محسن الأكرمين.
إنها أحلامي ،
“هذه ليست بأحلام” بهذه العبارة خاطبت زينة الحياة محيطها الصامت بعيون متصلبة. إنها الذكريات الآتية من الطفولة العالقة بالمتخيل وبتموج الأجزاء غير المرتبة. أدركت زينة الحياة أن أحلاما بعينها تلازمها مرات عديدة حتى أنها كانت تقض مضجع نومها وتلجأ إلى شربة ماء باردة من المبرد تلطيفا لحنق المشاهد.
تقول زينة الحياة: لما تلك الأحلام الوافدة من القدر باحتمال مستقبل الحظ الوفير، لما أظهر فيها بنصف جزء ملمح وجهي وأن هنالك قطار بعربة واحدة يسير بالنصف الثاني بعيدا، لما الأحلام ترعب نومي ولم أقدر على تصميم برنامج مضاد لتغيير الماضي. من المفترض الصحيح أن يكون حلم المستقبل يأتي عبر حلقة دوران آلة الزمان غير المتوقفة، من المفترض ألا أضطهد نصف ملمحي المسافر كما تضطهدني انعكاسات أحلامي، من حسن حظي الطيب أن الشيء الوحيد الذي أمًن لي الفرح حين تيقنت من ملمحي المسافر صياحه عليا سأعود لأجلك.
سجن الذكريات،
عند محاولات الفهم اليائس لتراكمات الأحلام، تقف زينة الحياة بقناع نصف وجه، وآخر سافر بدون تذكرة قطار. تقف حين قررت بناء سجن محصن لتلك الذكريات واحتجازها تحت مراقبة الأنا الصامتة. كانت حين تبحث عن عقلها النائم وتسلل إليه باحتلال تفكيره تجده مكبلا وغير قابل لتداول الأفكار. كانت زينة الحياة دائمة الحلم ببناء منزل الهرب على المنحدر الجرف الصخري، كانت تعشق عيش الوحدة وبدون مخالطة اجتماعية، كانت تفسد بناءها الصخري بالرفض والتحطيم، ولكنها تعود ثانية لتعويضه بالتركيب لعلها ترتب ذكرياتها الماضية.
في البيت الصخري بمحاذاة جرف المنحدر، كان حلم زينة يتردد بأنها مجرد ظل باهت ضمن نور شمس خافت، كانت كفيفة الحصول على رؤية حقيقية ومتنوعة من نوافذ عريضة وبسمك تصلب البعد. كانت تعلم أن سجن ذكرياتها غير المنتظمة قد فر منه نصف ملمحها بدون جواز سفر.
إنهاء المكالمة،
حين أيقنت زينة الحياة أن نصفها ظل مسافرا بلا طابع بريد وبلا توقف محطة، أحست أنها تضيع ذكرياتها بالسجن الانفرادي. قررت رفع التحدي وفتح مكالمة الحدس في الزمان والمكان، مكالمة كانت صامتة بلا صوت ولا حركة شفاه. عند نطقها الكلمات الأولى، كانت زينة الحياة لا تخفي شيئا عن عواطفها الجياشة تجاه النصف المتحرك بقطار السرعة المتقدة، كانت تبحث عن أسباب أسر ذكريات نصفها الباقي معها، كانت لا تعلم أن بداية التصالح مع الذات والآخر ستلملم جمع النصفين في جسد واحد بالفرح الناعم.
خطاب الحدس استفسرها بالنكرة، ماذا تفعلين هنا يا زينة وحضور الألم ؟ تبسمت بنصف التمهل وبالوجه غير المكتمل وقالت: آسفة عن خسارتك نصفي الثاني بالنأي، أعلم أن القطار سيرحل إلى مكان آخر به ضالة غروره، أعلم أن موت الكلام مني هو منجم ذهب للصمت والهروب الوحيد إلى الأمام.
من أجلك سأعود،
سأعود من أجلك، بهذه الكلمات أنهت زينة الحياة مكالمتها. سأعود من أجلك حتى وإن تهت عن المكان وصرت خارج وقت سياق زمان الطفولة. سأعود لأجلك بقطار الصدفة الذي يكسر نوافذ بيت البناء الصخري على المنحدر المميت. هي زينة الحياة الآن التي تقتحم عوالم المجهول وتسترق السمع من النصف الثاني. هي زينة الحياة التي تبحث عن التوافق و تفسير العلامات المشفرة، هي تريد الفهم فقط والتقرب من الواقع بلا حظ القدر، لكنها لن تقدر عن كشف وجه الحقيقة المفزعة والفصل بين البسمة والألم وجشع غرور الطموح. حينها تقول زينة الحياة : يتآكلني الندم عن هذا العالم غير العادل بالحق والترقية بسلم الفرح، أفقد كل إحساساتي وأنا لا أتذكر نصفي الثاني. حينها ولأول مرة كان حلم زينة الحياة يمرر ليلا بالألوان الطبيعية وخاطبها نصفها المسافر قد عدت لأجلك لأذكرك بكل شيء ابتداء من طفولة التعارف، فأين الفرح والبسمة وزغاريد اللقاء؟.
عن موقع : فاس نيوز ميديا