كلمة الوزير “أمزازي” بمناسبة الدورة العامة الرسمية 2020 (النص الكامل)

كلــــمــــة السيد وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بمناسبة الدورة العامة الرسمية 2020 لأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات حول موضوع: ” التراث الطبيعي والتنمية المستدامة”.

الرباط –  25 فبراير 2020

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

السيد رئيس الحكومة؛

السيدة نائبة رئيس الحكومة الإسبانية؛ وزيرة الانتقال الإيكولوجي والديموغرافي

السيد وزير الطاقة والمعادن والبيئة؛

السيد الوزير المنتدب المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي؛

السيد كاتب الدولة المكلف بالبيئة بالحكومة الإسبانية؛

السيد أمين السر الدائم لأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات

السيد رئيس المجلس الإفريقي للبحث العلمي والابتكار؛

السيدات والسادة السفراء؛

السادة رؤساء الجامعات؛

السيدات والسادة أعضاء أكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات؛

زميلاتي زملائي الأساتذة الباحثون؛

عزيزاتي أعزائي الطلبة؛

أيها الحضور الكريم

 

 

بغمرة من السرور والسعادة، يطيب لي أن أتواجد معكم في الدورة العامة الرسمية التي تنظمها أكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات حول موضوع ” التراث الطبيعي والتنمية المستدامة “.

وأشكرُكُم السيد أمين السر الدائم لأكاديمية الحسن الثاني للعلوم على دعوتكم الكريمة، من أجل المشاركة في هذا اللقاء العلمي، الذي أُنوِّهُ بحسن اختياركم لموضوعه الرئيسي، الذي يكتسي طابعا محوريا واستراتيجيا بالنسبة لبلدنا المغرب، باعتبار التراث الطبيعي يشكل مصدر غنى وثروة وطنية حقيقية، وعاملا ضامنا للاستدامة البيئية.

وهي نفس الأهمية التي يوليها المنتظم الدولي للتراث الطبيعي، بهدف الحفاظ على الأنظمة البيئية، والتنوع البيولوجي، في ارتباط وثيق بأهداف التنمية المستدامة 2030.

وارتباطا بالبُعد الاستراتيجي والتنموي الذي أضحت تحتله الثروة البيئية والتراث الطبيعي الوطني، فما فتئ صاحب الجلالة نصره الله، يلح على إدراج إشكاليات البيئة والتنمية المستدامة ضمن أولويات السياسات الوطنية، بما يرتبط بذلك من حماية للبيئة، ومحافظة على التنوع البيولوجي، وذلك في ظل الإكراهات والمخاطر المحدقة بكل دول العالم، وبإفريقيا على وجه الخصوص، والتي لها انعكاسات وخيمة على البيئة والتراث الطبيعي، مثل المخاطر البيئية التي أصبحنا نعيشها اليوم، من تغيرات مناخية، وتلوث للبيئة، واستنزاف للموارد الطبيعية، وتصحر، وانجراف للتربة، وحرائق للغابات، وغيرها من الكوارث الطبيعية.

وفي هذا الصدد، واستجابة للطلب الملكي السامي، بمناسبة خطاب عيد العرش ل 30 يوليوز 2009، بادرت الحكومة المغربية، إلى إعداد “ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة”، تمت ترجمته إلى القانون الإطار رقم 99.12، من أجل إضفاء طابع مؤسساتي ومستدام على نشاط الدولة في مجال حماية البيئة والتنمية المستدامة، بما في ذلك حماية تعزيز الموارد والأوساط الطبيعية، والتنوع البيولوجي، والموروث الثقافي.

كما كرس دستور المملكة المغربية لسنة 2011 أهمية التنمية المستدامة، حينما نص عليها كحق من الحقوق الأساسية للمواطنين.

حضرات السيدات والسادة،

يعتبر المغرب، انطلاقا من موقعه الجغرافي المتميز، بلدا للتنوع البيئي بامتياز، وأرضا حاضنة لتراث طبيعي غني ومتنوع.

فكما تعلمون، فموقع المغرب في شمال إفريقيا وعلى ضفتي المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، جعله يتوفر على مجموعات طبيعية وبيئية متنوعة، تشكل تراثا طبيعيا غنيا وخلابا.

ويتجلى هذا التنوع، أولا، على مستوى التضاريس، التي تكاد تشمل جميع أنواع البيئات الطبيعية من ساحل، وسلاسل جبلية، وهضاب، وسهول، ووديان، وصحراء.

كما يتجسد هذا التنوع على مستوى المناخ، الذي يتميز بطبقات مناخية مختلفة متوسطية، ورطبة، وصحراوية، وقاحلة وشبه قاحلة …

وبالإضافة إلى ذلك، يستمد التراث الطبيعي المغربي، تنوعه من مكونات أخرى متعددة، تشمل الثروة الحيوانية والنباتية، والموارد الباطنية والمعدنية، وغيرها من المكونات الطبيعية وغير البيولوجية.

وينتج عن هذا التنوع الكبير وجود حوالي أربعين (40) نوعا رئيسيا من النظم الايكولوجية ( Ecosystèmes) التي توفر موائل (Biotopes ) لأكثر من 4500 نوعا من النباتات (Flore)ونحو  550 صنفا من الفقريات ((Vertébrés وآلاف اللافقريات((Invertébrés .

وفي هذا الإطار، أغتنم هذه المناسبة لكي أنوه بفريق العمل الذي ضم باحثين من المعهد العلمي وكلية العلوم بالرباط والمدرسة الوطنية الغابوية للمهندسين بالإضافة إلى خبراء أجانب  الذين قاموا بتجميع كل أصناف النباتات المغربية في  مؤلف (La Flore du Maroc) الذي يحتوي على 3 مجلدات.

وإدراكا من المغرب لأهمية الحفاظ على هذا التراث الطبيعي، تم إنشاء محميات ومنتزهات وطنية متعددة، يبلغ عددها 10 منتزهات كمحمية توبقال، وسوس ماسة. ومكونM’Goun) ).

كما توجد بالمغرب ثلاثة محميات للمحيط الحيوي، كمحمية واحات جنوب المغرب، باعتبار الواحات مكونا مجاليا وبيئيا أساسيا للمنظومة الترابية الوطنية، حيث يغطي 15% من المساحة الإجمالية للمغرب.

ومن المقرر إنشاء محمية رابعة تعرف باسم محمية لاسيدراي للمحيط الحيوي بالأطلس المتوسط، لحماية الأرز المغربي، الذي يعاني منذ عقود من التأثيرات المناخية.

ولا يقل المجال الغابوي أهمية ضمن التراث الطبيعي المغربي، بالنظر لقيمته الطبيعية التي تتجلى في كونه خزانا للهواء النظيف، ودوره في المحافظة على التربة من الإنجراف، ومواجهته لظاهرة التصحر، إذ تحمي التنوع البيولوجي من الإنقراض. ويشكل المجال الغابوي والحلفاء حوالي 9 ملايين هكتار، ويتميز بتنوع كبير، على غرار:

غابة المعمورة  التي تعتبر من أكبر  الغابات الفلينية في العالم بمساحة 130 ألف هكتار، وتتكون أساسا من أربع فصائل ( Espèces) كبرى من الأشجار وهي  بلوط الفلين  والأوكالبتوس والصنوبريات والأكاسيا ، وتشكل  وسط عيش ملائم للعديد من الحيونات والنباتات.

غابات الأركان، التي ينفرد المغرب بها، وتمثل ما مجموعة 18٪ من المساحة الغابوية للمغرب، بمساحة تقدر ب 820 ألف هكتار.

ونظرا للأهمية التي توليها بلادنا للحفاظ على شجرة الأركان، باعتبارها موروثا طبيعيا متميزا، تم إحداث مؤسسة محمد السادس للبحث والمحافظة على شجرة الأركان.

كما يتميز المغرب بتوفره على أكثر من 300 منطقة رطبة (Zones Humides) منها 24 مصنفة نذكر منها مرجة سيدي بوغابة على مساحة تقدر ب 650 هكتار ومنطقة وادي المالح بمساحة 1200 هكتار وخليج الداخلة بمساحة تناهز 40 ألف هكتار وخليج أخنيفيس بأخنفير بمساحة تقدر ب 20 ألف هكتار.

حضرات السيدات والسادة،

إن هذا التراث الطبيعي للمغرب، بقدر ما يشكل مصدر غنى وتنوع في النظام البيئي، بقدر ما يطرح تحديات على مستوى حماية مختلف هذه الأصناف الطبيعية.

فالمغرب، وعلى غرار العديد من الدول الأخرى، ورغم المجهودات المبذولة لحماية تراثه الطبيعي المتميز، فهو عرضة للمخاطر البيئية، التي أصبحت تشكل انشغالا كونيا، يتجاوز الحدود الضيقة للدول.

وارتباطا بذلك، ثمة مجموعة من التحديات البارزة التي يمكن أن تشكل محاور للعمل المشترك، من أجل حماية أفضل للتراث الطبيعي، والتي سأطرحها على شكل إشكاليات:

كيف يمكن أن نرفع، إلى أقصى حد ممكن، من استثمار التراث الطبيعي، لكي يصبح عاملا رئيسيا، يساهم بشكل فعال وملموس، في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية؟

كيف يمكن التوفيق بين استغلال الثروات الطبيعة، والتطور التكنولوجي والصناعي من جهة، والحفاظ على الثروة البيئية، وعلى التراث الطبيعي، وضمان استدامتهما من جهة أخرى؟

كيف يمكن استباق المخاطر والكوارث الطبيعية، والتقليل من تأثيراتها على التراث الطبيعي؟

ما هي أنجع السبل من أجل إدراج أفضل لقضايا البيئة وحماية التراث الطبيعي في مختلف السياسات والبرامج القطاعية، وتحقيق الالتقائية التامة بينها، والرفع من أثرها على التنمية المستدامة، ومن مساهمتها في إنجاح النماذج التنموية الحالية والمستقبلية؟

كيف يمكن أن نجعل من البحث العلمي، ومن التعاون الدولي، آليتين أساسيتين في حماية التراث الطبيعي، ورفع مختلف التحديات البيئية المختلفة، في علاقتها بتحقيق التنمية المستدامة؟

حضرات السيدات والسادة،

ما من شك في أنه من بين المداخل الرئيسية لرفع تحدي تثمين الموروث الطبيعي، هو تنمية الوعي بأهمية البيئة بالنسبة للأجيال الحالية والمستقبلية، وتنمية المعارف في مجال استعمال البيئة والمحافظة عليها.

وهو ما يحيلنا على الدور الذي يمكن أن تلعبه المدرسة في هذا المجال، باعتبارها فضاءً للتنشئة الاجتماعية المتوازنة للأطفال في مختلف المجالات، بما في ذلك التربية البيئية.

فعلى مستوى التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي التأهيلي، تم اعتماد مدخلين أساسيين، يهمان المنهاج الدراسي، والحياة المدرسية.

فبخصوص المنهاج الدراسي، تم تضمين المفاهيم المرتبطة بالبيئة والتنمية المستدامة في المناهج والبرامج الدراسية.

وفيما يتعلق بأنشطة الحياة المدرسية، فهي تهدف إلى تربية الناشئة على الاهتمام بقضايا البيئة، وإذكاء الحس الإيكولوجي لديهم، عبر التركيز على الأنشطة والأندية البيئية، مع تعبئة الشركاء الأساسين في المجال البيئي، من خلال اتفاقيات الشراكة المتعددة، مثل تلك المبرمة مع مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة، لتطوير برنامج المدارس الإيكولوجية وبرنامج الصحفيين الشباب من أجل البيئة وبرنامج التعويض الطوعي للكربون.

أما على مستوى قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، فمن الناحية الأكاديمية تم اعتماد عرض تكويني متنوع في مجال البيئة والتنمية المستدامة، وحماية الموروث الطبيعي.

وفي ميدان البحث العلمي، عملت الوزارة على إدراج محاور البيئة والتنمية المستدامة ضمن الأولويات الوطنية للبحث العلمي لتشجيع البحث والابتكار في هذا المجال ومن أجل فهم أفضل لمواردنا الطبيعية بما في ذلك تثمين الموروث الطبيعي.

وفي هذا الصدد، تم إحداث الوكالة الوطنية للنباتات الطبية والعطرية، لتضطلع بمهمة البحث العلمي والتنموي والابتكار في مجال النباتات الطبية والعطرية والمنتجات الطبيعية وتثمينها، حيث تعمل على المواضيع البحثية التالية:

حفظ وإنتاج النباتات الطبية والعطرية من خلال تحديد خصائصها النباتية والاثنونباتية وحماية النباتات المهددة بالانقراض.

توصيف العناصر الفعالة من خلال البحث عن مواد جديدة يتم استخدامها في القطاعات الصناعية واستخراج جزيئات ذات النشاط العلاجي أو الصحي النباتي وتثمين الكتلة الحيوية النباتية وتطوير التكنولوجيات الجديدة وتكييفها وتطبيقها في مجال إنتاج وتحويل هذه النباتات.

التثمين بواسطة التطبيقات البيولوجية ودراسات آليات عمل الخصائص الفارماكولوجية وتطوير الأدوية الطبيعية دون نسيان دراسة التفاعلات الجزيئية بين النباتات والكائنات الدقيقة…

وفي إطار المجهودات المبذولة لتنمية البيولوجيا الحيوية، يقوم مختبر الأحياء الدقيقة والبيولوجيا الجزئية، التابع للمركز الوطني للبحث العلمي، بحفظ سلالات الأحياء الدقيقة ذات أصول مغربية، وجمع واستثمار مختلف المعلومات المرتبطة بها.

كما حصل المركز على صفة سلطة دولية لحفظ سلالات الأحياء الدقيقة وتسجيل براءات الاختراع طبقا لمعاهدة بودابيست.

حضرات السيدات والسادة،

كما أسلفت، إن الحفاظ على التراث الطبيعي وضمان التنمية المستدامة، يضل رهينا باعتماد المخططات القطاعية الملائمة، وتنويع الشراكات، وتقاسم التجارب الفضلى وطنيا وإقليميا ودوليا.

فبخصوص التعاون جنوب جنوب، يسعدني أن أرحب بالسيد رئيس المجلس الإفريقي للبحث العلمي والابتكار مشيرا إلى أن هذا التعاون قد حضي باهتمام واسع بمناسبة انعقاد مؤتمر (COP22) بمراكش، حيث أعرب رؤساء الدول والحكومات، خلال قمة العمل الافريقيةّ، عن رغبتهم في العمل الجماعي والتضامن من أجل قارة إفريقية أكثر مقاومة للتغيرات المناخية، وتصنع مصيرها من خلال مقاربة إقليمية وشبه إقليمية في إطار شراكة جنوب-جنوب.

وتبعا للتوجيهات الملكية السامية، فإن المملكة المغربية منخرطة بنشاط مكثف في المشاريع المخصصة لإفريقيا كما هو الشأن في مبادرة ) تكييف الزراعة في  أفريقيا  AAA )، مبادرة )الماء من أجل افريقيا) إضافة إلى انخراطها التام في المبادرات الافريقية التي تهم الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية والتكييف.

حضرات السيدات والسادة،

إن تدبير الموارد الطبيعية يقتضي فهما جيدا للأنظمة الطبيعية، ومزيدا من التعبئة والاستثمار في بحث علمي هادف ومبتكر، يسمح لنا جميعا بتحقيق تنمية مستدامة وعادلة، وبتدبير أكثر فعالية وعقلنة للموارد الطبيعية المتوفرة، في تناغم تام مع البيئة التي نعيش فيها، وفي استحضار لحقوق الأجيال المقبلة.

وفي الأخير، لا يسعني إلا أن أنوه بالمجهودات التي تبذلها أكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات، وأنوه بالقائمين عليها، وعلى رأسهم السيد أمين السر الدائم، على المساهمة الفكرية والعلمية المتميزة للأكاديمية، بمشاركة ثلة من الخبراء والمتخصصين في مختلف مجالات العلم والمعرفة.

أنوه مجددا بطرح موضوع التراث الطبيعي للنقاش، آملا في المزيد من تكثيف المبادرات والجهود في هذا المجال، وفي المزيد من تطوير العمل المشترك بين مختلف الدول، لتحقيق ما نطمح إليه جميعا في تنمية شاملة ومستدامة.

وفقنا الله جميعا، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة نصره الله و أيده، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

عن موقع : فاس نيوز ميديا