التحول الاجتماعي نحو أضرحة أولياء الله

محسن الأكرمين.

أضرحة أولياء الله الصالحین بالمغرب ممتدة من الماضي السحیق إلى الحاضر/ المستقبل بقوة الاعتقاد والحجیة الدینیة ،حضور مؤثث في الذاكرة الفردیة والجمعیة للمجتمع المغربي بسلبیة أو بایجابیة أثره . أضرحة نقرأ مسبقا أنھا ساھمت وبقوة في بناء التاریخ المغربي  الاجتماعي والسياسي بشقیه القدیم والحاضر .

إن الضریح – أو الزاویة – لم یكن قبر ولي صالح ولا قبر شیخ طریقة صوفیة فقط معزول المدفن مغطى برداء أخضر، بل ھو أكثر من تلك القبة المنكسرة دائريا باللون الأخضر، فامتداداته  الاجتماعیة /السیاسیة/الاقتصادیة تفوق كراماته المكانیة و الزمانیة في المرقد ،إنه یمتلك لجام الحاضر / المستقبل لفرملة التطور التنويري / الانعتاقي من سلطة طلاسم التفكیر الماضوي – العقدي الشعبوي – وفق خضوع الذات الحیة لتوجیه كرامة رفات الولي الصالح من تحت ترابه.

 فقد فطن السیاسیون للأمر (المبنج) فحولوا دفة لعبة الصراع السیاسي على السلطة إلى أقبية الزوایا والأضرحة بكل تقنیة وسریة، فكان الأمر شبیھا بالتخرج من كلیة الزوایا السیاسیة بإجازة سلالیة دمھا نقي في بيعة التحكم، تسود بوصلة دینیة إصلاحية ، تمتلك سلطة الحل والعقد. إن الانتساب التاریخي إلى الزوایا والأضرحة – ذات الكرامات- بالمغرب له السحر الأبيض المخدر الذي سلسل التفكیر التحرري التنويري وقید حركة المجتمع نحو الحرية الكونية، وأسقط الدین في متاھة التحریف الاجتماعي، وسلب الإنسان إنسانيته ، و بنى أبجدية جدیدة ترسم بنیة الترقي في السلم السیاسي الاجتماعي تحت مظلة الحصانة الدینیة أو العرقیة / السلالیة المتخرجة من زوایا الأضرحة.

إن الإجابة عن بعض الإشكالات التي طرحتھا قضایا الأضرحة والزوایا لهو الأمر الذي ینكشف من خلال موجھات عدة منھا ، ھل للزوایا والأضرحة نفس المركزیة الآنية – المكانة – التي كانت لھما في التاریخ المغربي الماضي؟ ھل یمكن اعتبار الزوایا والأضرحة بالمغرب نواة لسلطة سیاسیة / إنشاء توجه سیاسي/ عصبیة سلالیة / قبلیة !!!؟ ھل العمل داخل الأضرحة والزوایا یقتصر على ما ھو دیني / اعتقادي ، أم یتعدى إلى السلطة السیاسیة، والسحر الأسود؟ ھل شرعیة الأضرحة والزوایا مستمدة من بنیة الوعي الجمعي المحصل في قیم المجتمع أم أن الأمر تنمیط للتفكیر- البسیط / الساذج – الواجب امتلاكه من طرف المجتمع كإیدیولوجیة سیاسیة ؟.

 الأضرحة والزوایا الحاضر /الماضي في الذاكرة الشعبیة نحن الامتداد الطبیعي للأجداد، ومادام الأمر ھكذا فلازالت زیارة الأضرحة لھا طقوسھا العائلیة الموسمیة. إن مفھوم البركة مقاسه متمدد بتمدد الاعتقادات المجانبة لقيم الدین، إن بركة شیخ الطریقة عند الفھم الشعبي ممتدة ولو بعد وفاته بقرون فھو مفتاح حل عقد الحاضر، إنھا بركة وھبة سماویة تسود وتحكم الحاضر من خلال توارثھا من طرف الخلف والأحفاد حتى ولو فسدت أخلاق فيضهم الروحي !!! إن الفكر الشعبي له مرجع الجواب عن ھذه الأسئلة الماكرة والخادعة. فالأضرحة والزوایا تعتبر قبلة لمن سدت في وجھه الأبواب فالھم  النفسي یحمل إليھا، و لتحصن بھا لإفراغه عن طواعیة وبأريحية حافزة، له الأمر الذي یدفع إلى إمكانية اعتبار(الأضرحة) عیادة علم نفس شعبیة تفرج الكرب، ولھا الحل الجاھز لكل المشكلات، حتى وإن كانت إعاقة مستدیمة.

ھذا المعتقد السطحي ھو مازال یزكي دور الأضرحة في الحاضر. إن الدین في محصلته الاجتماعیة “المتغيرة” لھو البوابة التي ولجنا من خلاله إلى الأضرحة من أبوابھا الواسعة. فالفكر الشعبي المطلسم بعادات دخیلة وممارسات مبتدعة جعل المزارات فكا لنحس الحیاة ومشاكلھا وتحولاتها الاجتماعية غير السوية، وقبلة لإراحة النفس من ضغط الحاضر المرتبك بجدلیة الواقع المفترض والحقیقي. فالنیة المبیتة – عند الفھم الشعبي-  ببساطتھا العفویة كرست العادة الاعتيادية  حتى و إن كانت مجانبة للحقيقة. وأصبح الشیخ/ الولي ذلك المرجع للإفتاء بحل أزمات الوضع الاجتماعي المتحرك بالتغیر الدائم.

 إن الولي الحاضر/الغائب بكراماته المتمددة یلعب دور الطبیب النفساني – حتى وھو في قبره – باستلھام مسیطر على الواقع وتلوینه بألوان دینیة تخدم مثلث العلاقة بین المرید التائه والولي الكفیل، وسلطة المكان والزمان كحجاب محصن . إن الشكوى إلى الغائب في الاعتقاد الشعبي ھو نفور من الحاضر الذي لا يحسن الإنصات للألم الإجتماعي وآهاته. ھروب إلى الخلف من حاضر القھر للذات والمتحدي.

إن الغائب “المیت ” یحسن الإنصات من وراء ثوبه الأخضر ، حتى ولو بعدم الجواب، وبلا تعلیق و لا نقد ولا لوم حاد. إنه ملاذ الحلول الترويحية عن الذات حتى ولو كانت حلما كابسا على النفس والذات والمحيط.

 إن تمجید الماضي وتبخیس الحاضر لهو الأمر الذي نشترك فیه كلنا أميين كنا أو مثقفین من طينة التنوير، إن مقود الماضي ھو من یسلك بنا منعرجات الحاضر ویعمل على حمایتنا بكيس أمان من الوقوع في حافة الأزمات، فما العمل للتحلل من ثوب الماضي الضيق على الذات الحاضرة !!! ؟ إن التفكیر الشعبي باعتقاداته المبسطة من جانب تحويل القیم والفعل السلوكي یفتقد إلى آليات التحلیل لمشكلات  تبخيس الواقع و مجابهة القوة الضاغط بحذاء الاحتواء السلطوي .

فإشكالیة أزمة الواقع في بعدھا الابستملوجي، تستوجب حلولا دقیقة وإجرائية ليس للتنوير بل لعيش الكرامة. أبسط ما نقول عنھا التوعیة والقضاء على حجاب الجھل، وھو الحل الذي لا یدفع إلى طلب الحمایة من الغائب /الحاضر في الأضرحة/ الأولياء الذین كراماتھم لا منتھیة. إن الاعتقاد بكرامات الأضرحة لهي انتكاسة ورجة عقلیة تدفع بالحداثة نحو ھامش الانتظاریة بالتأجيل !!!.

 لا نبتغي صياغة البدائل “الممعیرة” بمؤشرات الحداثة الصادمة، وإنما وصف الحال، ثم نقده، وتوصیف بدائل التمكين والممكن لتجاوز سلطة الماضي الذي ما انفك یمضي بإكراھاته وبامتلاكه الضمني على آلیات تفكیرنا. و يمكن أن یطوح بنا في الدرك الأسفل لحفرة “لآلة عائشة”. فلا مناص لنا ” الآن وليس غدا” من تحصین الحاضر الذي مافتئ یأتي من قوة رفض سلطة كرامات الموتى واعتبار تمجید ثقافة الحیاة المسلك الأول لتجاوز ثقافة تقدیس الموتى.

عن موقع : فاس نيوز ميديا