حراك الحسناوات .. كيف غرق الإقتصاد اللبناني في مستنقع الديون؟

تسعى حكومة سعد الحريري في لبنان منذ عام إلى خفض العجز في الميزانية وتقليص مستويات الاقتراض.

وقد كشفت سلسلة من الاجتماعات التي عقدها الوزراء وتقارير لخبراء منذ تشكيل أحدث حكومة لبنانية عن العديد من نقاط الضعف في اقتصاد البلد.



وتبلغ نسبة ديون البلاد إلى الناتج المحلي الإجمالي 152 في المئة، وهو ما يجعلها في المركز الثالث بين الدول الأكثر مديونية في العالم بعد اليابان واليونان.

وتلتهم الفوائد على الديون نصف إيرادات الدولة تقريبا، كما أثقل رفع المرتبات في القطاع العام كاهل الميزانية، ووسع عجزها الكبير أصلا.

ومن أسباب الأزمة المالية التي تشهدها البلاد حاليا التكلفة الباهظة لمشاريع إعادة بناء ما دمرته الحرب. فقد صب أغلب هذه المشاريع في مصلحة الأثرياء، وتركزت على المباني الفاخرة في العاصمة بيروت.

وأصبحت قطاعات مثل المواصلات والطاقة بحاجة إلى إصلاح شامل، خاصة شبكة توزيع الكهرباء المهترئة، إذ تعجز الشركة عن تلبية حاجة المستهلكين منذ عقود، وهي اليوم تلجأ إلى تقنين التيار الكهربائي، وهو ما جعل أغلب اللبنانيين يقتنون مولدات كهربائية يستعملونها ساعات انقطاع التيار.

وفي بداية فبراير، أعلن الرئيس، ميشال عون، أنه سيجعل حل هذه المشكلة على رأس أولوياته. والواقع أن شبكة الكهرباء اللبنانية في حالة ميؤوس منها إلى درجة أن حلفاء جماعة “حزب الله” في المنطقة – إيران وسوريا – استغلوها سياسيا.

فقد صرح السفير الإيراني في لبنان، محمد جلال فيروزنيا، بأن بلاده مستعدة “لتقديم المساعدة التي يحتاجها لبنان في مجال الكهرباء والدواء أو حماية لبنان من الاعتداءات الأجنبية (إسرائيل)”.



وبعد ثمانية أعوام من الحرب الأهلية التي دمرت البنى التحتية السورية، باعت دمشق الكهرباء للبنان على نحو متقطع بين عامي 2017 و2018، بينما كانت تعرقل جهود الأردن، الذي يتمتع بفائض في الإنتاج، لتوصيل التيار الكهربائي إلى لبنان.

وفي الثامن من أبريل، وافقت الحكومة اللبنانية بعد اجتماعات طويلة على خطة لإصلاح قطاع الكهرباء. وقال رئيس الوزراء، سعد الحريري، في مؤتمر صحفي، إن هذه الخطة “ترضي اللبنانيين لأنها توفر الكهرباء 24 ساعة يوميا، وبالتالي تخفض عجز الميزانية”.

وينظر إلى خطة معالجة مشكلة الكهرباء على أنها اختبار لإرادة الحكومة في استكمال جملة الإصلاحات التي التزمت بها للحصول على مساعدات مالية بقيمة 11 مليار دولار، وعدت بها دول مانحة في مؤتمر باريس للاستثمار العام الماضي.

احتياطات غير مستغلة
وتعول الحكومة اللبنانية على احتياطاتها من النفط والغاز في البحر المتوسط لإنعاش اقتصادها وبناء مستقبل زاهر لمواطنيها، وذلك بفتح عروض أمام شركات مثل توتال الفرنسية ونوفوتيك الروسية لأعمال التنقيب في البحر.

وقد تعطلت مثل هذه المشاريع طويلا بسبب غياب الثقة والخلافات السياسية والنزاعات الأيديولوجية التي أدت إلى اختلالات عميقة في العمل الحكومي.

الثروة النفطية اللبنانية لا يستهان بها، ولكن استغلالها تأخر مقارنة بجيرانها.

وفي يناير/ كانون الثاني، التقى وزراء الطاقة من قبرص ومصر واليونان والأردن وإسرائيل في القاهرة رفقة مندوبين عن إيطاليا والسلطة الفلسطينية لبحث سبل التعاون في التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط. وهناك مشاريع متقدمة في مجال التصدير ومد الأنابيب بين بعض هذه الدول.



ولا شك أن الحرب في سوريا فاقمت المشاكل الاقتصادية في لبنان. فقد نزح نحو 1.5 مليون سوري إلى لبنان في ذروة النزاع المسلح، بحسب الاحصائيات الحكومية. ويمثل عددهم ربع سكان البلاد.

وأثقل هذا النزوح كاهل المؤسسات التعليمية والمنظومة الصحية وشبكة الكهرباء، وكشف نقاط ضعفها.

ويعتمد تمويل العجز في الميزانية اللبنانية أيضا وبشكل كبير على المبالغ المالية التي تحولها الجالية المقيمة بالخارج. وجاء في تقرير لمعهد كارنيغي للسلام الدولي في أكتوبر 2018 أن تراجع تحويلات الجالية اللبنانية من دول الخليج أدى إلى ارتفاع الديون في بلادهم.

فقد تأثرت الجالية اللبنانية في دول الخليج بتراجع أسعار النفط، وبالتغييرات التي طرأت هناك اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. وأرجع البنك الدولي ذلك إلى أزمة 2017 بين السعودية ولبنان، حين راجت مزاعم بأن رئيس الوزراء، سعد الحريري، احتجز في السعودية وأرغم على الاستقالة.

وتصاعد التوتر إلى درجة أن السعودية هددت بطرد اللبنانيين العاملين في البلاد. واستمر التوتر حتى بعدما غادر الحريري وعائلته الرياض.

ويساهم اللبنانيون العاملون في الخليج بنسبة الخمس من الناتج المحلي الإجمالي لبلادهم، ويوفرون ودائع تستعملها البنوك لتمويل المزيد من الديون.

وساهم 400 ألف لبناني، نصفهم يعملون في السعودية، بنسبة تتراوح من 43 إلى 60 في المئة من التحويلات إلى بلادهم في 2015.

ولكن هذه التحويلات تراجعت بنسبة 17 في المئة في 2017. وعمقت تراجعها خطة ولي العهد السعودية، المعروفة بـ”رؤية 2030″، التي تتضمن إصلاحات هيكلية توفر المزيد من الوظائف للسعوديين واستبدال العمالة الأجنبية.

احتجاج متقاعدي الجيش
أعلنت الحكومة جملة من إجراءات التقشف تتماشى مع توصيات الدول المناحة من أجل الحصول على المساعدات المالية الموعودة. ولكن هذه الإجراءات أثارت حفيظة بعض شرائح المجتمع اللبناني. فالكثيرون متخوفون من خفض المعاشات ومن تدخل الدولة في النظام المصرفي.

وفي الثلاثين من أبريل، تظاهر متقاعدو الجيش احتجاجا على خطة لخفض معاشاتهم. وفي اليوم نفسه، دعت نقابة العمال إلى إضراب لمدة ثلاثة أيام احتجاجا على إجراءات تقشف تضمنتها الميزانية الجديدة.

وحضت النقابة المواطنين على المشاركة في الاحتجاج على المساس برواتب عمال القطاع العام. وطالت حركة الإضراب العديد من القطاعات، بينها ميناء بيروت، ومؤسسة التأمين الاجتماعي، ومؤسسة كهرباء لبنان، وشركة الهاتف النقال “أوجيرو”.

وفي الثامن من مايو، ألغت النقابة الإضراب، بعدما أكد لها الرئيس عون تعليق مادة في ميزانية 2019 تتعلق باحتمال خفض رواتب العمال، إلى أن تتم دراسة ظروف كل قطاع بالتنسيق مع الوزارات المعنية، حسبما قال القيادي في النقابة، بشارة أسمر.

وأعلن قبلها الموظفون في البنك المركزي تعليقا مؤقتا لإضرابهم.

وفي محاولة من الحريري لطمأنة مختلف الأطراف، أكد رئيس الوزراء أنه سيمضي قدما في الإصلاحات الاقتصادية، قائلا إن لبنان “أبعد ما يكون عن الإفلاس”.

وبدأت الاحتجاجات الأخيرة يوم 17 أكتوبر. وتفجر غضب الناس بعدما أعلنت الحكومة فرض ضريبة بقيمة 6 دولارات على مستعملي تطبيق واتساب، وتطبيقات أخرى.

وأعلنت الحكومة أنها ألغت الضريبة، ولكن المتظاهرين واصلوا احتجاجاتهم.

عن موقع : فاس نيوز ميديا