متابعة للشأن المكناسي محسن الأكرمين.
لم يكن للحديث تتمة حين تداولنا عدة تساؤلات عن تدبير شأن مكناس، بسؤال: ما بعد عبد الله بوانو؟. حديث تم بعفوية مع أطياف سياسية متنوعة يُشهد لها بالرزانة وتقدير الوضعيات برؤية مستقبل مستقل عن الذاتية. سؤال لن يُحيَد عبد الله بوانو بالرسوب من المشهد السياسي بل بالترقي والطموح الجهوي والوطني، سؤال كان لاستقراء البدائل الممكن أن تجيء بها صناديق اقتراع تغيير الاتجاهات.
حين وصل الحديث إلى استنباط البدائل الممكنة ورسوها بالتجميع، بدا المشهد مفزعا ويحمل شكلا من جفاف التنافسية والندية السياسية، بدا الكل يفكر في الكاريزمات الجاذبية المقنعة التي تسد حالة توجه الرئيس الحالي نحو منصب تكليفي بالمركز أو الجهة، بدت الاختيارات أقل ولا تستوفي عدد أصابع اليد الواحدة.
نعم ، فرغم خبرتنا بما يسود بمكناس من حركية القوى السياسية، إلا أننا لم نتمكن البتة من التفكير بمكناس بدون اسم بوانو، لما الأمر؟ لأنه استطاع أن يصنع بصمة التدبير “البوانونية” التي تتأسس على عنصر التدبير التوافقي، استطاع حل المشاكل اليومية وتجميع كل الخيوط بيد استبداد القرار، استطاع تمرير نصف ولايته ضمن خطة الإصلاح في ظل الاستمرار في السلم الاجتماعي بالمدينة ولو بسحب غير مطيرة للتنمية التفاعلية، استطاع تدبير ملفات كبرى وتمريرها أمنا وسلاما.
حقيقة التقلبات السياسية ولي الأيدي ممكنة مستقبلا، حقيقة تكهن المطبات السياسية والمفاجآت التي لا سند لها في الواقع ممكنة الحدوث ولو في آخر عنق زجاجة يوم الاقتراع. هو مكناس الذي يشبه “الطاجين الحامي ولي قال بارد يدير يده فيه”. مكناس ما بعد عبد الله بوانو ستدخل حتما في ائتلافات غير متجانسة حتى مع الفرقاء السياسيين النديين، ستدخل مرحلة شد الحبل ونفض التوافقات وعودة صوت المعارضة إلى دورات المجلس، ستدخل في خانة احتلال المواقع وظهور طواحين هوائية قادمة من الخلفية السياسية.
لنتفق أولا عن أجوبة، ما هي موصفات عمدة مكناس القادم؟ ما هي انتظارات الساكنة من العمدة؟ ما هو التغيير الذي يمكن أن تصنعه صناديق الاقتراع؟ هل الدولة ستغير نمط الاقتراع والعودة إلى الفردي(بنمط جديد)؟ هل الدولة سترسب العتبة لأجل التعويم والبلقنة (لا غالب ولا مغلوب)؟ هل الدولة تؤيد مشروع القطبية أم هنالك مصلحة وطنية للإبقاء على أحزاب “أرانب” السباقات؟ هل التقطيع الترابي (الانتخابي) الجديد لمكناس سيرجع أحزابا بعينها؟ إنها الأسئلة التي لن نقدر الحسم في الإجابة عنها. إنه مكناس الذي لا مشتل له مزهرا في صناعة ملمح وجوه سياسية بالتفرد، إنها وجوه ثلاثية الأبعاد يمكن أن تحكم مكناس ما بعد قرار عبد الله بوانو في الترقي.
لنعد إلى الحزب الحاكم بمكناس ونقلب بالتفتيش فيه عن البديل بعد نهاية عهدة بوانو بالترقي، حتما سنفشل في تحديد معايير الاختيار وفق مقومات تدبير بوانو التوافقي والارضائي، فشلنا في تعيين البديل ضمن منظور اشتغال بوانو وفق رنة هاتف الاطفائي المستعد للحركة وتسكين نيران المشاكل المستجدة، فشلنا في تحديد اختيار البديل بمنطق الخليفة و”نفس النسخة”.
من الانتقادات التي لم تنتج بديلا داخل الأغلبية المريحة، تمركز كل السلطات بيد عبد الله بوانو كعمدة ممتد نحو تدبير كل المصالح وكل القضايا، والرأي الأول له بكامل الصلاحيات. هذا المعطى أفقد فريقه سلطة التنافسية والتمرس، أفقد فريقه داخل جلسات المجلس
الكلام، أفقد الأغلبية قوة الأغلبية وبقيت (34) من ممثلي مكناس يتحدثون تحت جلباب الرئيس بوانو وفي الجلسات المنغلقة للفريق. هي ذي الحقيقة حين لا ترى ولمدة ثلاث سنوات أي تدخل فاعل ومتفاعل وبقوة الحجية والرأي بعد كلام الرئيس، حين ترى أن التنظيم الطيع الذي لا يصنع التفاسية الندية “البنائية” داخله معرض لاختيار البديل غير القادر على تدبير مرحلة ما بعد بوانو. ما بعد بوانو؟ لا خوف عليكم ساكنة المدينة، فمكناس تمشي وفق “قضي وعدي” وتدبير”العام طويل و لي باغي التنمية يتسنى”، لا عليك أيتها المدينة الصابرة الصبورة فتغيير الأشخاص دون تغيير الرؤى التنموية لن يفيدك. هو حديث الشغب السياسي المفبرك بمكناس الذي يمكن من بناء “تيفو” جمالية المشهد السياسي بالتتبع، والخوف من مستقبل الجواب عن سؤال: ما بعد بوانو؟.
عن موقع : فاس نيوز ميديا