خرج اللبنانيون للشارع… وحولنا، في معظم بلدان المنطقة، خرج مع أخبار لبنان مزيج من الكبت والهوس بأجساد النساء.
خرج المواطنون في لبنان مطالبين بحقوقهم الاقتصادية والسياسية. خرجوا منتفضين ضد الطائفية وضد الجشع السياسي وضد مصالح المفسدين في البنوك والأحزاب ومؤسسات الدولة. ضد ريع اقتصادي وسياسي اقتسمه بعض “قياديين” وخصوا أنفسهم به منذ عقود.
وحولنا، لم ير المتابعون إلا صور اللبنانيات الجميلات ونهودهن وملابسهن القصيرة.
لم يروا (أو رفضوا أن يروا) فيديوهات الشباب اللبناني، إناثا وذكورا، وهم ينظفون الشوارع ويجمعون النفايات بعد كل وقفة.
أن لا تنتبه لكون اللبنانيين يبحثون عن الفرح في كل تفاصيل الحياة
لم يشاهدوا فيديو الشيخ يرقص وسط الشباب.
لم يتابعوا فيديوهات لنساء مسنات وأخريات بحجاب كامل، يطالبن، كغيرهن من مواطنيهن، بحقوقهن وكرامتهن.
لم يروا إلا “اللبنانيات السيكسي”. وكأن كل فتاة لبنانية خرجت للشارع، تصبح مشروع بضاعة جنسية لرجال مهووسين بأفخاذ النساء وصدورهن.
مجتمع يخرج بكل أطيافه وطوائفه، في كل بقاعه، المسيحية منها والشيعية والسنية والدرزية وغيرها، للتعبير عن غضبه وللدفاع عن كرامته وعن حقوقه… وأنت هنا، لا ترى إلا جمال أجساد النساء.
بل الأسوأ أن هناك أشخاصا محسوبين على المد التنويري الحداثي، يدافعون، نظريا، عن قيم المساواة وحقوق الإنسان وحقوق النساء… ومع ذلك، فهم لم يترددوا في اقتطاع ونشر صور وفيديوهات بعض اللبنانيات بملابس قصيرة أو ضيقة، أو في نشر بعض النكت والقفشات، التي لم تضحكني بقدر ما اعتبرتها مهينة للبنانيات، بكل أشكالهن وأطيافهن. سلوك يختزلهن في جسد جميل… بينما يعبرن اليوم عن موقف مواطن ناضج!
أن لا تنتبه لكون ذلك الشعب يناضل بفرح ويخرج للشارع بفرح ويرفع الشعارات بفرح… تمسكا بحقه في الحياة، والذي سلبته إياه الحروب الأهلية والطائفية وقتالات الجيران… قبل أن تسلبه إياه ميليشيات الأحزاب والطوائف ورجال ونساء المال والأعمال.
أن لا تنتبه لكون اللبنانيين يبحثون عن الفرح في كل تفاصيل الحياة… لأنهم قاوموا ويقاومون القتل والتدمير منذ عقود…
أن لا تنتبه أن اللبنانية التي تنشر أنت صورها عبر حساباتك، لم تتجمل لك ولم تكشف جزءا من جسدها لك ولم تعطك حتى حق نشر صورها وفيديوهاتها…
أن لا تنتبه أنها لا تلبس ما لبسته لإثارة غرائزك المريضة، بل هو ببساطة أسلوب حياتها خارج الثورة… وفي قلب الثورة…
أن لا تنتبه أن اللبنانيين بكل أطيافهم وطوائفهم، برجالهم ونسائهم، بشبابهم وعجائزهم… خرجوا للمظاهرات. لم يفكروا في ملابسهم بقدر ما فكروا في قضية تحركهم. في حقوقهم. في وطنهم… بينما بقيتَ أنت مركزا حصريا على أجساد النساء…
أن لا تنتبه أنك أمام شعب كان يخرج من حرب ليدخل حربا… وأنه اليوم مصر على حقه في الفرح. الفرح شكلا وابتسامة وتجملا وغناء ورقصا… فرح يصير صرخة تحدي في وجه ماضٍ غدّته السيارات المفخخة، والطوائف القاتلة، والعمليات الانتحارية… فرح يحتفى بالقتلى الذين راحوا وبالمستقبل الآتي.
شعب لبنان، بنسائه ورجاله، لا يفكر اليوم بجهازه التناسلي كما تفعل
أن لا تنتبه لكل هذا وأن لا ترى إلا تنورات وشورتات اللبنانيات… فهذا يعني فقط أنك شخص مريض مهووس بالجنس وبأجساد النساء. شخص لا يفكر في القضية بقدر ما يفكر بالقضيب. شخص لا ينتصب دفاعا عن الكرامة بل لمجرد رؤية امرأة في مظاهرة، يتصور أنها استيقظت الصبح وتجملت لكي تنال إعجابه ورضاه ولكي تغري فحولته المريضة!
شعب لبنان، بنسائه ورجاله، لا يفكر اليوم بجهازه التناسلي كما تفعل. شعب لبنان ينتفض لحقوقه وكرامته. شعب لبنان يرقص ويهتف ويغني… ضد الظلم والنهب والاستغلال والاستغباء الذي كان ضحيته لعقود.
شعب لبنان، نساء ورجالا، شبابا وعجزة وأطفالا، بطوائفهم الكثيرة، بملابسهم القصيرة والطويلة، بحجاب بعض نسائهم أو بشعرهن المكشوف، وحتى بعمليات تجميل بعضهم… شعب لبنان اليوم يعيش لحظة فرح ولحظة مقاومة للطائفية والفساد والتخلف والاستغلال والنهب… بينما أنت تعجز حتى عن مقاومة كبتك وهوسك الجنسي.
لو كنتُ مكانك، كنت سأخجل كثيرا. وكنت سأتوقف عن التغني بقيم الحداثة والحرية بالنسبة للبعض، وبقيم الدين والتدين بالنسبة للبعض الآخر!
عن موقع : فاس نيوز ميديا