محسن الأكرمين.
الجنية الصامتة،
ساد الصمت طويلا بينهما في تلك الغرفة النائية عن عيون كل المتلصصين الكبار والصغار، حتى أنك تحس أن زمن عقارب الساعة توقفت عن السير قدما وبدأت بالعود إلى الخلف. في تلك الغرفة النائية نفض ما تبقى من حياته الماضية كتابة على الجدران، حتى لم تسلم منه رقعة مكان من خربشات الحياة الماضية، ومرات عديدة رسم على مسطحات الجسد بوشم العبارات المكتملة في البناء اللغوي. هي الحياة التي علمته أن معظم لعنات الحياة ممكن أن تكون هبة سماوية له بالاختبار!!! .
عند تعداد أيام زينة الحياة كان مورد حياته ابتسامة طافحة آتية من خارج تلك الغرفة النائية من أنثى عشقته، كان نبع سيله الفياض دمعة ندية حارة تذوقها مرارا وتألم من العيون الممطرة صيفا. في تلك الغرفة النائية ألف هبة حياة الوحدة المفزعة، ألف قوانين العشق الممنوع ولاءات الرفض، ألف الدمعة المالحة في رائحة تبخرها السريع، في تلك الغرفة النائية كان لا يعرف الرياء ولا ركوب الأمواج الغادرة، كان صادقا و لم يحول حب قلبه من الوفاء للأنثى المعشوقة.
شعاع نور من الأفق،
بات باب الغرفة مقفلا بلا مزلاج، ظل الصمت يفكر في وضعية تفكيك آليات رموز شفراته الباطنية ، ظل الصمت يعبر عن حالات الألم و الوجع حينا، وتوزيع الابتسامات الفضفاضة و الموسعة مرات عديدة بالتعميم. في تلك الغرفة النائية انقشع شعاع نور باهت لاح من زوايا تشققات حياة تاريخ مكونات الغرفة الصغيرة. كل عيون الغرفة تتبعت النور بمتموجات قفزه على كل مكوناتها الداخلية وغير المرتبة عبر رسومات ظل زاهية.
من صفاء وعدل النور أنه توقف بحدود الجدار ولغة (لعنات الحياة ممكن أن تكون هبة يا زينة الحياة !!!). هي أمامه تجلس باستدارة غير مكتملة بحساب علم الرياضيات. هي تلتقط كل أنفاسها وآهاتها الممتدة من الزمن الماضي والقريب، هي سجينة أحداث الماضي ولا تنفك تنفض عنها غباره ولو بالمتنفس الضيق ودوام ابتسامة نظيفة بالحاضر. حين تجد أن تلك الغرفة النائية تجمع لغة الإنس والجن، ستبحث لها عن مسوغات بخور إرضاء نرفزة جن المكان، ولكن حين تبرر الأمر بالموضوعية تجد أن الماضي عندها ما انفك يمضي وأن الحاضر أخلف وعده عند محطة القطار الموالية.
هبة القدر،
حين فكر في حبه بمقاربة المواجهة بين هبة القدر الجميل واللعنة الحياتية، توقف مليا عند أغاني سعاد ماسي (ديرني في بالك يالي نهواك )، توقف عند بحر السعادة وقشة الإنقاذ ووهم سراب بر الأمان، هي سعادة اللقاء الأول و لعنة زينة الحياة بالضفة الأخرى المواجهة بكل أثر منغصات صفوة المستقبل الآتي من حدود المجهولات وتراكمات الذات. قرر وقدر أن يرفع عيناه بمحتوى نقطة خفية من ابتسامتها، لكنه لم يحض بشرفها مادامت عيون وجهها تنظر علوا للآخر غير المكتمل في رسومات الحائط، كان كل هذا يمرر بسرعة مع فقر نور شعاع الشمس الساكن بظل تلك الغرفة النائية.
لعنة البكاء على عمر زينة الحياة لم يعد هبة تنفيس عن الذات ودواخلها، بل أضحى المسكن والناطق بحروف الوجع المستفيض بالتداول، هي اللعنة التي تسكن كل عيون تلك الغرفة النائية. بين متاريس الحياة وحواجزها والتي باتت تمنع كسب تكسير هبة حدود الصمت والبوح بالكلام المباح، تمنًع الحب حين صار يحمل ثقل لعنة حياة الحياة، تمنع اللسان عن تحريك كلمات تحمل رفق المشاعر ولو بالمجاملة القديمة، تصلبت الأصابع عندما حضرت عيون “ميدوزا” القاتلة ولم تنتج إلا رسما حزينا (آمل بأنك بألف خير… ).
سلطة تلك الغرفة النائية أعادت رسم ملامح حب وعقباته القاتلة، لم يدر يوما أن اللعنة من حلفاء طالعه االوفي لمنغصات هبة زينة الحياة، ومن مكونات تكهنات كلمات أبراجه اليومية، لم يعلم أن برجه العقرب لن يفي بكل موعوداته الكاشفة التخمينية، ولو بصدق سلامة هبة لعنة الحياة، لم يعلم أن اللعنة هي هبة مجانية لممارسة عذاب الذات و على الآخر. لم يكتشف أنه سجين يملك مفاتيح السجان بكل بساطة ولم يقدر على الهروب، هو كان سجين الأمل الغائر في بحر سكونية الباطن وتموجات السطح الفاضح.
لعنة اليوم،
لكن اللعنة اليوم عاكست تقرير قوة القدر بريح صرصر عاتية ألقت بباب تلك الغرفة النائية جانبا بالتطويح، وكشفت عن كل العورات الداخلية الخفية و المعلومة. احتل الصخب تلك الغرفة النائية وأضحت الوجوه تنكشف عريا بحدود تقابل خط الانكسار. كل الكتابات الحائطية في تلك الغرفة النائية أضحت شفافة في الرؤية و الفهم، كل الوشم الجسدي بات مقروءا بكل اللغات وبختم رغبات زينة حياة الحياة.
معظم لعنات الحياة ممكن أن تكون هبة !!! في تلك الغرفة النائية كانت تسكن اللعنة و الهبة المتنوعة بين الخير و الشر، كانت روح الحياة و الوجود المنكسر يبني مسوغاته باليقين ويستكين للتجديد، كاد وشم اليد بالوعود الأبدية يتبدد عند حقن كلامها بتبريرات ذاتية مفرطة في التوجس المبهم. ولكن حين فتح عيونه من التفكير لم يجد لا هذا ولا ذاك، لم يجد اسم الحب بتخوفاته الجبرية منحوتا على حائط تلك الغرفة النائية، لم يلحق بتفكيك مجموعة من الرموز الآتية من الصوم عن الكلام ووشم الجسد، أحس أن الوجع يسكن حجم تلك الغرفة النائية، يفترش موضعا بلعنة متكررة بالتجدد مع سبق الإصرار و الترصد، أحس أن تلك الغرفة النائية تسكن خياله ولا وجود لها في هبة زينة حياة الموجودات.
عن موقع : فاس نيوز ميديا