديا