المكناسي محسن الأكرمين : تنمية اليأس والتيئيس

محسن الأكرمين.

اليأس والتيئيس هي ثقافة تفكير استبدت على العقول بالجمع فبتنا نتسارع بجهد مضاعف على غرسه في أجمل صوره العادمة والسلبية. من مظاهر اليأس حين تبيت الثقة في التغيير يتخللها حديث فقدان الاطمئنان من الحاضر والمستقبل. من خطابات التيئيس ازدهار (لغة الخشب)، وهي لغة إيديولوجية الأنظمة العميقة التي تبشر بتحقق الخير العام ، وهي لغة الوعود الفضفاضة بالإيمان القوي أنها لن تتحقق البتة، و يمسي النسيان قادر على محوها بإلهاءات وضيعة و سخيفة .


اليأس من أحداث التاريخ الآتي من المستقبل جدلية ممكن استقراء غيبها عند أقرب عرافة (شوافة) ممكنة. التيئيس من التاريخ غير الحادث هو لسان كهنة خزنة سياسة التمييع وتعويم التغيير بالتسويف اللاحق، هو في استغفال ذاكرة شعب وأمة عبر مساهمته في رفع معاول الهدم ونسف الحاضر والمستقبل وإسقاط الثقة في تمكين تاريخ التغيير بالتحديد. إنه (الوعي الشقي) الذي ازدهرت صناعته بمغرب الفوارق الاجتماعية والمجالية، و أصبح تجارة نافدة بيد بورصة الفساد المستبد، إنه الرعب والخوف من أحداث تاريخ أزمات الفوضوية ، إنه الفساد بعينه كمحرك آلي لوضعيات اليأس البنيوية ودينامو تدوير (للوعي الشقي).

 للفساد عمق ضحل سحيق، ومجاريه عادمة ومتشعبة، للفساد سلطة أضحت مولدة رحم ضفة من مجتمع اليأس الغاضب. للاستبداد السلطوي أياد سافكة تعتبر الرعية من غوغاء (الفوضوية)، وردة فعله -(الوعي الشقي)- ناتجة من طبخة طنجرة ضغط اليأس على أنماط المجتمع المتحرك بلا-عقل ولا تحليل. فهل اليأس ممكن أن يخلق تمردا على الأوضاع الاجتماعية المتردية ؟، هل ممكن لليأس أن يتآخى مع الفساد (يدا في يد)؟، هل الفساد ممكن أن يتحكم في اليأس ويجعله طيعا وسهل التحريك؟، هل ممكن للتيئيس أن يستهلك كل مسكنات التخدير الموضعي وينشئ مجموعة من الصعاليك (الخواسر) الجدد؟، هل اليأس سياسة فريدة للأنظمة العميقة لأجل اللعب على أدوار بطولة (الكوميديا السوداء) للإنقاذ؟.


محاكمة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالنقد البناء وصل حد الثرثرة المسرفة، ولن ينفك الوضع يتزايد تفاقما بالتذمر -(الوعي الشقي)- ويتجه نحو التمرد وتدمير ثقافة المعارضة السلمية في ظل استمرارية الإصلاحات الهيكلية غير المنتهية في الزمان والمكان. محاكمة الأوضاع (الفوارق الاجتماعية) تتجاوز حكمة (عفا الله عما سلف)، تتجاوز الوقوف عن (ويل لكل…) نحو المحاسبة والمساءلة وجبر ضرر ضنك عيش الشعب، وبناء الثقة والتفكير في تأمين المستقبل.


حين تسقط العقلانية في المجتمعات (الهشة) تظهر ثقافة الإلهاءات، يظهر فكر” المرجئة” و” التقية”  وتأجيل قانون العقاب من حياة الدنيا نحو ممات الآخرة، ينكمش الأمل بمسوغات متعددة و ينصاع طوعا لرؤية الفساد بتوليفة القبول ، ويشد بالنواجذ على تلابيب جلابيب اليأس ويسقط المستقبل لزاما ضمن ظلمة المستنقع الحامي.


لن نحدد تاريخ ميلاد اليأس، هل هو من رحم الدولة الحديثة، أم من الدولة التقليدية؟، لن نرجعه كليا بمرجعية تراكمات وإخفاقات سياسة الماضي. بل نقول، أننا فشلنا في بناء تنمية مستدامة تحفظ الإنسان إنسانيه وتنمي ذكاء الفرد والمكان، نقول بأننا أفسحنا للفوارق الاجتماعية اتساعا بيننا وزكينها بالانبطاح التام والهرولة نحو الاستفادة من بقايا ريع الفساد، نقول بأن ثقافة التنوير تخلت عن أدوارها وباتت تعيش مشاكل الفصائل المتناحرة داخليا.


الآن، استوطن اليأس المجتمع بمنتهى صيغة مبالغة التيئيس، حين أصبحت الأحزاب السياسية تتسابق نحو امتلاك كراسي التسيير وبات المواطن ينتظر الدكاكين الانتخابية (2021). حين بتنا نحمل ألسن التراشق بكلام (الخواسر) الجدد و أفعال الصعاليك، حين أصبحنا لا نميز بين الصالح والطالح ونلقي بالكل في سلة واحدة وكأن لسان حالنا يردد (الشواري كلو خانز، حتى وإن كان فارغا من الحوت المعفن).


نحن أبناء الوطن، فمنا من ركب البحر بالحكرة، ومنا من يريد إشعال النار في ذاته… إنها ثقافة اليأس المزدهرة صناعة (كماركة)  مسجلة للفساد . ثقافة لن أزكيها بالمرة، ولكن نطمح (نحن و أنتم) في ازدهار ثقافة شعب يعيش الكرامة، ثقافة تجدد رغبة الشعب في خلق حلقات متسعة للنضال الداخلي التفاعلي مع قضايا الوطن و الأمة. (نحن و أنتم) معا في الاصطفاف بجانب الأيادي البيضاء، في التمييز بين الخير والشر والتعبير عن الآمال في وطن يسعنا باختلافاتنا الفكرية والإيديولوجية.

عن موقع : فاس نيوز ميديا