محسن الأكرمين.
بات كل مواطن بمكناس يمتلك الأهلية، أن له الحق في المطالبة بعقد مهرجان ولو بطريقة “كوبي كولي” والحصول على الدعم بفائض الربح. بات التوافق في تدبير قضايا مجلس جماعة مكناس مسهلا للدعم باعتماد صيغة تسمية جل نقاطه بحمولة الشراكة مع إرفاق التصدير (المصادقة والموافقة…). بات ما أصطلح على تسميته ” الريع حلال” منفذا ممكنا لنيل المال العام قانونيا وصرفه في هدايا افتتاح المهرجانات أو ما يسمى “ثقافة الاعتراف”.
التيئيس من التغيير تعيشه ” مكناس الكبرى ” طيلة السنة بمهرجانات لا حصر لها. التبخيس حين أصبحت المدينة تداوم على حياة المهرجانات بحد التخمة والتمييع، لكن الصمت المميت حين لا يتم تحريك الأيدي إلا بالتصفيق في مهرجانات لا تنتهي وبات قول “لا” و صناعة معارضة بديلة من المستحيلات. هو زمن مكناس الضائع في سوق مهرجانات بقيمة “اعزل وتخير” والتي أوجدت لنفسها قنوات الدعم من “الريع حلال” وخلقت مريدين من الفنانين يصعدون منصات التتويج والإقامة بمكناس “فابور” مع توفير ظروف التغطية من شرب !!! وأكل، وحدث ولا حرج.
من الملاحظات حين يتم طلب عطف السلطة المحلية لرعاية المهرجان وحضور يوم الافتتاح، فإن الأمر لا يعدو إلا بحثا لإضفاء شرعية الرسمية على المهرجان وبناء “عقيقة” يجتمع فيها رجال السلطة، والمنتخب، وأهل الحل والعقد، والمريدين الأوفياء. وحين لا يحضر موكب السلطة يشاع في المدينة “غضبة السلطة على أصحاب المهرجان”. هي مكناس التي صنعت “الطواحين الهوائية الكبرى من الألسن الفاسدة”. هي مكناس التي لا تكتفي بالتدبير اليومي للورق، بل تسير تحت قرارات ظلام الليل.
من المهن الجديدة بمكناس والتي يجب أن تفرد لها مسالك التدريس بالجامعة ” مول المهرجان” وباللغة العربية “مهندس مهرجانات”، مهنة تشبه عمل “الشناقة” بالأسواق الشعبية ومواسم الأضرحة، حيث يتم من خلالها تقسيم المجال الفني والثقافي والرياضي حسب نوعية العرض (سمين / نحيل) ، ثم تقسيم الزمن السنوي بأجندة (عندي عندك)، والوصول إلى تقسيم ملفات نقاط الدعم و الشراكات حسب الولاءات وصنف الدفوعات الشكلية السبقية والعلنية. فيما المدينة فإنها تؤدي الثمن ليس في ولوج قاعات المهرجان فهو “فابور”، ولكن الثمن في هدر الكلفة المالية و زمن التنمية بمكناس.
أجمل ما في القول، أن مهرجانات مكناس تتقن يوم الافتتاح والاختتام ولها العلامة الكاملة (مكناس عاصمة المهرجانات)، تتقن صيغة الدعوات وإلصاق كلمة “محجوز” على الكراسي الأمامية، تتقن أخذ صور للبهرجة وتقول:ّ للرأس غني”، تتفنن في “ثقافة الاعتراف” ونسيت أن الثقافة تعيش أزمة داخل المدينة، وتدبر وفق برامج شهرية وسنوية على الورق الملون الملصق “بالكٌولا”.
يوم افتتاح آخر مهرجان بمكناس، استمعت لصديق لا يتحدث كثيرا حين فاجأني بسؤال: كم هي ميزانيات مهرجانات مكناس، وكذا الشراكات في السنة المالية؟ لم أقدر المبلغ لأنه يزيد حسب الطلب والعرض واستنساخ “حسن السيرة”. فكان جوابي لا أعلم المبلغ بالضبط، ولكنك تتقن الرياضيات ما عليك إلا حساب عدد مهرجانات السنة ومتوسط النفقات وستجد المبلغ بوحدة الإفراط والتفريط. صدمني حين كان رده “باغي حقي من فلوس المهرجانات والشراكات، ما بغيش نتفرج، ولا نشارك مع أي أحد”. فكرت ووجدت مطلبه عادل، وجدت منطقه يساوي التنصيص على الديمقراطية التشاركية “حقه في المال العام بلا فراجة ولا شراكة”، وجدت ألا أثر من عوائد مهرجانات تتناسل و(حدها (بلاكة) 40).
من فطنة التفكير سؤال بسيط “لمول المهرجان”، ما أثر مهرجانك على التنمية والفعل الثقافي بمكناس؟ من اليقين التام أنه سيفتش عن كل المصطلحات الفضفاضة ويركب جملا تحتمل التعويم، ويتحدث عن النوعية وكم الحضور، وعن المؤشرات التنافسية والرواج الثقافي والمالي. ثم ينتهي “باغي الدعم المالي من سيادتكم، والرعاية المعنوية” !!!.
عن موقع : فاس نيوز ميديا