محسن الأكرمين.
في يوم مساؤه مشمس برطوبة فصل ربيع ممطر، خرج النسوة في مسيرة متتالية وهن يحملن السكاكين الحادة والبادية للعيون. خرج النسوة من بيوتهن وعلامات الشر والفتك بالعدو تظهر المجهول من عيونهن الحمراء وربطة جأشهن، خرجن جماعات وليس هنالك ممن يقدر على اعتراض سبيلهن ونهيهن بالعدول عن نيتهن المبيتة. في الطريق الكل يفسح لهن الطريق بخفة الهروب من شفرات السكاكين اللامعة، حتى الذين هم من المتسكعين”المشرملين” الشداد تراجعوا إلى الوراء خيفة، وهم يتذكرون اتحاد النسوة في قول”هذا عاشور ما علينا الحكام ألالة، سيد الميلود تيحكمو الرجال ألالة …”.
الخوف بدا يتسع شيئا فشيئا حتى بات الحي يتحدث بالصوت المسموع عن مسيرة السكاكين، في الركن المراقب أعلن عون السلطة استنفاره لسطته العليا عن الظاهرة غير المعتادة ” إنهن النسوة في حرب السكاكين اتحدن”، حمل الخوف عون السلطة من ثورة النسوة وحملهن للأسلحة الدمار الشامل، فاتصل بقائد المقاطعة معلنا له الدعوة إلى إعلان حالة الطوارئ العاجلة، واصفا له أن الأمر ممكن أن يخرج عن السيطرة وتعلن نسوة الحي الحرب على الرطب والخشن.
كان يوم الأحد مساء، حيث لم يتمم السيد القائد حمامه البخاري وبسرعة انتعل حذاء الاستنفار ولباس الجند وأسرع الخطى بتشكيل قوات التدخل السريع. في طريقه إلى اتجاه مسار نسوة الحي آثر القائد إخبار الباشا ورئيس الدائرة، ومن الباشا انتقل الخبر نحو سلطة العمالة العليا، و حتى الأمن لم يستخف بخبر “ثورة النسوة السكاكين “. إخبارية عون السلطة الأولى استدعت حضور تعزيزات أمنية متنوعة المشارب، استدعت حضور سيارة الأمن المزودة بكاميرات لتسجيل كل كبيرة وصغيرة، استدعت من السلطة المحلية حمل مكبر الصوت للدعوة إلى وقف التدفق النسائي وحصر نية الشر، والعودة إلى الديار.
كان الفصل فصل ربيع حين خرجت نسوة حي الزيتون وفودا متتالية من بوابة” باب كبيش” حامين الأسلحة البيضاء والشر يتطاير من أنفسهن. كان الأمن حاضرا بسرعة الممكن، و العمل على بناء خطة السيطرة على المسيرة غير المنتهية التتابع نحو حقول” العويجة” أحواز مكناس، كان المخزن لا يعرف السبب الأساسي “لثورة نساء السكاكين” ، ولم يتمكن حتى من اختراق تفكير النسوة ومطالبهن بالأساس. كاد المخزن الحاضر حينها أن يتفاوض مع النسوة ويضمن لهن السكن اللائق، وصحة بالتطبيب السريع، وتعليم ذي جودة، ونقل مجاني، وحتى بطاقة “رميد”، ويمكن أن يستفيدوا كذلك من مالية الدعم “السجل الاجتماعي” طيلة حياتهن، مع عمرة “فابور” للاستغفار. كل هذا لضبطهن وعدولهن عما يحملنه من نوايا خفية ، ومطالب تؤخذ غلابا. لم يستطع مخزن “حقوق الإنسان” الاقتراب من النسوة والاحتكاك بهن بالتخويف والقمع، لم يستطع اعتراض سبيلهن واتجاههن نحو بلاد “العويحة” خارج باب كبيش بالزيتون، لم يستطع تكهن النتائج النهائية إن هو تدخل بقوة لفك مسيرة النسوة غير المرخص بحمل السكاكين الحادة لأول مرة في تاريخ البلاد..
قررت السلطة المحلية ترك الأمر للصدف والمراقبة اللصيقة، قرر الأمن عزل النسوة الكثر ونشر الحواجز الحديدية ومنع التصوير، قرر أن يمنع كل العيون المتلصصة من الالتحاق بكوكبة النسوة المحتشدة بالحقول الخضراء . حينها أصبحت النسوة في الحقول أحرارا وهن في حلقات متحركة تناقش الحياة وغلاء المعيشة والقفة، أصبح الحوار بينهن عليا وممكن عند نهايته أن تصدر زغاريد مدوية للموافقة على أفكار الخروج عن المألوف. هنا بات التساؤل لأهل الحل والعقد يختمر” هذه ليست سلمية سلمية، بل هي بالموس والجنوية…”
انتهت حلقات النسوة وبدأت شمس المساء تأفل انخفاضا، وبدا النسوة في تحرك منتظم بعد أن اتفقوا بينهن ترك حقول “العويجة” والعودة إلى الديار، تأهبت الأحذية السوداء لكل الطوارئ بخفة تامة وطوقت مسالك العودة، تم سحب الحواجز العازلة، والدفع ممن تجمهر من أطفال الحي ورجاله وراء. لاحت أولى طلائع ثورة النسوة” وهن يحملن ربطات من” البقولة” ونبتة “السلك”. ولم تعد السكاكين بادية عندهن، لاحت المراتب الأخيرة من النسوة وهن فرحات بحزم “بقولة (بيو) وفابور”. حينها بدت الحيرة على من حضر من رجال السلطة ، بدا عليهم وكأنهم في عمليات تجريبية لتفريق نماذج من المتظاهرين غير السلميين، بدا عليهم الانسحاب دون أن يتركوا وراءهم غبارا.
إنه موسم “البقولة” الافتراضي أيام “الماء لحلو”، أيام عراصي حي الزيتون وبلاد “العويجة”، هي حكاية للتذكر فقط ولا وجود لها على أرض الواقع، هي افتراض على أن المدينة تحولت باتجاه “حضيني نحضيك”. ما علينا كل الحي كان يشتم من منازله رائحة البقول”بيو”. وفي صبح يوم الاثنين كان تقرير عن” ثورة نسوة السكاكين” فوق مكتب السيد القائد يحمل عنوانا ” ما ألذ “بقولة” ثورة نسوة السكاكين” من بلاد “العويجة، كلشي تعشى فابور وبشرمولة حارة”.
عن موقع : فاس نيوز ميديا