أكد الخطيب “سيدي عبد العزيز الحميدي” في خطبة الجمعة بمسجد الإحسان الواقع بحي طارق بمدينة فاس، أن الرسول صلى الله عليه وسلم، حث على المحبة والمودة، وحذر من التنافر والفُرقة، مستهلا الجزء الأول من الخطبة بقول الله تعالى في كتابه العزيز مخاطبا رسوله الكريم : “هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”، قال ابن مسعود رضي الله عنه أن هذه الأية نزلت في المتحابين في الله، غير أن جمهور المفسرين ذهبوا إلى أن المراد الأوس والخزرج، فقد كانت بينهم عصبية شديدة وحروب عظيمة، فألف الله بين قلوبهم بالايمان برسول الله صلى الله عليه وسلم فسيرهم اخوانا بعد أن كانوا أعداء.
والمعنى يضيف الخطيب أنه ما كان بينهم من العداوة والبغضاء، فقد بلغ إلى حد لا يمكن دفعه بأي حال من الأحوال، ولو أنفق له الطالب جميع ما في الأرض من ذهب وفضة ومعادن نفيسة لم يتم له ما طلبه من تأليف، لأن أمره في ذلك قد تفاقم جدا، ولكنّ الله ألف بينهم بعظيم قدرته وبديع صنعه، لأن عزيز لا يغالبه غالب ولا يستعصي عليه أمر من الأمور، حكيم في تدبيره ونفوذه وأمره.
وأشار “الحميدي” إلى أن المؤمن ضعيف بانفراده لا شك، قوي بتواصله مع اخوانه منفسح الصدر في حال التآلف، منقبض النفس عند التنافر، لا يقر له قرار إلا في رحاب الأخوة والتقارب ولا يطيب له أنس إلا في أجواء مفعمة بالتصالح والتعاون، لذلك جعل الله الرابطة بين عباده المؤمنين، رابطة أخوة وهي من أقوى الروابط وأمثنها، ومن أعظم الأباصر وأشرفها يحرص عليها الأثقياء ويسعى اليها الأصفياء، ويسعد بها الأوفياء، قال الله تعالى “انما المؤمنون إخوة”.
وشدد المتحدث على أنه حري بالمؤمن الصادق أن يقوي علاقة الأخوة مع إخوانه من المؤمنين، لأن الخير أجمع في التقارب والتآلف، وإن الشر كامن في التقاطع والتدابر، اذ ليس من خصال المؤمن أن يكون من اخوانه نافرا وعلى جماعته منعزلا، فعن أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تحاسبوا وكونوا عباد الله اخوانا”، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “المؤمن يؤلف ويألف ولا خير في من لا يألف ولا يؤلف”.
وتزداد الألفة أهمية وتعظم منزلة إذا كانت بين الأقارب والأرحام، لذلك كان من الواجب عليهم يؤكد خطيب الجمعة، أن ينتزعوا من قلوبهم كل ما هو مذموم، فلا حقد ولا حسد ولا عداوة ولا ضغينة، بدل حب ووفاء وتآلف ومودة ورحمة، مصداقا لقول الله عز وجل : ” وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ “، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الجيران أيضا، فإن الاسلام أمر بحسن الجوار، كما جاء في الحديث “وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما “.
وختم الشطر الأول من الخطبه بأنه من الأسباب التي تؤدي إلى الألفة والمحبة وتقوي الروابط والعلاقات والمحبة بين أفراد المجتمع الواحد لين الكلام، قال تعالى : “وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا”، وقال صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده، لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلَا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم”.
وابتدأ سيدي عبد العزيز الحميدي الجزء الثاني من الخطبة، بقول الله عز وجل في سورة آل عمران : ” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا” ويقول تعالى : “وكان حقا علينا نصر المؤمنين”، وانطلاقا من هذه الآيات البينات وما تدعو إليه من العمل على جمع شمل الأمة وتوحيد كلمتها على ما فيه خيرها وصلاحها وتبشر بوعد الله لعباده المؤمنين بالنصر والفتح المكين.
وتجدر الاشارة والتذكير، يزيد الخطيب، إلى بلدنا المغرب العزيز سيستقبل في هذه الأيام في السادس من نونبر الحالي مناسبة هامة وذكرى وطنية مجيدة من أعز ذكرياته الغالية إنها ذكرى عيد المسيرة الخضراء المظفرة التي يرجع الفضل في ابداعها وتنظيمها بعد الله تعالى إلى العبقرية الفذة لملك المغرب الراحل الحسن الثاني رحمه الله، اذ بموجبها تم استرجاع أقاليمنا الجنوبية إلى حوزة الوطن، باعتبارها جزءً لا يتجزأ من أراضي المغرب ووحدته الترابية، وذلك بفضل تعبئة وتطوع 350 ألف من المواطنين والمواطنات الذين كانوا لا يحملون في أيديهم إلا القرآن الكريم ولا يحملون في قلوبهم إلا محبة ملكهم ووطنهم.
وفي الختام، تضرع الخطيب إلى الله تعالى بأن ينصر أمير المؤمنين ويحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم، وبأن يجعل كل مبادراته أعمال خير وبركة على البلاد والعباد، ويقر عينه بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، ويشد عضده بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وبأن يحفظه في كافة أسرته الملكية الشريفة.
عن موقع : فاس نيوز ميديا